السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة منذ سنتين ولدي طفلة -الحمد لله- حياتي مستقرة، وزوجي يحبني، ويسعى لراحتي، وإلى توفير حياة كريمة لي ولابنته، ولكن ظروفه المادية ليست جيدة كثيرا، فراتبه لا يكفينا إلى نصف الشهر، وللأسف يضطر للاستدانة من الآخرين لتسيير حياتنا، هو يعمل ويكمل دراسته في نفس الوقت رغبة في الحصول على شهادة أعلى، ووظيفة جيدة، وراتب أفضل.
هذه السنة أصبحت تأتينا إعانة للعاطلين مقدارها ألفين ريال، وقد اضطررت لمساعدته منها، واتفقت أن يأخذ ألف، وأنا ألف، وفي أحيان يضطر لأخذها كلها إذا ضاق عليه الحال كثيرا بعد أن يستأذنني، وفي أحيان أخرى أصرف نصيبي لشراء الملابس لي ولابنته بنفس راضية ورغبة مني في مساعدته أيضا، وخوفا من تراكم ديونه.
الحقيقة أنه يعمل جاهدا لتحسين وضعه لكي يسعدني كما أنه حنون وطيب معي، وكغيره من البشر لا يخلو من العيوب، ولكنها عادية، وليست كبيرة، ولا تقارن بمزاياه، ودائما أسأل الله أن لا يغير علينا إلا للأحسن، قبل فترة علمت أمي أنه يأخذ من هذا المبلغ، ولم يعجبها الأمر رغم أنها طيبة وحنونة ولكنها كأي أم أرادت نصحي، وقالت بأنني لا يجب أن أعطيه شيئا، بل يجب أن يكون كامل المبلغ بيدي وأتصرف فيه لوحدي حتى لا يعتاد الأمر لأنه مجبور أن يصرف علي مهما كانت ظروفه ودون أن أساعده! لا أخفيك أن كلامها أثر في كثيرا وأدخلني في دوامة من الصراعات مع نفسي، فأنا لا أحب أن أكون في موقف المرأة المغفلة، وفي نفس الوقت لا أحب أن أقف موقف المرأة الأنانية التي تحسد زوجها، فهل فعلا هي على حق؟! أم أنه يجب أن لا ألتفت لكلامها وأساعد زوجي؟! أرجو منك الإفادة والنصح، فأنا في حيرة من أمري، وجزاك الله عني كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمووول حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته، ومن والاه.
بداية نرحب بابنتنا الكريمة في موقعها، ونسأل الله أن يسهل أمرها، وأن يسهل أمر زوجها، وأن يقدر لكما الخير ثم يرضيكما به.
وكم أنا سعيد بهذه الاستشارة التي تدل على كمال عقلك وعلى أنك ناضجة، والله تبارك وتعالى أسعدك وهيأ لك الخير، والمرء يعطى على قدر نيته، فواظبي على ما كنت عليه من الخير، واستمري على ما كنت عليه من التقدير والإعانة لزوجك، فإن هذا هو الأصل، وهذه هي الروح التي ينبغي أن تسود، وما بينك وبين الرجل أعلى من الدراهم والدنانير، واجتهدي في إرضاء والدتك، وليس من الضروري أن تخبريها بأن الأموال تضيع، ولكن بيني لها أنك تشتري منها الثياب لابنته ولنفسك، وأنك تستمتعين بما يأتيك من الخير، وبيني لها محاسن هذا الزوج، وأنه يسعى في إكرامك، وأنه لا يقصر ويبذل جهده.
فالوالدة نريدك أن تحسني الاستماع إليها، ولكن لا تفعلي إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى، واعلمي أن حق الزوج مقدم على حق الأم، لأن أولى الناس بالمرأة زوجها، ومساعدتك للزوج بهذه الطريقة مثل هذا الزوج الذي يحمل مشاعر نبيلة، ويقدر ما أنت فيه ويعرف فضل هذه المساعدة، لا ينبغي أن يترك، مهما كانت الإغراءات ومهما كان الكلام الذي يأتيك من قبل الوالدة أو غيرها، فلا تطيعي أحدا في هذا الأمر، ولكن اجعلي قضاء حوائجك بالكتمان، واسترضي الوالدة، فهي أيضا تنطلق من منطلقات الخوف عليك، لكنك أعلم بزوجك، وأعلم بحقيقة الأمر من والدتك، فلا تتركي ما عندك من اليقين والخير والمعرفة لكلام الآخرين، واحترمي الوالدة واقتربي منها، ولا مانع من أن تحضري لها في مرة من المرات هدية من الأموال التي تكون بين يديك، ويمكن أن تحضري لها هدية وتخبريها أن هذه من الزوج، وأنه أرسلها لها، ونحو ذلك، أو تتفقي معه على ذلك، حتى تطيب النفوس، وحتى لا تظن هذه الوالدة أنك مقهورة، وأنك مجبورة على إعطاء الأموال لزوجك.
ولعل الوالدة تعذر، لأن الناس دائما يخافون من أن بعض الأزواج إذا ساعدته الزوجة وأعطته، وإذا وجد الأمور سهلة، فإنه ربما يغفل عن الأمر ويتخلى عن واجباته، ولا أظن أن الزوج الذي ذكرته بهذه المواصفات العالية من هذا النوع، وعلى كل حال، فإن سعي الرجل في تطوير مستواه، في تحسين وضعكم المادي، من الأمور التي تستحق التحية، وتستحق التشجيع منك والمعاونة له حتى يخرج من عنق الزجاجة، وحتى يستأنف حياة جديدة يوفر لكم فيها - إن شاء الله – العيش الكريم، والعيش الهنيء بحول الله تبارك وتعالى وقوته.
فحافظي على ما أنت فيه من الخير، واحذري أن يعلم الزوج بما صدر من الوالدة، واجعلي مثل هذه الأمور في طي الكتمان، وينبغي ألا تظهري له إلا المشاعر النبيلة من قبل والدتك، فإن ذلك يترك آثارا في النفوس، والنفوس كما قال الشاعر: (فإن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يجبر).
فمثل هذه الكلمات لا ينبغي أن تصل إلى أذن الزوج، وينبغي ألا توصلي إلى أذن الوالدة كذلك إلا المشاعر النبيلة والإيجابيات التي وجدتها في هذا الزوج، واجتهدي في الاقتراب من الوالدة، وفي إكرامها وفي البر لها، وأظهري لها الانتفاع بنصيحتها والاحتفاء بكلامها، وبإشارتها التي أشارت بها، فإنها قد تكون صحيحة إذا نظرنا في حال كثير من الأزواج الذين ربما كان الواحد منهم أصلا طامعا في أموال زوجته، فقد يأكل أموالها ثم بعد ذلك ربما عاملها معاملة سيئة، وربما طلقها وذهب إلى حال سبيله، ولكن زوجك - إن شاء الله – بعيدا عن مثل هذه التهمة، وقد شهدت عليه بشهادة جميلة، نحن حقيقة نشكرك عليها.
وإذا كانت هذه مشاعرك فقطعا هذا الزوج سيبادلك الوفاء بالوفاء، والأهم من هذا أنك ستفوزين بالأجر والثواب عند الله تبارك وتعالى، لأن خير الأزواج عند الله خير لصاحبه.
فواظبي على ما كنت عليه من الخير، ولا تتركي زوجك في هذه الظروف التي يمر بها، وساعديه جهدك، واحرصي على إرضاء الوالدة، ونسأل الله أن يوفقك للخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، واعلمي أن مثل هذه المواقف مع الزوج لا يمكن أن تنسى، وهذا الزوج سيعرف لك هذا الوفاء، ويبادلك به وفاء، ونسأل الله أن يجمع بينكما على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد.
ولا داعي للحيرة والتردد في هذا الأمر، فحق الزوج مقدم، ومساعدة الزوج فيها مصلحة كبيرة لك ولأسرتك، وسيأتي اليوم الذي يعوضك الله تبارك وتعالى عما بذلت، وسيأتي اليوم الذي يعترف فيه هذا الزوج بما وقفت معه هذه المواقف وبهذا التشجيع والدعم له، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح لنا ولكم الأحوال، وأن يعيننا على طاعته، إنه جواد كبير متعال، وأستغفر الله العظيم لي ولك.