وساوس شديدة حول الدين والزواج فساعدوني

1 535

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أولا: أسأل الله عز وجل أن يجعل ما تقومون به من جهد في سبيل التنفيس عن الكثير ممن يعانون ألما نفسيا لا يعلمه إلا الله وحده, وأرجو أن يتسع صدركم لرسالتي الطويلة, والتي تترجم معاناتي منذ صغري, وباسم الله وأتوكل على الله.

أنا شاب في السابعة والعشرين من العمر, متزوج, والحمد الله, مقيم بفرنسا, متخرج من الجامعة, وحاصل على ليسانس في الإعلام والاتصال, ولكني لا أعمل في المجال الإعلامي, ولكن في مجال آخر, هادئ, حنون لأقصى درجة, أبسط المواقف من الممكن أن تجعلني أذرف الدموع، أحب والدي كثيرا وزوجتي، أظن أنني أعاني من الوسواس القهري منذ صغري, ستقولون لي وما أدراك؟!

أقول: نعم, وتحديدا -والله أعلم- منذ الخامسة, وهو عبارة عن أفكار, ونزعات, وخوف, وشك, وظنان, وكل ما يمكنك أن تتخيله من معاناة، نعم, وسألخص لكم معاناتي:

1- وسواس شديد في الدين, وفي جميع جوانب الفقه والعقيدة, ولا داعي للتفصيل, فهي أفكار لا يمكن أن أتخيلها, ولو أمام طبيب نفسي فلن أبوح بها.

2- وسواس في الزواج.

3- وسواس الردة, والعياذ بالله.

4- وسواس المرض فعندي خوف من مرض التصلب اللويحي, وخوف من أمراض الخصية, مع العلم أني أملك خصية واحدة, وزوجتي حامل, والحمد الله, وصاحب هذا الخوف التردد على الأطباء, وكلهم أكدوا سلامتي, والحمد الله.

5- التنقل بين العلماء وأئمة المساجد والفتاوى عبر الانترنت, ولكن لا جدوى.

6- وهذا ما يزعجني, وأكاد أجن, وهو إحساسي بأني سأتكلم وأقول أشياء لا يمكنني حتى التفكير بها, سواء تعلق الأمر بالعقيدة, أو بالنكاح.

نعم - يا دكتور - لا أستطيع إقناع نفسي أن لا أتكلم, ولن تنجح في إقناعي؛ لأني لست على استعداد لتطبيق تمرين عدم الاستجابة, وأترك تلك الكلمات تدور في رأسي دون أن أفندها, مع العلم أنني كلما أحسست بالكلمات وكأنها على طرف لساني أقول:

أرجوك اذهب عني يا وسواس، زوجتي حلالي معي دائما، أنت خلقتني يا الله سامحني، القران حق من عندك يا الله، عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

وتخيل - يا دكتور - أن كل هذه الأمور تأتيني دفعة واحدة, أي وسواس العقيدة, ثم مباشرة كلمات حول الزواج, وأخرى حول الدين, وكل هذا دفعة واحدة, حيث إنني أظل ألهث, وكأنني جريت لمسافة كيلومتر.

أرجوكم, أريد نصائحكم المفيدة فأنا على عتبة الجنون, وهنا في فرنسا لا يوجد طبيب مسلم أشرح له ما أعاني, وقد ذهبت مرة فقط لطبيب لأخذ وصفة دواء لأتمكن من شراء البروزاك, ولكن الطبيبة كانت مسيحية فزادت عندي الوساوس ولم تفهمني.

أرجو أن تعذروني على تشدقي في الكلام, وأتمنى دعاءكم الصالح لي ولجميع المسلمين بالشفاء العاجل.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد, حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فإن رسالتك واضحة جدا ومفصلة، وكل كلمة وردت فيها تعبر بوضوح شديد أنك بالفعل تعاني من وساوس قهرية، وساوس مستحوذة تتمركز في محتواها حول الدين والعقيدة والزواج والزوجة، ويعرف أن الوساوس دائما يكون محتواها في أمور حساسة وعزيزة على نفس الإنسان، لذا تؤدي إلى الكثير من الحزن والتمزق النفسي.

أنا أتعاطف معك جدا، وفي ذات الوقت أقول لك: إن الوساوس الآن يمكن علاجها وعلاجها بصورة فعالة جدا.

أريد أن أرجع إلى مكونات شخصيتك، فما ذكرته في صدر رسالتك يدل أن شخصيتك تتميز بهدوء الطبع واللطف والوجدانية، وهذه هي نوع الشخصية التي يتصيدها الوسواس القهري في بعض الأحيان, فما ذكرته في رسالتك يعتبر مثاليا جدا من حيث القابلية للإصابة بالوساوس القهرية.

هذه الوساوس بما أنها سخيفة فيجب أن تحقر، وهذا هو مبدأ العلاج الرئيسي.
أعرف أن ذلك ليس بالسهل، لكنه ليس مستحيلا, اكتب كل هذه الوساوس في ورقة، ثم بعد ذلك تناولها واحدة بعد الأخرى، وعليك بتحقير كل ما ورد من محتوى في هذه الوساوس, خاطبها مباشرة: (أنت وساوس حقيرة، لن أهتم بك,) خاطب الفكرة الوسواسية مباشرة، بكلمة (قفي قفي قفي), تخيل هذه الفكرة تحت قدمك تدوس عليها، حقرها، تجاهلها، وضع فكرة مخالفة لها.

الوساوس حول العقيدة وحول الدين والوساوس ذات الطابع الكفري، هذه لا تناقشها، أغلق عليها تماما؛ لأن مناقشتها ومحاولة ردها ومحاولة إقناع الذات وتفحصيها وتمحيصها يؤدي إلى زيادتها، فوجد أن الإغلاق عليها هو المطلوب.

بعد ذلك يأتي العلاج الدوائي: العلاج الدوائي مهم جدا، وله فعالية خاصة في الوسواس الفكري، ومعظم وساوسك فكرية، لذا أنا مستبشر جدا أن الدواء سيكون حاسما في حالتك، وأفضل دواء هو البروزاك الذي وصفته لك الطبيبة، وتوجد أدوية أخرى مثل: الفافرين، الزولفت، السبرالكس، لكني أوافق الطبيبة تماما فيما وصفته لك، وحتى وإن كان دينها غير الإسلام فهذا أمر يجب ألا يزعجك كثيرا، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، وعلاقتك معها هي علاقة علاجية، وأعتقد أنها قد قدرت طبيعة وساوسك, وقامت بوصف الدواء الصحيح.

أرجو أن تبدأ فورا في تناول البروزاك، ابدأ بعشرين مليجراما يوميا، تناولها بعد الأكل لمدة أسبوع، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم – أي أربعين مليجراما – يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة، استمر عليها لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى ثلاثة كبسولات – أي ستين مليجراما – وهي الجرعة المطلوبة لمثل هذه الوساوس التي تعاني منها.

هذه جرعة كبيرة نسبيا، لكنها لم تتخط النطاق السليم، حيث إن البروزاك يمكن أن يتم تناوله حتى أربع كبسولات في اليوم، لكن لا أعتقد أنك في حاجة لمثل هذه الجرعة.

استمر على جرعة ثلاث كبسولات يوميا بمعدل كبسولة في الصباح, وكبسولتين ليلا، ومدة العلاج هنا ثلاثة أشهر، بعدها خفض الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة في اليوم لمدة عام، ثم اجعلها كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

لا شك أنك سوف تستفيد من هذا الدواء فائدة كبيرة، وسوف يبلغ قمة وروعة فعاليته بعد ثلاثة أشهر من تناوله.

ضروري جدا أن تلتزم بالجرعة، والدواء سليم، ليس له آثار جانبية كثيرة، فقط ربما يؤدي إلى تأخر بسيط في القذف المنوي, لكنه لا يؤدي إلى العقم, أو أي خلل هرموني، كما أنه غير إدماني أبدا.

الدواء سوف يسهل عليك كثيرا التطبيقات السلوكية التي ذكرناها، والتي تقوم على مبدأ: مواجهة الوساوس، وتحقيرها، والإغلاق عليها، وتسخيفها، وعدم الاهتمام بها، وصرف الانتباه إلى أفكار وأفعال مخالفة للوسواس.

لديك أشياء طيبة وجميلة في حياتك لابد أن تتذكرها، لابد أن تكون مفعما بالأمل والرجاء، تواصل مع أصدقائك ومع من حولك، مارس الرياضة، ففيها خير كثير جدا، طور نفسك على النطاق المهني، وأنت -والحمد لله تعالى- محافظ على دينك، وهذا شيء يشرح القلب، أرجو من الله تعالى أن يزيدك علما ونورا وثباتا على الدين.

فكرة الخوف من الأمراض يجب أن تحقر تحقيرا تاما، وهي فكرة وسواسية, وليس أكثر من ذلك، وتذكر دائما أنك في حفظ الله وحرزه ورعايته، وعليك ألا تنسى الأدعية المأثورة التي تقي الإنسان من المرض - إن شاء الله تعالى – مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم إني أسألك العافية).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا, وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات