السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد كنت سابقا –للأسف- أحتفل أحيانا بأعياد ميلاد أطفالي، وقد من الله علي هذه السنة بالتوبة، وقد قمت بإقناع ابنتي الكبرى ذات التسع سنوات بأن هذه الأعياد ليست موجودة في ديننا الحنيف, لكن مشكلتي كيف أقنعها بعدم الذهاب إذا تمت دعوتنا لحضور حفلة عيد ميلاد أقارب لنا؟ لأنها قد تمت دعوتها لحفلة عيد ميلاد صديقتها في المدرسة, وعندما أخبرتها بأنه يجب أن لا تذهب, أخذت بالبكاء والسؤال لماذا؟ ولماذا؟ فأحسست أن الموضوع أتى فجأة عليها فجعلتها تذهب, لكني لا أريد كل مرة أن يحصل نفس الموقف, خاصة أن عيد ميلاد ابنة خالها قد اقترب, وهي من المقربات جدا من ابنتي, فكيف أتعامل مع ابنتي, وأقنعها بعدم ذهابنا لعيد الميلاد؟ فأنا لا أريد أن تشعر بأن الدين هو المشكلة.
أنا أعرف أن الخطأ خطأي منذ البداية، لكن أتمنى أن أصحح ذلك, وأن يغفر الله لي زلتي، فكيف أتعامل مع هذا الوضع, وماذا تنصحوني أن أفعل لأقنع أطفالي بهذا خاصة ابنتي الكبرى؟ حيث إنها بسبب عمرها أصبح الوضع أصعب علي من إخوتها.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دعاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله العظيم أن يصل لنا ولك النية والذرية، وأن يلهمنا جميعا السداد والرشاد، وأن يقر أعيننا بصلاح الأبناء والبنات، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ونرحب بك في موقعك، ونحن نسعد بهذا التواصل، ونسأل الله أن يعيننا على تلبية رغبات إخواننا وأخواتنا، ونسأل الله أن يلهمنا جميعا السداد والرشاد، إنه على كل شيء قدير.
فقد أحسنت -أيها الأخت الفاضلة- بهذا الذي قمت به من تغيير هذا المنكر, والخروج من هذه المخالفة التي تسمى عيد الميلاد، والتي يتشبه فيها طوائف من أبناء هذه الأمة بكل أسف بأعداء الله تبارك وتعالى في هذه البدعة التي دخلت علينا، ونحن حقيقة ينبغي أن نحتفل بحياتنا مع كل سجود لله تبارك وتعالى، ومع كل نعمة تتجدد نشكر الله تبارك وتعالى فيها.
أما أن يتخذ الناس فيه يوما للاحتفال ومراسيم معينة، وقد تصرف أموال, وبعض الأشياء الكثيرة التي فيها تقليد لأعداء الله تبارك وتعالى، فهذا مما لم يقره الشرع, ولم يشرع لنا الاحتفال له، ونحن أمة قائدة لا مقودة، أمة ينبغي أن تحاكيها الأمم, وتسير في دربها وتتشبه بها، لا أن نتشبه نحن؛ لأننا عند ذلك نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأي خير أعظم من هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وخطورة هذه المسائل التي فيها تشبه بأعداء الله أنها تنطوي على تعظيم وتقدير لهم ولما يقومون به، خاصة في مسألة الأعياد؛ لأن الأعياد من النسك، والأعياد من الأمور التي لا ينبغي للناس أن يخرجوا فيها عما شرعه الله تبارك وتعالى لهذه الأمة.
وقد أحسنت في مسألة إيقاف هذه البدعة في بيتك، وبقي عليك الجزء الثاني الذي تحتاجين فيه إلى شيء من الحكمة، ونحن دائما – خاصة في سن البلوغ والمراهقة – مع الأولاد الكبار بل حتى مع الصغار عندما نرفض الشيء لابد أن نبرر لهم، لابد أن نوضح لهم، لابد أن نحاورهم، وأي قرار يسبقه حوار, ويسبقه نقاش تكون آثاره خفيفة على الأبناء والبنات، ولذلك دائما حتى القرارات الصعبة التي يريد الإنسان أن يتخذها عليه أن يبين لهم وجهة الشرع، ويبين لهم أضرار هذا العمل، ويبين لهم الإثم الذي يمكن أن يقع على من يقوم بمثل هذه الأشياء، ثم يقول بناء على ما ذكرنا وبناء على هذا, وحرصا على ديننا الذي لا نملك أغلى منه: (فإننا قررنا أن نفعل كذا وكذا) ثم يحاورهم ويناقشهم.
وأرجو أيضا أن توسعوا الدائرة، فينبغي لهذه البنت أن تتحول إلى داعية، فتكلم صديقاتها، وتكلم بنت خالتها، وأنت أيضا تقومين بالنصح لإخوانك، حتى تتسع دائرة الصلاح والخير.
وأرجو أن تتواصل مع بنت خالتها، ولكن في غير هذا اليوم، وفي غير تلك المراسيم، يعني تستطيع أن تعطيها هدية في عيد الأضحى، عيد الفطر، تستطيع أن تقدم لها هدية دون مناسبة، أما ربط الإهداءات بمناسبة ومراسيم معينة وترتيبات معينة فهذا هو الذي ينبغي أن يتغير، وهذا هو الذي ينبغي أن يزول من حياتنا، وقد نحتاج إلى تدرج ونحتاج إلى شرح، ونحتاج إلى توضيح لمثل هذه الأمور.
فعليك من الآن أن تبدئي في التمهيد لهذه المسألة، وتكوين قناعات عند هذه البنت, والتبيين لها أن الإنسان يمكن أن يرفه عن نفسه, ويأكل الحلوى, ويأكل ما يريد من الطيبات دون أن تكون هناك مراسيم مرسومة أو خطوات لابد أن يقوم بها الإنسان, أو إجراءات وأشياء لابد أن يعملها الإنسان عندما يحتفي كما يقولون بميلاده, أو بغير ذلك من المناسبات.
والحقيقة هذا باب ينبغي أن يسد؛ لأن باب البدع إذا فتح له بداية, وليست له نهاية، فهناك العديد من الحفلات والأعياد التي بدأت تطل برأسها، ولذلك لابد أن نتذكر أننا أمة النبي - صلى الله عليه وسلم – عيدنا الأضحى، وعيدنا الفطر، وعيدنا يوم الجمعة، وأعيادنا أعياد طاعة لله تبارك وتعالى، ليست مكانا للغناء والموسيقى, ولا الفجور، ولا لتقليد أعداء الله تعالى ممن لا خلاق لهم.
فاغرسي في نفس هذه البنت العزة، وحاولي دائما أن تبرري لهذه التصرفات، وأن تربطيهم برب الأرض والسموات، المنعم المتفضل الوهاب سبحانه وتعالى، وينبغي أن نعلم أن الأولاد نعمة، وأن الأموال نعمة، وأن العافية نعمة، وأقل ما يجب على من أنعم الله عليه بنعمة ألا يستخدم نعمة الله في معاصيه.
وبهذه الطريقة وبهذا الهدوء وبهذا التمهيد تستطيعين بحول الله وقوته أن تقنعي الابنة الفاضلة بهذه القناعات، وبعد ذلك -كما قلنا- حتى لو لم تقتنع فإنها ستشعر أنك تريدين لها الخير، وأنك على صواب، ولكن بخلاف الذي يأمر أوامر دون أن يبرر، ونحن بحاجة إلى أن نبرر حتى للصغير حتى يتعلم مهارات الحياة، وحتى يربط الأمور بعللها, والأحكام بعللها، وحتى يعرف نتائج التصرفات في الدنيا والآخرة؛ لأنه هكذا ينبغي أن تكون التربية.
وصيتنا لك: بتقوى الله تعالى، وأنت ولله الحمد على خير، نسأل الله لك السداد والثبات، وندعوك إلى أن تدعي لنفسك ولإخوانك ولأولادك بالخير، وعليك كذلك بأن تمتلكي الحكمة عندما تنصحين للأبناء والبنات، وتعاملينهم بلطف، وتعوضينهم عما فقدوا، ولا مانع أيضا من أن توجدي لهم برامج بديلة فيها طاعة لله تبارك وتعالى، فيها مشاركات جميلة، فيها تواصل اجتماعي وترابط، فيها نوع من الترفيه، هذا كله من حق الأولاد أن يكون لهم نصيب من ذلك.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ولك النية والذرية، وأستغفر الله العظيم لي ولك.