السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب عمري 16 عاما, وأعاني من شك في ديني أكاد أنفجر منه، وحياتي أصبحت عذابا بسببه, وأرجو قراءة الرسالة جيدا.
في البداية: كنت لا أصلي, ولا أفعل كما يقول الله ورسوله, رغم تربيتي في أسرة محافظة؛ فلقد كانت أمي دائما تدعوني للصلاة وأنا أرفض, ولكني أتيت مرة وقررت من بعدها أن أصلي صلاة العشاء, وبعد الصلاة قررت أن أصلي صلاة الفجر, ثم بعد ذلك أصبحت أصلي جميع الفروض, ثم بعد ذلك أصبحت أصلي السنن, ثم بعد ذلك أصلي في الجامع, والآن أصبحت – والله - أذكر الله في اليوم مالا يقل عن ساعة يوميا مخصصة للذكر فقط, وأقرأ في اليوم الواحد 3 أجزاء من القرآن, وأقرأ كتب الفقه والتفسير، ولكني - وأنا في نصف طريقي للهداية - أصبحت تراودني شكوك رهيبة, مثل: ماذا لو كنت لا تعبد إلا الوهم؟
أين الله هذا؟ وما الذي يمنعه من الظهور على الأرض؟ أليس يقول: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)؟ لماذا لا يقطع الشك باليقين ويهبط إلى الأرض؟
أين توجد الشياطين التي يتكلمون عنها؟ لماذا لا يكون هذا مجرد شك ووسواس يدور برأس الإنسان مثل أي شك؟ وغيرها من الأسئلة التي جعلتني أعيش في عذاب حقيقي, ولكن هذا لم يمنعني من البحث عن ذكر جديد, وقراءة القرآن, بل بالعكس لقد ازداد، لكن في نفس الوقت قررت أن أدخل إلى المواقع على الإنترنت, وأبحث في الإلحاد والإسلام والمسيحية.
لم أدخل إلى مواقع الملحدين والنصارى, بل دخلت إلى المواقع الإسلامية التي ترد على الملحدين والنصارى, وفي كل مرة أقتنع بكلام المسلمين, وبعد ذلك يعود الشك مرة أخرى, حتى قمت بعمل بحث كبير, واستغرق مني مجهودا كبيرا جدا, وقمت بإعداده من أدلة عقلية, وفلسفية, وعلمية, وإعجاز علمي, وطبي, وعددي, وغيره, وغير هذا قمت بجمع كم هائل من الصور الطبيعية التي تبين عظمة الخالق.
أما بالنسبة للبحث:
فالأول لإثبات وجود الله, والثاني لإثبات أن الإسلام هو الدين الحق, ثم بعد ذلك قمت بقراءته، ظننت بعدها أن هذا الشك انتهى إلى غير عودة، ولكن يا حسرتاه لم ينته بعد, فلا أذكار الصباح والمساء, ولا قراءة القرءان, ولا أي شيء.
بصراحة: أحسد بشدة المسلمين والنصارى الذين ليس لديهم ذرة شك في وجود الله، فعلا هم في نعمة كبيرة, ولقد بكيت مرة من شدة الحيرة.
السؤال هنا: هل أنا منافق أم لا أم أن هذه مرحلة وستذهب وحدها؟ وللعلم أنا في هذا الشك من حوالي شهرين ونصف, وأخاف أن تطول المدة.
أرجو الرد سريعا لأني أعيش في حيرة وعذاب شديد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فمرحبا بك - أيها الولد الحبيب - في استشارات إسلام ويب, ونسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على دينه حتى نلقاه.
لا شك - أيها الولد الحبيب - بأن هذه الوساوس والشكوك من الشيطان يريد أن يصدك عن سبيل الله وعن الصلاة، ويريد أن يحول بينك وبين هذه الطاعات التي داومت عليها بعد توبتك، ونحن ندعوك - أيها الحبيب - إلى الثبات, وإلى الاستمرار على ما أنت عليه، وكن على ثقة بأن هذه الشكوك لن تضرك بإذن الله ما دمت كارها لها، فإن نفورك منها وكراهتك لها دليل على صحة إيمانك، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم – لمن شكا إليه شيئا من ذلك فقال له: (ذاك صريح الإيمان).
ولا علاج لمثل هذه الشكوك - أيها الحبيب - إلا بالإعراض عنها، وعدم الاسترسال معها والبحث عن مقتضاها، وبهذا الإعراض ستشفى بإذن الله تعالى منها.
أما إقامة البراهين على وجود الله تعالى, وعلى التعرف على بعض صفاته فهو أبين من الشمس، وهل يستقيم شيء في الأذهان إذا احتاج وجود الله تعالى إلى دليل؟ ولذلك يسأل الله تعالى في كتابه هذا السؤال العظيم فيقول: {أفي الله شك فاطر السموات والأرض}, يا ترى من خلق هذه السموات ورفعها بغير عمد، ومن خلق هذه الأرض التي نسير عليها؟ فهذه المخلوقات صغيرها والكبير هل وجدت صدفة؟
لا شك أنك - أيها الحبيب - بعد بحثك الطويل عن هذه الحقيقة وقفت على الحجج الدامغة التي تثبت بلا مراء أن وراء هذه المخلوقات خالقا عظيما قادرا حكيما، وأنه لابد لكل فعل من فاعل، ولكل مخلوق من خالق.
فتفكر في خلق الله تعالى تدلك على الله، ووجود الله تعالى أمر فطري مغروز في النفس البشرية، لولا ما يرد على هذه الفطرة من المكدرات، وإلا فإنك عند الضرورة تلجأ إلى الله تعالى بفطرتك، وأهل الإلحاد يعلمون هذا من أنفسهم، فإنه إذا نزلت بأحدهم ضرورة التجأ إلى القوي على دفع الضر عنه.
فالأمر - أيها الحبيب - لا يحتاج لكل هذا العناء بإثبات وجود الله، ولكن مع هذا يستحسن منك أن تنظر في هذه الأدلة نظر تفكر, وتنظر في مخلوقات الله تعالى, وآياته الكونية, وآياته الشرعية, لتدلك على الله سبحانه وتعالى.
نحن نوصيك - أيها الحبيب - بأن تختصر على نفسك الطريق الطويل، وتأخذ بالأسباب التي تقلع هذه الوساوس من نفسك، وذلك بأمرين أرشد إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
الأمر الأول : الاستعاذة بالله تعالى حين يرد عليك شيء من هذه الوساوس، فتلجأ مباشرة إلى الله مستعينا به من الشيطان ووساوسه، قائلا: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه) ونحن على ثقة بأنك إذا داومت على هذا سيذهب الله عز وجل عنك هذا الشر.
الأمر الثاني: عدم الاسترسال مع هذه الوساوس، وعدم التفكر في مقضياتها, وهذا الأمران قال عنهما - صلى الله عليه وسلم - وهو يرشد من ابتلي بشيء من ذلك، قال: (فليستعذ بالله ولينته).
فهذا هو دواؤك بإذن الله، وننصحك - أيها الحبيب - بالإكثار من مجالسة الذاكرين لله تعالى، والإكثار من الجلوس في حلق العلم، وشغل نفسك بالنافع، فإن الشيطان إنما يتمكن في القلوب الفارغة, ويلهو ويعبث بالنفوس الفارغة، فحاول أن تشغل نفسك بطاعة الله وذكره، وملء أوقات فراغك بما ينفعك في دنيك ودنياك، وسيذهب الله عز وجل عنك ما تجد.
نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمن علينا وعليك بالإيمان الصادق والعمل الصالح والعلم النافع.