السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع المليء بالمعارف، والملم بقضايا المجتمع، ولثقتي بالموقع أود أن أستشيركم في اختياري لمجالي.
أنا فتاة أبلغ من العمر 23 سنة، وقد أتممت بحمد الله قبل تسعة أشهر دراسة مادة نظم المعلومات الإدارية (كلية إدارة الأعمال)، وتخرجت بمعدل جيد جيدا، وهو تخصص لم يعجبني أبدا، ولا أجد ميولا إليه، ولكن والدي أجبرني على دراسته، وقد كنت أرغب في دراسة الطب، ولدي ميول أيضا لدراسة الهندسة المعمارية، ولكن أقل من الطب.
خلال دراستي في الجامعة طورت مهاراتي في التصميم، والتصوير، والكتابة، ولازالت مهاراتي في هذه المجالات تحتاج إلى المزيد من التطوير.
وبعد تفكير وجدت أني أميل إلى التصميم أكثر، وأني باستطاعتي تطوير مهاراتي في هذا المجال من خلال الانترنت والمشاركة في الأعمال التطوعية، كما أنني أعتقد أن الوظائف متوفرة في مجال التصميم، وهي مهنة مطلوبة كما قرأت في مقالة للدكتور ياسر بكار.
وبعد أن أجمع المال الكافي -بإذن الله- سأدرس ماجستير، أو دبلوم، أو أسجل في دورات للتطوير من مهاراتي، والحصول على وظائف أفضل في مجال التصميم، وأطمح إلى تأسيس مجلة في المستقبل، حيث سيضم هذا المشروع مهاراتي في التصميم والتصوير والكتابة والإدارة.
فهل قراري هذا جيد؟ وهل سأستطيع الحصول على وظيفة في التصميم دون أن تكون لدي شهادة جامعية في هذا المجال؟ وماذا عن مهاراتي في الكتابة والتصوير؟ هل أستمر في تطويرها أم أركز فقط على التصميم لكي أكون أكثر تميزا في هذا المجال؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريح العبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك تفوقا وتميزا، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يشرح صدرك للذي هو خير.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن والدك – غفر الله له – قد أخطأ خطأ فادحا عندما أصر على أن تدرسي تخصصا معينا لم يكن لديك الرغبة فيه، وهو بذلك قد قضى على مشروع كبير، وهو كونك كنت ستكونين طبيبة متميزة من الممكن أن تكون خادمة لدينك ونافعة لبنات جنسك.
أما الآن فالعمل في هذه المجالات التي ذكرتها كلها أبعد ما تكون عن تحقيق رسالة غالية وعظيمة ونفيسة، فالعمل في الحاسب الآلي كما ذكرت أنت لا تحبينه ولا تميلين إليه؛ إذ معنى ذلك أننا خسرنا سنوات طويلة من عمرنا دون أن نستفيد منها شيئا، وها أنت الآن تعودين إلى رغبات خاصة بك – خاصة فيما يتعلق بالتصميم والتصوير والكتابة – وهذه المهارات التي تطورت خلال دراستك الجامعية لميولك النفسية والذاتية لهذا التخصص وهذه المجالات.
وتقولين بأن فرص العمل بالنسبة لها متوفرة، وفي نفس الوقت أيضا أن المجال فيها واسع، وأنه من الممكن الإبداع في ذلك.
وتسألين هل الأفضل أن تركزي على الحصول على وظيفة التصميم، بمعنى أن تكوني مصممة متميزة، وأن تصدري مجلة في هذا الجانب، أم أنك لم تستطيعي الحصول على عمل بدون شهادة جامعية في هذ المجال؟ وتسألين عن مهاراتك في الكتابة والتصوير، هل تستمرين في تطويرها، أم تركزين فقط على التصميم لكي تكوني أكثر تميزا في هذا المجال؟
أولا: مع الأسف الشديد نحن في مجتمعات عربية تقليدية، وأقصد بذلك أن الشهادة يعتبرونها هي مفتاح الأرزاق، وهي مفتاح الأعمال، فمهما كانت خبراتك الذاتية، فأعتقد أن موقفك في سوق العمل لن يكون جيدا، لأنهم سيعتبرونك مجرد هاوية، وبذلك لن تحصلي على المردود المناسب لإمكاناتك ومهاراتك، إلا إذا كنت ستعملين لحساب نفسك، وهذا أمر قد يكون فيه تكلفة، اللهم إذا وقف معك والدك إذا كانت لديه رغبة بأن تبدئي أنت بنفسك بالعمل في هذا المجال لحساب نفسك أنت شخصيا، وهنا لن يسألك أحد عن مؤهلاتك؛ لأن الذي سوف يتحدث إنما هو إنجازاتك وإبداعاتك، أما العمل لدى الغير فإنه مما لا شك فيه حتى في الدولة متوقفة درجاتها على المستوى الدراسي، فأنت الآن عندما تتقدمين بالخبرة أعتقد أن الدولة لن ترحب بك مهما كانت مهاراتك، إلا في حالات استثنائية ونادرة.
ولذلك أنا أقول: إن العمل في هذا المجال إن لم يكن في القطاع الخاص لن تجديه بسهولة في قطاع الدولة الرسمي، لأنك كما تعلمين أن الدولة تتعامل مع المؤهلات والشهادات، ولا تتعامل مع الخبرات والمهارات، خاصة إذا كان نظام الدولة يقوم على ذلك، فسيقولون أين أضعك، وبالتالي سيتعاملون معاملة الحاصل على الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، وهنا ستكون أزمة بالنسبة لك غير عادية.
ومن هنا أقول: إذا كان لديك الاستعداد أن تقومي أنت بنفسك بفتح هذا المشروع شخصيا فأرى أن تركزي فعلا على التصميم، حتى تكوني متميزة في هذا المجال، بشرط أن يكون هذا التصميم لا يتعارض مع شرع الله تعالى؛ لأنه وكما لا يخفى عليك أن الله خلقنا لرسالة ووظيفة، وأن الميول النفسية لا ينبغي أن تغلب على العقيدة والدين، وإنما ينبغي أن تخضع للدين والعقيدة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الدين حاكما ولم يجعله محكوما.
الله تبارك وتعالى أراد أن يكون دينه هو المسيطر على تصرفات المسلمين وعلى أفكارهم، وعلى معتقداتهم، وكل شيء يتعارض مع الدين أو مع قيمه ومبادئه ينبغي علينا أن ننحيه جانبا، وأن نعظم دين الله تعالى، {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}. هذا كما نص الله تبارك وتعالى في كتابه أختي الكريمة.
ولذلك عليك أختي الكريمة أن تنظري هل هذا التصميم يخدم دينك، أم أنه لا يخدمه؟ هل هو يتعارض مع الدين أم أنه لا يتعارض معه؟ هل هذا العمل سيكون نافعا للناس أم أنه لن يكون نافعا؟
ينبغي أن يكون هذا أولا قبل الرغبة والميول، أن يكون هذا أيضا على رأس الأولويات هذه المسألة، مدى نفع هذا المجال للناس، ومدى قدراتك على خدمة دينك من خلال هذا المجال، ومدى قدرتك أيضا على إعانة الناس على طاعة الله من خلال ذلك المجال، أما إذا كان مجرد مجال جديد، ولا علاقة له بالدين لا من قريب ولا من بعيد، فمعنى ذلك أنك ستقضين فترة طويلة من أوقات فراغك بلا أي فائدة تذكر، ولن تستطيعي أن تستغل وقت فراغك في تحقيق الأعمال الصالحة التي تعود عليك بالخير والنفع في الآخرة، حتى وإن كان هناك نفعا دنيويا.
فأرى بارك الله فيك أن تقيمي التخصص في التصميم من منظور الإسلام أولا، ثم بعد ذلك كما ذكرت أن تنظري إلى التخصص في التصميم من هذا المنظار الذي أشرت إليه، من أن الدولة لن تقبل بك موظفة بحال من الأحوال، لأنك لا تحملين مؤهلا، وإنما أنت مجرد خبرة من الخبرات العادية، أما إذا كانت لديك فعلا القدرة على فتح مشروع خاص بك أنت شخصيا، ولديك القدرة مع والدك – مثلا – على إدارة هذا المشروع وعلى إنجازه والتميز فيه، فهذا سيكون حسنا ورائعا، خاصة أنك ستحددين الأوقات التي تعملين بها، ولن يكون ذلك على حساب زوجك في المستقبل، ولا على حساب أولادك، لأنك لم تضعي هذا في اعتبارك الآن فيما يبدو من كلامك رغم أن هذه مسألة مهمة جدا، فإن الفتاة – أو المرأة – المسلمة تعلم أن رسالتها الأولى إنما هو في صناعة الرجال، وصناعة الفتيات الماهرات المبدعات اللواتي يستطعن أن يخرجن لنا أجيالا لا تعرف الركوع إلا لله الواحد الأحد، فإن عليك رسالة أختي الكريمة أعظم مليون مرة من رسالة التصميم والخط والتصوير، وهذا الكلام كله، وهي أن تكوني أما رائعة، وزوجة ناجحة.
أتمنى أن تعيدي النظر في هذه المسائل، وأن تضعيها على محك الإسلام، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير حيث كان.