السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا خاطب، وبعد خطبتي اعترض والداي بأنهما لا يريدان لي الزواج منها لعدم ثقتهم بأخلاقها فقلت لهم إني سأستخير وبعد الاستخارة حلمت (أنها اتصلت بي وقالت لي إنها تريد أن تقابلني في وقت محدد، فنمت وقد ذهب علي الموعد فوجدت منها رسائل بأنها حزينة لأني فوت الموعد).
ندما استيقظت كنت أحس بالاكتئاب لأنني لم أقابلها في الموعد وأنا الآن محتار أحس بأنني أريدها وأنني لا أريدها (متردد) وقد قمت بالاستخارة مرتين بعدها وأنا الآن محتار.
أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله الجليل جل جلاله وتقدست أسماؤه أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمن عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تكون عونا لك على طاعته ورضاه، وتكون محل قبول والديك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك من أنك قد خطبت فتاة، وبعد خطبتها اعترض والداك عليها، وأخبراك بأنهما لا يريدان أن ترتبط بها، وذلك لعدم ثقتهم بأخلاقها، وقلت لهم بأنك ستستخير، ورأيت هذه الرؤيا التي وردت في رسالتك، وأنت الآن محتار ومتردد ما بين أن ترتبط بها وتتخلى عنها.
بداية أقول لك - ابني الكريم الفاضل محمد - : حاول أن تجلس مع والديك وأن تستمع إلى وجهة نظرهما أولا، فإذا كانت مقنعة فعلا ولم تكن مجرد رجم بالغيب فأتمنى أن تضعها في الاعتبار، لأن رضا الوالدين أمر في غاية الأهمية، خاصة وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخطهما) وقال أيضا: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
أتمنى بارك الله فيك أن تضع في الاعتبار هذا الأمر، ولكن شريطة أن يكون مبنيا على أسس وأن تكون هناك أشياء مقننة، ليست مجرد رجم بالغيب أو مجرد تخمين أو تخرصات أو تكهنات أو فلان قال أو لم يقل، لأن الأعراض لا يجوز نبشها والتعرض لها بهذه السهولة، خاصة وأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
إذن هذه هي النقطة الأولى التي أتمنى أن تركز عليها -حفظك الله-.
الأمر الثاني: إذا كانت هي مجرد خطبة - بمعنى أنها لم يكن قد تم عقد القران - فإنه يجوز لك أن تتركها حتى وإن كانت مجرد رغبة من والديك، لأنه وكما لا يخفى عليك أن هذا الأمر قد حدث على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما جاء عمر - رضي الله تعالى عنه - ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طلب من ابنه أن يطلق امرأته، وأن الولد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إني أحبها ولكن أبي يصر على أن أطلقها) فقال صلى الله عليه وسلم: (أطع أباك).
هذا الأمر نعم قد نقول بأن والدك ليس كعمر - رضي الله تعالى عنه - وأنت لست كابن عمر، وزوجتك ليست كزوجة ابن عمر، وهذا كله موجود، والذي أمر ابن عمر بذلك إنما هو النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن العلماء يعتبرونه قرينة على جواز أن يطيع الولد والديه في مثل هذا الأمر.
إذا كانت مجرد خطبة فأتمنى أن تستمع إلى وجهة نظر والديك، فإن كنت ترى فعلا فيها قدرا من الوجاهة أن تعتذر لهذه الأخت ولأهلها، وعسى الله أن يرزقها خيرا منك وأن يرزقك خيرا منها.
أما إذا كان عقدا فإن الأمر يختلف إلى حد ما، لأن العقد معناه الدخول، وينبغي أن تركز في هذه المسألة، وأن تدقق حقيقة في وجهة نظر والديك، على اعتبار أن هذه المرأة ستحمل لقب مطلقة حتى وإن لم تكن قد دخلت بها، فإن من يريد أن يتقدم إليها عندما يأتي عقد قرانها سيجد أنها مطلقة، وبالتالي أنت ستشوه صورتها، بل قد تضرر ضررا بليغا نتيجة هذا الفراق في هذه المرحلة، ومن هنا فإني أقول:
إذا كنت ستراعي والديك فلابد أن يكون فعلا لقولهما وجاهة قوية وبينة واضحة حتى لا تظلم نفسك ولا تظلم هذه الأخت.
فيما يتعلق بقضية هذه الرؤيا التي رأيتها: فقد تكون رؤيا وقد تكون حلما وقد تكون حديث نفس، ولذلك نحن لا نعول عليها كثيرا. احسم الأمر من باب والديك في المقام الأول كما ذكرت، وحاول أن تجتهد في ذلك، وإذا كنت أنت لم تر شخصيا من هذه الفتاة شيئا وإذا كان ما قاله والداك لا يرقى إلى درجة الطعن في أخلاقها أو أنها إنسانة سيئة فأنا أرى أن تستعين بالله تعالى وأن تستر عليها حتى يسترك الله في الدنيا والآخرة، لأن ستر المسلم من مقاصد الشرع، وهو أمر له جزاء عظيم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة).
أنت الآن عندما تترك هذه الفتاة تكون قد فضحتها وكشفتها، وقد عرضتها لئلا يتقدم لها أحد، لأنها كانت فترة طويلة، بل وقد لا يتقدم لها أحد بالمرة، فالأمر ليس هينا، وهي ولو كانت أختك وأراد خطيبها أن يتركها فأنت ستشعر بغصة شديدة وألم عظيم، لأن هذا جرح غائر حقيقة في أعماق قلوب الأسرة على وجه العموم وفي أعماق الفتاة نفسها على وجه الخصوص.
أتمنى أن تتريث قبل أن تخطو هذه الخطوة بارك الله فيك - ولدي محمد - وأن تأخذ بالأسباب الممكنة في دفع هذا الفراق ما استطعت إلى ذلك سبيلا ما دمت ترى أنها صاحبة خلق ودين، وأنه ليس فيها ما يدينها ظاهرا، فإذا كان كلام والديك فعلا فيه قدر كبير من المصداقية وأنه يستحق فعلا أن تتركها بسببه فأنت بذلك تكون ما ظلمتها وأنك نزلت على رغبة والديك واقتنعت بوجهة نظرهما التي لابد أن تكون حقيقية وليست مجرد شبهات أو ظنون أو طعن أو رجم بالغيب كما ذكرت، فإذا كانت كذلك فاعتذر لها، ولعل الله أن يرزقها خيرا منك.
أما إذا لم تكن هذه الشبهات الواردة في كلام والديك ترقى إلى درجة اليقين فأنا أرى أنها ما دامت صاحبة خلق ودين أن تستر عليها وأن تظل معها، وأن تخبر والديك بهذا الأمر، قل لهما (لو كانت لكما بنت وكانت في مثل ظروف هذه الفتاة هل كنتما تفضلان فعلا أن يتركها خطيبها أو الذي عقد عليها).
ضعهما في مكان والدي هذه الفتاة، وضع أختك في مكانها، حتى تبين لهم الأمر، لأنه في بعض بلاد المسلمين هذه المسألة قد تكون سهلة، والوالد والوالدة يظنان أن والدهما هذا ملك من السماء السابعة ولا يخطئ وأنه يستحق حورية عيناء، وينسون أمورا كثيرة جدا أقلها حق المسلم على أخيه المسلم، وأن الترك في هذه المرحلة سيسبب جرحا غائرا، بل وقد يصيب الفتاة العقدة النفسية تظل معها حتى تدخل قبرها.
أتمنى أن تتريث، وأن تدرس الأمر بعناية ودقة، ودعك من كلام كل أحد، إلا إذا كان كلاما مقنعا ومؤثرا، وإذا كانت صاحبة دين وخلق فلا تتخلى عنها.
أسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.