السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابتليت بزوج أحيانا حين يجوع في العمل يأكل اللحم والدجاج من المطاعم غير الحلال، لا يصلي بسبب الكسل والتعب في العمل إلا مرات قليلة فقط، ولا يصلي في جماعة بحجة أن المسجد بعيد جدا، وأنه يعمل ليلا وينام نهارا، لا يستنجي من البول والغائط بالماء؛ لأنه ينسى ذلك فقد تربى في دولة أوروبية لأبوين كافرين ثم اعتنق الإسلام، لا يصوم أغلب رمضان بسبب السجائر يدخن (المارخوانا)، أو ما يسمى (بالبانكو)، عصبي، كثير السب والشتم، ولكنه في نفس الوقت يصبر علي وعلى سوء خلقي، يحثني على أكل الحلال، ويمنعني من أن آكل حراما، ويحثني على الصلاة، ويغضب إن أسرعت في صلاتي، ولا يريدني أن أقصر في حجابي، يتحمل هفواتي، وهو حسن المعشر حين لا يغضب، وهو كريم جدا ويعيش في دوامة من تأنيب الضمير، والرغبة في الالتزام، لكنه لا يعرف كيف؟
أنا في حيرة من أمري، هل أطلب الطلاق أم أستمر معه؟ تزوجنا منذ سنة، وليس عندنا أطفال بسبب ظروف عمله لأنه كثير السفر، لديه اقتناع شديد أن الطلاق في الغضب لا يقع، وأنه بعد كل طلاق هناك رجعة، وكلما غضب جدا طلقني وعاد ليقول: لا لم أطلقك؟ ولم يقع الطلاق.
أنا أحبه وأريد أن أصبر عليه وأساعده ليعود إلى طريق الله؛ لأنه ابتلي بالرفقة السيئة، والعيش في بلاد الكفر، وهو في فترة يشعر بها بتأنيب الضمير تجاه أفعاله ويفكر جديا في ترك المخدر والسيجارة، ما العمل؟
أخاف أن أضيع أجمل سنين العمر معه هباء، وأجد نفسي بدون أولاد ولا مستقبل، وأخاف أن أتركه فأظلمه وأظلم نفسي بعده؛ لأني فعلا أحبه، ولا أدري إن كنا مطلقين أو متزوجين.
مع العلم أنه لا يعرف العربية ليقرأ الفتاوى بالعربية، أرجوكم أعطوني نصيحة, وأسألكم بالله أن ترأفوا لحالي، فاختلاف العلماء رحمة، وربما يكون هناك قول لفريق من العلماء وفي اختلافهم رحمة، فأنا في حيرة كبيرة، وأرغب بالصبر عليه، وأخاف أنه لا يجوز لي الصبر معه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك في موقعك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقر عينك بصلاح هذا الزوج، وأن يعينكم جميعا، ويعيننا على كل أمر يرضيه، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ويشرفنا ويسعدنا أن نعلن لك عن حرصنا على التفاعل مع مثل هذه الأسئلة، ونكرر ترحيبنا بك في هذا الموقع، وننصحك بالصبر على هذا الزوج، ومصالحة النصح له؛ لأن بعدك عنه سيترتب عليه شر كبير بالنسبة له، فهو يحتاج إلى أن يثبت في تدينه.
والإنسان يتعجب من حرصه على الخير، ويتعجب أيضا من تهاونه في الطاعة، وفيما يرضي الله تبارك وتعالى.
وكم هو جميل أن يأمر الزوج زوجته بأن تتجنب الحرام، وأن يحرص على أن تؤدي صلاتها على الوجه الأكمل، وأن يحرص أن تكون مطيعة لله تبارك وتعالى، وأن يغار عليها، ويريدها محجبة متسترة، فهذه علامات كبيرة وإشارات مفيدة تدل على أن فيه خير، وكذلك أيضا مسألة الندم، وعدم رضاه على الوضع الذي هو عليه، ومحاولاته المتكررة لأن يتدين ويعود إلى صوابه.
هذه كلها مؤشرات إيجابية تدعوك إلى ألا تستعجلي في فراق هذا الرجل، مع أننا نطالبه بضرورة التواصل معنا مع هذا الموقع، لمعرفة الحكم الشرعي في مسألة الطلاق المتكرر؛ فإن الطلاق بهذه الطريقة لا يجوز، ولابد أن يراجع فيه الجهة الشرعية، ويتجنب استخدام هذه الألفاظ لما لها من الخطورة، ولما لها من الأثر على الحياة الزوجية.
إذا نحن ندعوك إلى أن تنصحي له، إلى أن تصبري عليه، إلى أن تحاولي أن تربطيه بمراكز علمية شرعية حتى يتعلم هذه الأحكام الشرعية، كما نرجو أن تحاولي دائما أن تكوني الصديق الأول له، فهو زوجك أغلى الناس عندك؛ لأن اقترابك منه سيبعد عنه أصدقاء السوء، وواضح من عمل استقرار التدين أن الأثر كبير جدا لأصدقاء السوء، والأثر كبير جدا للبيئة التي تربى فيها ونشأ فيها.
لكن بلا شك بذرة الخير موجودة، ودورنا هو أن ننمي هذه البذرة، أن نربطه بالله تبارك وتعالى، أن تحاولي أن تثني على ما عنده من إيجابيات، أن تتجنبي ما يغضبه، وسيكون الدور الأكبر عزله عن المخدرات، وعن أصدقاء السوء، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا شكلت بديلا مناسبا يستطيع أن يسحب البساط من هؤلاء جميعا، وهذا لن يكون صعبا - بإذن الله - تعالى، فأنت امرأة والمرأة عندها وسائل تستطيع أن تؤثر بها على زوجها وعلى جميع الناس.
استخدمي ما وهبك الله تبارك وتعالى من ملكات، وحاولي أن تنصحي لهذا الزوج، وأن تذكريه بالله تبارك وتعالى، وتحيني للنصح، واختاري له الألفاظ الجميلة والأوقات الهادئة، وقدمي بين يدي النصيحة -النصح له- الثناء على ما عنده من إيجابيات، ومدح ما عنده من أشياء جميلة، ثم اتخذي هذه الأشياء الجميلة مدخلا إلى قلبه، إلى تنبيهه إلى خطورة بعض الأشياء التي يقع فيها.
نحن حقيقة لا ننصح بالاستعجال في ترك هذا الزوج، مع ضرورة أن تتعرفوا جدا على الأحكام الشرعية في مسألة الطلاق المتكرر الذي يقوم به هذا الرجل، وعليه أن يتواصل مع العلماء في أي مكان، شريطة أن يكونوا موثوقين من أهل العلم، يتواصل معهم ليتعرف على الأحكام الخاصة في مسألة الطلاق، حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه، وحتى لا يكون قد وقع في مخالفات شرعية بتهاونه في هذه المسألة؛ لأن مسألة الطلاق من المسائل الهامة التي اهتم بها هذا الشرع الحنيف, ووضع لها القواعد والضوابط التي ينبغي أن تراعى.
نحن ندعو الله تبارك وتعالى لك، وننصحك أولا بتقوى الله تبارك وتعالى، وننصحك بكثرة اللجوء إليه سبحانه، والدعاء، من أجل أن يصلح الله لك هذا الزوج، وننصحك كذلك بالاقتراب منه، والحرص على الدخول إلى حياته، وتكثير عدد القواسم المشتركة بينك وبينه، حتى ينسحب البساط من أصدقاء السوء، ويقبل عليك هذا الرجل وعلى بيته.
حاولي أن تستغلي وتستفيدي من اللحظات التي يندم فيها، ويحاول العودة فيها، وشجعيه وثبتيه، وأظهري له السرور بالرغبة في العودة إلى الصواب، وإلى الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
أرجو أن تعلمي أن الحياة لا تخلو من الأكدار، ولا تخلو من المشاكل، والإشكال ليس في حصول المشاكل، فلابد أن تحصل، ولكن الإشكال في الكيفية التي يمكن أن نتعامل بها، فأحسني إدارة ما عندك من أزمات، وتوجهي -كما قلنا- إلى رب الأرض والسموات، وسنكون نحن سعداء جدا بتواصلك مع هذا الموقع، ونحن في الخدمة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقر عينك بصلاح هذا الزوج، وأن يرده إلى الحق والصواب.
إذن نقول: الصبر الصبر، الحكمة الحكمة، كذلك الفقه بالشريعة وتعلم أحكام هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
نكرر ترحيبنا بك، ونسأل الله أن يقر عينك بصلاح هذا الزوج، وأن يلهمه ويلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
انتهت إجابة المستشار الإجتماعي الدكتور أحمد الفرجابي، وتليه إجابة المستشار الشرعي الشيخ أحمد الفودعي.
====================
مرحبا بك - أختنا الكريمة - في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.
لا شك - أيتها الكريمة - أن الله عز وجل أرحم بك من نفسك وأعلم بما يصلحك، ومن ثم فلن يقدر لك إلا ما هو نافع لك وخير لك، فكوني على ثقة واطمئنان إلى أن الله أقدار الله تعالى التي تجري عليك فيها مصلحتك وفيها الخير العاجل والآجل، ومن ثم فلا تحرصي على شيء إذا كان مخالفا لما يريده الله تعالى، فقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
نقول هذه المقدمة - أيتها الكريمة - حتى تعلمي أنه إذا كان قد حصل الفراق من هذا الزوج فإن هذا الفراق ربما يكون هو الخير والمصلحة وإن كنت كارهة لذلك، فما ذكره الدكتور أحمد من النصح بالصبر على الزوج ومحاولة إصلاحه كلام جميل وهو نافع لك إذا كان هذا الزوج لا يزال زوجا لك.
أما إذا كان قد طلقك وذكر ألفاظ الطلاق التي تدل على الطلاق ولا تدل على غيره - ولو كانت بغير العربية - فإن الطلاق يقع بهذه الألفاظ وإن كان في وقت الغضب، فإن الأصل أو الغالب أن الطلاق لا يقع من الزوج إلا حين يكون بينه وبين زوجته غضب، ولكن إذا بلغ به الغضب أن وصل إلى حال لا يعي ما يقول فلا يتذكر ما قاله بعد زوال الغضب عنه، ففي هذه الحالة لا يؤاخذ بالكلام الذي قاله وقت غضبه، لأنه كان زال العقل والشعور، فلا يؤاخذ بكلامه، أما إذا كان يعي ما قاله وقت غضبه ويتذكره فلا يفيده بعد ذلك أن يكون على قناعة بأن الطلاق لم يقع وقت غضبه.
إذا كان هذا الزوج قد طلقك من قبل مرتين وردك بعد تلك الطلقتين ثم طلقك مرة ثالثة فإن الطلقات الثلاث قد استكملت فلا تحلين له وعليك مفارقته، فلا تحلين له إلا إذا تزوجت رجلا آخر وطلقك ذلك الآخر، فحينها يجوز لك أن ترجعي إليه لقول الله سبحانه وتعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله).
هذا كله مبني على أنه قد طلقك ثلاث مرات، أما إذا كان طلقك مرتين فإنه لا يزال يملك الرجعة، فإذا راجعك وقت العدة – يعني قبل انتهاء حيضات ثلاث – فإنه يملك المراجعة، وترجعين بذلك زوجة له.
الخلاصة أيتها الكريمة: أن الكلام في مسألة الطلاق وهل لا تزالين زوجة لهذا الرجل أو لا؟ يحتاج إلى أحد أمرين: إما أن تكتبي لنا بالتفصيل ما الذي جرى والأزمنة التي جرى فيها، يعني متى كان يتلفظ الزوج؟ وبماذا يتلفظ؟ وهل كان يتلفظ بذلك في وقت تكونين في العدة من الطلقة السابقة أو بعد انقضاء العدة قبل أن يراجعك؟ فكل هذه الاحتمالات مؤثرة في بيان الحكم الشرعي.
والطريقة الثانية: أن تشافهي أهل العلم في بلدك المعروفين بالتصدر في تعليم الناس وإفتائهم في دينهم، فتشافهي العالم منهم بما جرى من زوجك ليبين لك الحكم الشرعي بالمسألة، إذ لا نستطيع إجمال الحكم وبيان هل أنت زوجة أو لا؟ إلا بعد ذلك، ولذلك فننصحك بأن تتوجهي فورا إلى من يفتيك في هذه المسألة مشافهة حتى تعرفي هل لا تزالين زوجة لهذا الرجل أو لا؟
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.