انشغلتُ بأولادي وبيتي عن واجباتي الدينية

0 430

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أم لطفلتين إحداهما رضيعة، ومشكلتي أني أشعر أن إيماني يضعف مع انشغالي بهما وبالبيت وشؤونه، واشتقت لعبادتي، قبل هذا كنت أستشعر فيها بالقرب من الله تعالى, لا أستطيع التركيز الآن إلا قليلا، واستشعاري بهذه الإيمانيات ضعيف، ووردي القرآني لست منتظمة فيه، ولا أقدر على قيام الليل، وحفظي للقرآن يتفلت.

ساعدوني في مشكلتي لأني أرى من هم أكثر مني انشغالا، ولكني كلما هممت السير قليلا إلا وسقطت ثانية.

جزاكم الله خيرا، وتقبل عملكم، وأرجو أن تكون إجابتكم فيها شدة حتى أفيق مما ابتليت به من فتور.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أ أ ع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
يسعدنا أن نرحب بابنتنا الفاضلة في موقعها، ونسأل الله أن يلهمها الرشاد والسداد، ونسأله تعالى أن يستخدمنا فيما يرضيه، هو ولي ذلك والقادر عليه.

ونهنئها بهذه الذرية التي وهبها الوهاب سبحانه وتعالى، وهبة الأولاد نعمة عظيمة تستوجب الشكر لله تعالى، ومن شكر أي نعمة أن يستخدمها الإنسان في طاعة الله، وأن يعترف بفضل الله تعالى، وأن يحدث بها شكرا لله تعالى، والشكر هو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافا، وظهوره على جوارحه انقيادا وطاعة، وعلى قلبه شهودا ومحبة.

فهنيئا لك بنعمة الأطفال، ونتمنى أن تشكري هذه النعمة، واعلمي أن أوسع أبواب الشكر هي العمل بطاعة الله تعالى، قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}.

أما ما ذكرت من الفتور الذي أصابك، فنحن أولا نهنئك على هذه المشاعر النبيلة، وعلى هذا الشعور بالخلل والخطأ والتقصير في العبادة، فإن الشعور بالخطأ هو بداية التصحيح، وهو البداية الصحيحة في العودة إلى الله تبارك وتعالى، فاتبعي هذه المشاعر النبيلة بنفس فيها عزيمة صادقة، وإرادة قوية، ورغبة في التغيير والتصحيح، لأن الآجال بيد الله تعالى، والواحد منا لا يدري إلى متى تمتد به لحظات العمر، وإذا غفل الإنسان عن الطاعة وقصر فيما يرضي الله تعالى فقد يتخطفه الموت، فتكون الندامة - والعياذ بالله - ولات ساعة مندم.

فإذن ينبغي أن تستحضري هذا المعنى أمام عينيك، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدي نفسك من أصحاب القبور، لأن الواحد منا لا يدري إذا جن ليل هل يعيش إلى الفجر، ففيم الغفلة إذن؟ ففيم التقصير والواحد منا لا يدري ما يحدث له وما يدري ما يعرض له؟ فاجتهدي في العودة إلى الله تعالى، وعودي إلى ما كنت عليه من الخير.

واعلمي أن خدمة الأطفال الصغار أيضا نوع من العبادة إذا احتسبنا فيه الأجر وقمنا فيه بما يرضي الله تعالى، وغرسنا في صغارنا معاني التوحيد ومعاني هذه العقيدة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها؛ ولذلك نحن ندعوك إلى أن تحتسبي النية في كل عمل تقومين به، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إنما الأعمال بالنيات).

وكذلك حاولي أن ترتبي وقتك حتى لا تحرمي نفسك من التلاوة والسجود والخضوع لله تعالى، عبر المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته تعالى.

ماذا نقول لك بعد أن شاهدت الناس يتخطفهم الموت، ويمضي الأمل إلى آجالهم وإلى حتفهم، ولا ندري على من سيكون منا الدور، لذلك العاقلة التي تستعد لمثل ذلك المصرع، ولمثل تلك اللحظة، تتاجر في الأعمال الصالحة، لأنها توقن أن الموت يتخطف الناس، وأن الإنسان يقف بين يدي الله تعالى فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه.

هكذا يخوفنا ويحذرنا - عليه الصلاة والسلام - ثم يقول: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة) ولو بكلمة طيبة، فالإنسان ينبغي أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، يبتعد عن كل أمر يغضب الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يعينك على الخير.

وصيتنا لك بتقوى الله، وبكثرة الابتهال واللجوء إليه سبحانه، وصيتنا لك بإخراج كل ما يشغلك عن الله تبارك وتعالى، لأن الإنسان إذا شغل نفسه بالمعاصي، شغل نفسه بالأمور التافهة، فإن هذا يشوش على طاعته وعبادته لله، ولا يعني هذا أن يترك الإنسان مهام الحياة، فلا تنسى نصيبك من الدنيا، لكن ينبغي لكل قضية أن تأخذ حجمها المناسب، والمؤمنة العاقلة تحتسب في كل حركة من حركاتها وكل سكنة من سكناتها، كما قال معاذ: (والله إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) يعني يرجوا أجرا وثوابا على نومته ويرجو أجرا وثوابا على عبادته وطاعته لله تبارك وتعالى.

نسأل الله العظيم أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك مرة أخرى هذه الروح، ونحذرك من الغفلة، فإن الإنسان لا يدري ما يعرض له، وأنت تشاهدين كثيرا من البنات يمتن قبل الجدات، وقد قال رجل لابن المبارك: عظني، فقال: أين أبوك؟ قال: مات، فقال: لا خير فيمن يحتاج إلى موعظة بعد أن مات له أب أو مات له أخ أو مات له جار، فكفى بالموت واعظا وكفى بالموت دافعا إلى النجاة بالنفس والأولاد.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يقر أعيننا جميعا بصلاح النية والذرية، وأن يلهمنا السداد والرشاد، وأرجو أن تتخلصي من كل ما يدعوك إلى الغفلة، فإن هذه الأمور تقيد الإنسان، وكذلك المعصية هي قيد وحاجز يمنع الإنسان من أن يفلح وينجح في هذه الحياة.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات