السؤال
السلام عليكم.
أعاني منذ سنوات كثيرة من الاكتئاب والوسواس القهري, رغم أنني أتناول دواء الأنافرانيل 25, لكن بواقع نصف قرص فقط يوميا, كما أنني اكتئب لمجرد التفكير أنني سأصلي, فتركت الصلاة طويلا؛ لأنني لا أجد قوة نفسية وعصبية لأدائها, وهذا يزيد الطين بلة؛ لأنه يشعرني بالذنب, فأظل دائما في صراع مع نفسي, كما أنني لا أستطيع الاغتسال, وأجد صعوبة في ذلك, وفي أي شيء, حتى لو بسيطا, فإنه يشكل عبئا كبيرا علي, كما أنني دائما أتهرب من لقاء الأقارب.
وما زاد الحال سوءا هو وفاة والدي منذ شهور, وطبعا زاد حزني كثيرا؛ لأنني دائما أفكر فيه, وزادت الوساوس القهرية في رأسي, وأريد الخروج من أزمتي, لكن لا أملك القوة, والآن كيف يمكن معالجة حالتي؟
وهل يمكن معالجة الوسواس القهري نهائيا؟ وهل الأنافرانيل يكفي لهذا الغرض؟ وما هي الجرعة المناسبة علما أنني أستعمله منذ سنين لكن بكمية قليلة؟
أرجوكم ساعدوني كي أكون إنسانة طبيعية, تستطيع إسعاد نفسها أولا, حتى تستطيع إسعاد من حولها.
جزاكم الله خيرا, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خ ب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فأؤكد لك أننا قد تفهمنا رسالتك تماما، فأنت تعانين من وساوس قهرية مصحوبة بأعراض اكتئابية، والوساوس بطبيعتها مزعجة، والإنسان حين يستسلم لها, ولا يقاومها, ويفقد الدافعية لطردها, ينتهي به المآل إلى نهاية سلبية جدا، مثل حالتك, والتي أدت أو انتهت بك إلى ترك الصلاة، ولا شك أن هذا أمر مؤسف جدا، ولابد أن يصحح في الحال ومباشرة.
أنا أؤكد لك أن الوساوس القهرية والاكتئاب يمكن علاجه، ومن المفترض أن تكون حالتك هذه تحت المتابعة الطبية النفسية، الآن هنالك وسائل علاجية كثيرة، هنالك أدوية، هنالك علاج سلوكي، هنالك تأهيل اجتماعي، تغيير لنمط الحياة، استبدال الفكر السلبي بفكر إيجابي، إدارة الوقت بصورة صحيحة، تأكيد الذات ورفع الهمة, فهذه كلها يمكن للإنسان أن يقوم بها، إذا فعلا أراد أن يتغير.
الوسواس الذي تعانين منه يتطلب علاجا دوائيا بجرعة صحيحة، وللمدة الصحيحة.
الأنفرانيل لا بأس به، لكن الجرعة التي تفيد الوساوس المصحوبة بالاكتئاب يجب ألا تقل عن مائة وخمسين مليجراما في اليوم بأي حال من الأحوال.
أنت الآن حقيقة لا تتناولين الدواء بجرعة صحيحة، تناولك لاثني عشر ونصف مليجرام في اليوم من الأنفرانيل هذا لا يعني شيئا أبدا، لذا أصبحت الوساوس مطبقة عليك، فإن كان بالإمكان أن تذهبي إلى الطبيب فهذا هو الذي أفضله، وإذا كان ذلك ليس ممكنا فأنا أقول لك: إنه يجب أن ترفعي الأنفرانيل إلى خمسة وعشرين مليجراما كل أسبوع حتى تصلي إلى مائة وخمسين مليجراما، وهذه هي الجرعة المطلوبة، والتي يجب أن تستمري عليها لمدة ستة أشهر على الأقل، بعد ذلك يخفض الدواء بنسبة خمسة وعشرين مليجراما كل ثلاثة أشهر.
لكن الأنفرانيل في بعض الأحيان وبجرعة عالية نسبيا مثل التي ذكرناها قد يؤدي إلى آثار جانبية, مثل: الشعور بالتكاسل, والإمساك, وجفاف الفم، وهذه الآثار الجانبية تكون في أول العلاج، لكن البعض قد يشتكي منها.
بفضل الله تعالى توجد أدوية بديلة فعالة جدا، ممتازة جدا، وليس لها آثار جانبية.
من أفضل هذه البدائل الدواء الذي يعرف تجاريا باسم (بروزاك)، واسمه العلمي هو (فلوكستين), فأنا أعتقد أنه سيكون بديلا ممتازا وفاعلا جدا لعلاج الوساوس التي تعانين منها، وسوف يحسن مزاجك بدرجة كبيرة، وهو في الأصل مضاد للاكتئاب، واكتشفت بعد ذلك خاصيته لعلاج الوسواس القهري خاصة من النوع الفكري.
جرعة البروزاك أن تبدئي بكبسولة واحدة في اليوم، يتم تناولها بعد الأكل، وبعد أسبوعين ترفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم, تستمرين عليها لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم، يتم تناول كبسولة واحدة في الصباح, وكبسولتين ليلا، وهذه هي الجرعات العلاجية التي يجب أن يكون الاستمرار عليها لمدة أربعة أشهر على الأقل، بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة عام على الأقل.
إذن الخطة العلاجية الدوائية واضحة جدا، ويجب أن تصححي وضعك الحالي، فأنت حقيقة لا تتناولين علاجا صحيحا من حيث الجرعة.
بجانب العلاج الدوائي, والذي يتطلب الالتزام التام حتى تحسي بالتحسن، لابد أن تدخلي أيضا البدائل السلوكية. أنت في عمر حرج نسبيا، فبداية الأربعين عاما عند كثير من النساء يظهر فيها الاكتئاب النفسي، لذا لابد أن تكون هنالك حيوية في حياتك، أكثري من التواصل الاجتماعي، اذهبي إلى أماكن تحفيظ القرآن، حيث تلتقين بالصالحات من النساء، ويكون هنالك نوع من الدعم النفسي الكبير جدا.
حاولي أيضا أن تمارسي أي رياضة تناسب المرأة المسلمة، والرياضة سوف تفيدك من الناحية النفيسة، كما أنها تمنع هشاشة العظام، والتي هي أمر مزعج جدا للنساء بعد سن الأربعين.
الوساوس القهرية دائما تعالج من خلال التحقير، ومن خلال إهمالها وتجاهلها، وقضية الصلاة -كما ذكرنا لك- لابد أن تتعاملي معها بأمر حازم، وتبدئيها الآن، فالصلاة لا تتحمل التأجيل، والمسلم الذي لا يصلي لا خير فيه، فسدي هذه الثغرات على الشيطان، وسوف تجدين أنك والحمد لله تعالى قد تغلبت على صعوبات كنت تعتقدين أنها فظة، وصعبة، ومتراكمة, وسوف تجدين أن الأمر كان أفضل مما تتصورين.
ابدئي ولا تترددي، والاستحمام والاغتسال هذا أمر يمارسه جميع الناس، فلماذا لا تكوني أنت؟! .. التواصل مع الأقارب، وصلة الرحم أمور مطلوبة جدا، والإنسان بما أنه كيان اجتماعي لا بد أيضا أن يتواصل خاصة مع الأقارب والأرحام.
إذن الفعالية في داخل المنزل وخارجه مطلوبة، التغيير الفكري مطلوب، تناول الدواء مهم جدا، وتغيير نمط الحياة، وكلها - إن شاء الله تعالى – تصب في مصلحتك الصحية لتتمتعي بصحة جسدية ونفيسة عالية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.