السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله كل خير, وأعانكم الله على ما تقومون به.
سؤالي يا شيوخنا الكرام:
أنا موظف في بنك, وقبل أسبوع استخرت بأن أستقيل من العمل في البنك للبحث عن عمل آخر؛ لأن الحلال والحرام يختلفان عندي, وما لا أطيق الأعمال التي فيها الشبهات, وفي يوم الاستخارة شعرت براحة نفسية لم أشعرها طوال سنين حياتي, ثم أقدمت على الاستقالة رغم كثرة الديون علي, ورغم أنني متزوج, ولكن لا يوجد لدي أطفال, أناس معي بالعمل أيدوا فكرة الاستقالة, والبعض الآخر لم يؤيد الفكرة, وأنا الآن بدأت تساورني الشكوك حول سداد الديون, لا أريد أن أصل إلى مرحلة طلب الحاجة من الناس, وكلما ذهبت إلى التقديم على عمل واستخرت الله يضيق صدري, أو تتلاشى فكرة العمل.
ثم استخرت الله أن أرجع إلى العمل مرة أخرى, ولكن تلاشت مرة أخرى فكرة العودة, وشعرت بضيق صدر, وأنا الآن شبه عاطل عن العمل, فأطلب من الله ثم منكم المشورة, ماذا أفعل؟ أأعود إلى العمل في البنك؟
وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سعود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يمن عليك بعمل صالح طيب مبارك حلال بعيد عن الشبهات أو الحرام, كما نسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك عاجلا غير آجل، وأن يوفقك لقضاء ديونك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فإني أرى أنك قد أخذت القرار الصائب والموفق والمسدد؛ لأنك تعلم أن الربا من أعظم الكبائر، ولذلك ثبت في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) وعد منها (الربا) على رأسها, والموبقات أي المهلكات التي تهلك العبد في الدنيا وفي الآخرة، وأعتقد أن نصوص القرآن الكريم قاطعة مانعة في حرمة الربا, وخطورة من يتعامل به والآثار المترتبة عليه.
كذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أعظم عند الله من ست وثلاثين زنية) وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم - : (الربا بضع وسبعون بابا أهونها مثل أن يزني الرجل بأمه), ولعلك تقول بأنك لست مرابيا، ولكنك تعلم أنك تعمل في بنك يتعامل بالربا، والنبي - صلى الله عليه وسلم – قال: {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء), وقبل ذلك قال الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
تصور أن عملا يلعن الله فاعله ليلا ونهارا على مدار الساعة، فكيف يكون عملا مباركا أو عملا موفقا؟! فلقد أكرمك الله وشرح صدرك فعلا لاتخاذ هذا القرار القوي والشجاع والجريء، وأحب أن أبشرك بأن مثلك لن يضيعه الله تبارك وتعالى أبدا، لأنه كما ثبت في السنة "أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" وأن من عف نفسه عن شيء في الحرام ناله في الحلال، فأنت -بإذن الله تعالى- على خير وإلى خير، واعلم أن المسألة مسألة وقت، وعما قريب سيفرج الله كربتك, ويقضي حاجتك، ولكن لأنك أخذت قرارا كبيرا وشجاعا وجريئا وقويا لا يستطيعه كثير من المسلمين – مع الأسف الشديد – فإن الله تبارك وتعالى أراد أن يختبر إيمانك: {إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} {إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك} وأراد أن يعلم ثباتك على الحق، ولذلك الذي يحدث لك نوع من التمحيص, ونوع من التنقية؛ لأنك بذلك تطهر نفسك من الحرام والإثم، وبذلك تريد أن تدخل إلى سجل الصالحين المتقين، إلى سجل التائبين الكبار، الذين قال الله تبارك وتعالى عنهم: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
فهذه خطوة رائدة ورائعة وموفقة ومسددة، واعلم أن المسألة مسألة وقت، واصبر وتحمل واحتسب الأجر عند الله تعالى، واعلم أنه على قدر صدقك في هذه التوبة سوف يكرمك الله تبارك وتعالى، وسيفتح لك الحدود والسدود وقلوب العباد.
ومسألة التردد هذه إنما هي من الشيطان؛ لأنك عندما كنت تعمل بالربا كنت جنديا من جنود إبليس, والعياذ بالله، والآن أصبحت وليا من أولياء الله، فالشيطان يريد أن يردك مرة أخرى إلى حظيرته لتكون من جنده الخاسرين، فإياك ثم إياك أن تتردد، أو أن تفكر في العودة مرة أخرى إلى الحرام بعد أن أنجاك الله تبارك وتعالى منه؛ لأن هذه ردة سلوكية لا يعلم بخطرها إلا الذي يعلم السر وأخفى.
فعليك بالثبات، وعليك بالصبر الجميل، خاصة وأن حمالتك بسيطة، وأن مسؤولياتك الأسرية قليلة، وهذا أمر يجعل تحملك والاحتساب والصبر أمرا أيسر من أن يكون لديك أطفال كثر يحتاجون إلى نفقات يومية, وأنت الآن عاطل عن العمل, ولكن أقول لك: إنها مسألة وقت، وعما قريب سوف ينجلي هذا الليل ويأتي فجر مشرق منير يبدد هذه الظلمات, وتسعد به أنت وزوجك، وتلقى الله تبارك وتعالى على عمل صالح، وأبشرك بفرج من الله قريب، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، ولكن عليك أولا بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يقبل الله توبتك, هذا أولا.
ثانيا: عليك بالدعاء أن يعوضك الله خيرا.
ثالثا: عليك بالصبر الجميل.
رابعا: عليك بالإكثار من الاستغفار لأنه من مفاتيح الأرزاق.
خامسا: عليك بالإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم – لأن لها أثرا عظيما في تفريج الكربات وقضاء الحاجات.
سادسا: عليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وفوق ذلك كله المحافظة على الصلاة في أوقاتها، واجعل لنفسك وردا من القرآن الكريم تقرؤه يوميا، عسى الله تبارك وتعالى أن يقبلك في عباده الصالحين، وأن يمن عليك منة عظيمة في هذه الدنيا، فتلقاه وأنت مستور مجبور سعيد مسرور.
أسأل الله أن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن ييسر لك عملا صالحا طيبا مباركا عاجلا غير آجل، إنه جواد كريم, هذا وبالله التوفيق.