السؤال
قبل زواجي كانت لي نزوات وانحرافات, وللأسف فقد فعلت الرذيلة قرابة السبع أو ثمان مرات مع عدة فتيات نظير مال أدفعه لهن, ثم تبت لما اسود وجهي, ونحف جسدي, وانحنى ظهري, وساءت علاقتي مع والدي, وتدهورت في عملي, ثم إني عزمت على التوبة بعدها, وتزوجت وأنجبت, ثم سافرت للسعودية للعمل, وتابعت بين العمرة والحج لعل الله يتوب علي ويغفر لي.
ولكني كثيرا ما يغمني التفكير بهذه المرحلة المظلمة قبل زواجي, والتي كانت تحت إلحاح الغريزة المستعرة, والفراغ, وأصحاب السوء, علما بأني لم أمارس الرذيلة مع فتاة بكر, أو متزوجة, بل مع مطلقة, أو من مات عنها زوجها, وكانت أحوالهن المادية سيئة جدا, ربما لا تجد إحداهن قوت يومها, فتصنع ذلك حتى تقيت نفسها أو ولدها, وكان الشيطان يزين لي أن ذلك رحمة لهن!!
والآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على هذه السنين المظلمة تجيئني مخاوف تسود حياتي, وتجعلني أرجو الموت, وهي أنه ربما صنع ذلك معي فيمن أحب من أم, أو زوجة, أو ابنة, أو أخت, فأغيثوني يرحمكم الله؛ فإن الغم والكآبة والخوف تكاد أن تمحو السعادة من حياتي, وقد سمعت حديثا أو قولا مأثورا مفاده: أنه من زنى يزنى به.
وجزاكم الله خيرا كثيرا على هذا الموقع الرائع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد اللطيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فمرحبا بك -أيها الأخ الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
نحن أولا نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقبل توبتك، وأن يثبتك عليها, ثم ما أنت عليه من الخوف من ذنوبك السالفة وسيئاتك السابقة أمر محمود -أيها الحبيب- إذا كان يبعثك على المزيد من العمل الصالح, ويحثك على الإكثار من الطاعات، فإن المؤمن ينبغي له دائما أن يكون جامعا بين الخوف والرجاء، فإذا عمل الذنب وتاب، فينبغي أن يكون خائفا من ذنبه, راجيا رحمة ربه، متعلقا بواسع فضله، وبهذا يستقيم الحال, وتستمر حياة المؤمن من غير يأس, ولا قنوط, ومن غير فرح, ولا إعجاب بالنفس.
ولذا فنحن نبشرك أولا -أيها الحبيب- بالبشارات الكثيرة التي أخبرنا الله تعالى بها في كتابه، وأخبرنا بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - في صحيح سنته عن قبول توبة التائبين, وفرح الله تعالى بها، وأنه سبحانه وتعالى يعفو عن ذنوبهم، فقد قال جل شأنه: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}، وقال جل شأنه في سورة الفرقان وهو يصف عباد الرحمن: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} إلى أن قال سبحانه: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}, والنبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا في أحاديث كثيرة عن آثار التوبة ونتائجها، وأن الله عز وجل يمحو بها الذنوب، وأن الإنسان يعود بعدها -إذا كانت توبة صالحة- يعود بعدها إلى حال خير مما كان عليه، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
فهذا فضل الله الواسع، وهذه رحمته سبحانه وتعالى الشاملة، ينبغي لك أن تتعلق بها، وأن تعلق طمعك فيها، والله عز وجل لا يرد تائبا، فإذا كان الخوف يحول بينك وبين العمل الصالح، وإذا كان تذكر الذنب يحول بينك وبين الاستزادة من الطاعة فإنه ليس مما يطلبه الله عز وجل منك، ولا يحبه، بل هو من فعل الشيطان, يريد أن يدخل اليأس والحزن إلى قلبك، فهذا غاية ما يتمناه، فقد قال الله تعالى عنه في كتابه: {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا}.
فالشيطان يريد جاهدا أن يوصل الحزن إلى قلبك، وأن يغرس فيه اليأس والقنوط، والله عز وجل لا يرضى ذلك ولا يحبه، ولذا فنصيحتنا لك أن تتذكر دائما أسماء الله تعالى الدالة على الرحمة والمغفرة, والفضل والجود والكرم، وأن تكثر من سماع المواعظ التي تذكرك بفضل الله تعالى ورحمته, وتوبته عن التائبين، مع الإكثار من سماع المواعظ التي تذكرك بلقاء الله, والوقوف بين يديه, والحساب على أعمالك، فإنك بذا وهذا تحفظ التوازن لنفسك بلا شك دون أن يطغى جانب على جانب، فإن الخوف والرجاء للمؤمن كالجناحين للطائر.
وإذا تبت -أيها الحبيب- توبة مستوفية لأركانها: وذلك بالندم على ما كان منك من ذنوب، والعزم على عدم العود إليها في المستقبل، وتركك لهذه الذنوب، فإن الله عز وجل يمحو بها ذنبك، فلا تخف من عواقب هذا الذنب, والعقوبات التي رتبها الله عز وجل عليه، فإن الله عز وجل إذا محا الذنب لا يعاقب صاحبه به، فهو سبحانه وتعالى كريم متجاوز يحب الصفح والعفو، وقد جاء في الحديث أنه سبحانه وتعالى يقرر عبده بذنبه يوم القيامة، فيقول له: (ألست صاحب كذا وكذا، فيقول: بلى يارب، فيقول: أنا سترتها لك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم). فهذا هو فضل الله الذي ينبغي أن تتعلق به وتتمسك، وتسعى جاهدا في الإكثار من الصالحات والأعمال الطيبة، فإن الحسنات يذهبن السيئات كما أخبرنا تعالى في كتابه الكريم.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يسعدك بطاعته، وييسر لك أسباب الخير، وأن يزيح عنك أسباب الهم والكدر.