السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة متزوجة، ولكن زوجي بعيد عني، وأنا أقيم عند أمي، وأبي متوفى، تضيق بي الدنيا لخلافي الدائم مع أمي بسبب أخوالي، فهي تحبهم حبا لم أره من قبل، وأنا لا ألومها فهم إخوانها، ولكن ما يضايقني جدا أنهم دائما يتهمونني بأنني متكبرة، وأنا -والله- أقل عباد الله في نظري، فلا أعرف لماذا دائما يقولون ذلك؟ دائما يتشاجرون معي، ودائما عندما أبعد عنهم وأكون في حالي تتشاجر أمي معي كثيرا، وأحيانا تثقل علي بالكلام.
أنا أمشي من بيتها؛ لأنني أعمل مع أخواتها، مشاكل أصبحت أكره أخوالي كرها كبيرا، ولا أريد أن أراهم، ولا أسمع أسماءهم، وأريد أن أعيش بمفردي، ولكن أمي مريضة، وأنا أقوم بخدمتها، ورغم ذلك تنكر أنني أساعدها في حياتها، فماذا أفعل؟
هل أترك أمي والكل، وأذهب للعيش في شقتي بمفردي إلى أن يرجع زوجي أم ماذا أفعل؟ علما أن زوجي لا يمانع من انتقالي إلى شقتي بمفردي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذا الاهتمام، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونبين لك أن مثل هذه المشاكل في العائلات من الأمور الطبيعية فلا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، وحاولي أن تقتربي من الوالدة وتجتهدي في إرضائها، وإذا كنت الوالدة لا تقدر التعب، ولا تقدر المجهود الذي تقومين به، فإنك تتعاملين في هذا الأمر مع الله تبارك وتعالى، لأن بر الوالدين عبادة، وخاصة بر الوالدة هي من أوجب الواجبات التي ينبغي للمسلم والمسلمة أن يحتفي بها وأن يهتم بها.
وعليك أيضا أن تحاولي أن تقومي بحق أخوالك، وهم أرحام لك، وأرجو أن تعرفي وتتعرفي على سبب اتهامهم لك بأنك متكبرة، هل لأنك لا تزورينهم؟ هل لأنك لا تهتمين بهم إذا جاءوا إلى البيت؟ هل لأنهم يطمعون في الإهداء منك أو نحو ذلك، ولا تعطينهم؟ هل لأنك لا تجالسينهم وتتجاذبين معهم أطراف الحديث؟
نتمنى أن تبحثي عن السبب، فإنه لا يوجد – كما قيل – دخان بلا نار، وإذا عرف السبب بطل العجب، وسهل علينا إصلاح الخلل والعطب، واسألي نفسك، وبيني لنا هل كان هذا الاتهام منذ كنت صغيرة؟ وهل هناك علاقة بين الاتهام وبين زواجك؟ وهل هناك علاقة بين الاتهام وبين وضعك، ووضع زوجك المالي والمادي، فيبدو أن لك شقة، وأن عندكم أموالا، قد يكون هذا أيضا سبب للنفور الحاصل، ولذلك نحن نتمنى أن تجتهدي في تصحيح الصورة.
وأظهري لهم ما عندك من التواضع، فهم محارم بالنسبة لك، ولا تجبري الوالدة على الإساءة لهم، فإن الأصل هو الإحسان لهم، فهم إخوان، والإنسان قد يجد أبناء، وقد تجد المرأة زوجا، وتجد أبناء، ولكن لا يمكن أن تجد أشقاء، وأن تجد إخوانا، ولذلك ينبغي أن تعذري الوالدة في حبها لإخوانها، ونتمنى أن يبادلوها المشاعر، ولا تناقشيها في هذه المسألة، بل حسني ما تقوم به من عمل، ولا تذكري أخوالك إلا بالخير عندها، فإن هذا يجرح مشاعرها، حتى ولو كان في الأخوال تقصير، فإن الأم لا ترضى بالحديث عنهم وفيهم، لأن هذا يجرح مشاعرها، فهم إخوان لها.
وإذا كنت فعلا متواضعة، فإنه سيأتي اليوم الذي يعرفون فيك هذه الصفة، وهي صفة أصيلة في كل مسلم، بل هي عبادة من أفضل العبادات كما قالت أمنا عائشة - رضي الله عنها وأرضاها -.
وأرجو أن تعلمي أن الشجار لا ينتهي في مثل هذه البيوت، ولكنه شجار سرعان ما ينقلب إلى حب وود وإلى معرفة كل إنسان بمقدار الآخر.
إذا كانت الوالدة مريضة فشرف لك أن تكوني في خدمتها، ونتمنى ألا تدخلي زوجك في مثل هذه المشاكل الخاصة، لأن هذا قد يؤثر عليه، وقد يدفعه لاتخاذ قرارات لن تكون في صالحك، وقد يحمل مشاعر سيئة تجاه أهلك، وهذا يعمق الجراح ويعمق المشكلة، بل ينبغي أن تجتهدي، ولا مانع من أن تتواصلي مع هذا الموقع (وتفضفضي) كما يقول – إخواننا المصريون – تخرجي ما في نفسك لتستمعي إلى النصح، وهذا أفضل من أن تكلمي الزوج، لأن هذا يوغر صدره، وربما يكون هذا سببا في كراهية أخوالك، أو في مطالبتك في البعد عن الوالدة، وكل ذلك ليس فيه مصلحة، فإن المطلوب هو الموازنة بين هذه الواجبات، وتجنبي إعلان الكره لأخوالك أمام الوالدة، وعليك أن تحتملي منهم، فهم في موقع الأم وموقع الأب لكبر سنهم، والإنسان يحتمل من كبار السن الذين ربما يكون اختلاف الجيل المعاصر فيه تفاوت كبير، وإذا تفهم الإنسان مثل هذه الأمور، فإنه يسهل عليه أن يتعامل معه.
وطبعا نحن لا ننصح في أي حال من الأحوال أن تنفردي في شقة وحدك، فإن هذا ليس فيه مصلحة من الناحية الشرعية، وهذا أيضا سيعمق معاني التكبر، والبعد، والحرص على كراهية الناس والنفور منهم، سيؤكد تلك المشاعر السالبة.
ولا تظني أن هذا سيعود بالخير عليك أو ينهي المشكلة، هذا سيعقد المشاكل أكثر، وسيزداد مرض الوالدة ويعمقها إذا حصل منك مثل هذا التصرف، فلا تفكري في مثل هذا التصرف ولا تعلني لهم الرغبة في الانتقال عن ذلك البيت، وإن كان هناك انتقالا، فليكن إلى الزوج، وللعيش معه لإكمال مشوار الحياة.
أما أن تنعزلي في غياب الزوج في مكان منفصل وحدك فإن هذا سيلحق آثارا نفسية خطيرة بالوالدة وبمن حولها، وقد يكون هذا سببا في زيادة المرض بالنسبة لها، وبهذا لا يتحقق البر، ونحن نعتقد أنك في نعمة بهذه الفرصة، فرصة خدمة الوالدة والصبر عليها والوقوف إلى جوارها.
هذه نعمة من نعم الله تبارك وتعالى عليك، فكم من امرأة في الغربة تتمنى أن ترى الوالدة، وأن تمسح الغبار عن قدميها، وأن تحاول أن تعمل لها مساج، أو دلك لأعضائها، وتحاول أن تكون في خدمتها، لأن الجنة تحت أرجل الأمهات، وشرف للإنسان – رجلا كان أو امرأة – أن يفوز بخدمة الوالدين، فكيف إذا كانت الخدمة للوالدة، وكيف إذا كانت خدمة الوالدة في كبر سنها، والله هو القائل: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} فانتبهي لهذه الآية ورددي ما بعدها: { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} أرأيت كيف يفعل الطائر بصغاره عند شدة البرد أو الحر أو عند نزول المطر؟ إنه يضع صغاره تحت أجنحته، القرآن يلتقط هذه الصورة الجميلة من العطف، ويريد منا أن نعمل بها وأن نؤكد ونرسخ نفس المعنى في تعاملنا مع الوالد والوالدة في حال كبر السن.
نسأل الله أن يمتعك بعافية الوالدة، وأن يرزقك رضاها، وأن يصلح ما بينك وبين الأخوال، وأرجو أن تجتهدي في معرفة الأسباب ثم تصلحي ما بينك وبين الله، فإن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.