السؤال
السلام عليكم.
الدكتور الفاضل:
كنت أتابع استشاراتك من فترة لكن ليست بطويلة، وترددت أن أرسل إليكم عن المشاكل التي كانت تواجهني، وقد سعدت بانتظامك ومتابعتك للمراسلين، ونتمنى لكم التوفيق والنجاح.
أنا شاب عمري الآن26 سنة، مشكلتي كانت منذ 10 سنوات، وهي أعراض كثيرة شعرت بها، منها: الإحباط، والخمول، والعزلة كثيرا، فقد وجدت نفسي فجأة في معزل عن الناس والأقارب والأصدقاء، وكنت أشعر كثيرا بالضيق المستمر، وأحس كأني مخنوق دائما بلا سبب، وأشعر بخنقة مستمرة في صدري بلا سبب، وحتى عند دخولي الجامعة والاختلاط بالأصدقاء كنت أشعر أحيانا بالإحباط والضيق المستمر أثناء الدراسة الجامعية، وبالرغم من ذلك كنت ولله الحمد أحصل على تقديرات عالية جدا في السنوات الأربع بالجامعة، وبعد تخرجي من الكلية زادت المشكلة أكثر، وزادت حدتها، فالإحباط والضيق أصبح دائما، حتى أثناء الاستيقاظ من النوم أشعر بالاختناق والكآبة، وأشعر بخنقة في الصدر بدون سبب، وكنت منعزلا عن الناس كثيرا جدا، وكثيرا ما يراودني أثناء الصلوات الوسواس المستمر بفقد التركز، حاولت أكثر من مرة أركز في الصلاة لكني كنت أفشل، وحاولت بقدر ما أستطيع أستعيذ من الشيطان في الصلوات لكن لا أقدر على منعه، والحمد لله اشتغلت بعد التخرج، وخرجت للواقع، واندمجت بين الناس، وعرفت أصدقاء جدد، ولكن ما زالت نفس المشاكل تراودني، منها الضيق المستمر، والإحباط والقلق بدون سبب أعرفه.
سألت الله عز وجل أن يرفع ما أصابني من الغموم والهموم، ولكن هذا قدر الله عز وجل، أعرف أنه ابتلاء من الله.
فكرت كثيرا أن أجد حلا لمشكلتي، فذهبت إلى طبيب نفسى مشهور على مستوى مصر والعرب، وتابعت عنده لشهرين، وأخذت جلسات سلوكية أولا، وتكلمنا كثيرا، ثم أعطاني الدكتور بعض الأدوية -لا أذكر نوع الأدوية الآن- وأخذتها ولم تعط أي نتيجة لي، ولم ألاحظ أي تغيير في سلوكي النفسي، وقد جربت الدواء لأكثر من شهر، وكانت النتيجة سلبية جدا، ففكرت أن لا أتابع عند هذا الدكتور وقتها ولا دكتورا آخر، ومن وقتها وإلى الآن -حوالي9 إلى10 سنوات- ما زلت أشعر بالضيق والقلق والخنقة المستمرة بجانب العزلة عن الناس والأقارب، وكثرة الوساوس عند الصلوات .
بصراحة: استسلمت للواقع، وقلت لنفسي: لا بد من وقفة، ولا بد من مصارحة ، فلا ينبغي أن أستسلم وأهمل بدني، ولا بد من الأخذ بأسباب الشفاء من هذه الحالة المزمنة التي عانيت منها كثيرا، وقد تابعت مقالاتك، وفكرت أن أرسل لك، وترددت كثيرا، ولكن قررت أن أرسل إليك هذه الرسالة، وأتمنى منك أن تستوعب حالتي، وتوصف بعض الأدوية المتوفرة في مصر الآن، وكم عدد الجرعات المناسبة لحالتي؟ لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
وشكرا لك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أشكرك على رسالتك، وعلى حسن الظن بنا، ونسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعا.
رسالتك واضحة ودقيقة، والشعور الذي يسيطر عليك لفترات طويلة بالضيق المستمر وكأنك مختنق، أعقبه أو خالطه شعور بالكآبة، وأيضا الوسواس اقتحم خلدك وتفكيرك خاصة في الصلاة، وهذا بالطبع أدى إلى شرود ذهني وتشتت، وعدم المقدرة على استكمال متطلبات الخشوع في الصلاة.
حالتك من حيث التشخيص ليست صعبة، وعلاجها أيضا ليس بصعب، وأنا لا أريدك أبدا أن تأخذ تاريخك المرضي بأنه طويل وشاق ومتعسر؛ فهذا يعني أن العلاج لن يجدي، أنا أريدك أن تعرف أن العلاجات تطورات، والأدوية الآن التي بين أيدينا ممتازة وفاعلة، وحتى تفهم الأطباء والباحثين لطبيعة الحالات النفسية أصبح أكثر وضوحا، والكلام أصبح كثيرا جدا عما يسمى بالعلاج المعرفي، وهو أمر مبسط جدا، ذكره الله في القرآن {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا بأنفسهم} بمعنى أن الإنسان محتاج للحافز الداخلي الذي هو أصلا موجود ومختبئ في داخله يحركه لكي يتغير، وهذا يتم ببساطة شديدة لكن يتطلب الالتزام، وهو أن أستبدل كل فكرة سلبية بفكرة إيجابية تقابلها، وأن أفهم ذاتي، وأن أقبلها، وأن أسعى لتطويرها، وأن أدير وقتي بصورة صحيحة، فحسن إدارة الوقت دائما يعني حسن إدارة الحياة، ويكون لدي العزيمة والإصرار على أن أعيش حياتي بقوة والمستقبل بأمل ورجاء.
هذه هي المبادئ السلوكية التي أريدك أن تلتزم بها وأن تطبقها، وأنا أقول لك وبكل صراحة ووضوح: التزامك بما ذكرناه من إرشاد بسيط سيكون -إن شاء الله– أكبر معين لك بعد الله عز وجل.
يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي: الأدوية -والحمد لله- كثيرة ومتوفرة وفاعلة، وشروط نجاح العلاج الدوائي معروفة، ونحن دائما نذكر الأخوة والأخوات بضرورة الالتزام بها.
أهم هذه الشروط هي: القناعة بفعالية الدواء، وأن تكون هنالك ثقة في الطبيب الذي وصفه، وأن يكون هنالك التزام قاطع بالجرعة الدوائية، وكذلك المدة الزمنية لتناول العلاج، وأن يدعم العلاج الدوائي بالعلاج السلوكي والعكس صحيح، فهي علاقة تضافرية.
الحالات النفسية كثيرا لا نعرف أسبابها، لكن نعرف العوامل، والعوامل كثيرا ما تكون متعددة، لذا طرق العلاج أيضا يجب أن تكون متعددة.
من أفضل الأدوية التي أرى أنها سوف تفيد في حالتك عقار (مودابكس) وهو دواء ليس بالجديد، فله في الأسواق حوالي خمسة عشر سنة، لكنه جيد وسليم وأثبت فعاليته، والمودابكس له مسميات تجارية أخرى منها (لسترال) وكذلك (زولفت) ويسمى علميا باسم (سيرترالين) ولا أعتقد أخي الكريم أنك تحتاج لأي دواء غيره، فيكفيك دواء واحد بجرعة سليمة وصحيحة، وأنا أتأمل أن التزامك بالمدة العلاجية أيضا سوف يكون منضبطا، وهذا -إن شاء الله تعالى– يؤدي إلى نتائج رائعة.
تبدأ جرعة السيرترالين (مودابكس) بنصف حبة ليلا – أي خمسة وعشرون مليجراما – تستمر عليها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ارفعها إلى حبة كاملة، تناولها ليلا، ولو حدثت زيادة بسيطة في النوم فأرجو ألا تنزعج لذلك.
استمر على جرعة الحبة لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها حبتين في اليوم - وهذه هي الجرعة العلاجية الصحيحة – يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة ليلا، أو تتناولها بمعدل حبة في الصباح وحبة في المساء، ومدة العلاج على هذه الجرعة هي أربعة أشهر.
بعد ذلك اجعل الجرعة حبة واحدة مساء لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، وبذلك تكون أتممت فترة العلاج الدوائي، وكما تلاحظ فإن الدواء له مراحل: هنالك الجرعة التمهيدية، ثم الجرعة العلاجية، ثم جرعة الوقاية والاستمرارية، ثم التوقف التدريجي.
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.