السؤال
السلام عليكم.
عمري 27 سنة، متزوجة، قبل الزواج، كنت أصلي من حين لآخر، وأقرأ القرآن من حين لآخر، وبعد الزواج لم أنتظم نهائيا في الصلاة، وللأسف فزوجي كذلك.
تعبت ولا أعرف ماذا أعمل؟ وعندي بنت، وخائفة جدا، وأتمنى أن تكون ملتزمة، ولكني أصلا غير ملتزمة، أدعو الله أن ألتزم بصلاتي في البداية، ساعدوني - بالله عليكم – وأريحوني؛ فأنا محتاجة للنصيحة، والله المستعان.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ shoshetaaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه
نرحب بك - ابنتنا الكريمة - في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يعينك على السجود له والركوع سبحانه وتعالى، وأرجو أن تحمدي الله على هذا التوفيق، وعلى هذه النعم، واحمدي الله الذي وفقك للزواج، الذي مد في عمرك حتى وصلت إلى هذا العمر، واعلمي أن الله تبارك وتعالى يمكن أن يسلب هذه النعم لمن يعصيه، لمن يقصر في طاعته، واعلمي أن الله تبارك وتعالى وعد الطائعين الشاكرين بالزيادة فقال: " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"
بالله عليك – ابنتي الفاضلة – كيف لا نصلي لله وهو الذي منحنا السمع والبصر والجمال والشكل والرجلين واليدين، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}؟! كيف نقابل هذه النعم بالجحود؟ كيف نكسل، وأنت - ولله الحمد - في الشباب، وفي عز الشباب؟ كيف لا تسجدين ولا تركعين لله تعالى؟
أرجو أن تقفي مع نفسك وقفة حاسمة الآن بمجرد قراءة هذه الرسالة، لأن الواحد منا لا يدري إذا جن ليل هل يعيش إلى الفجر، إذا أصبح هل يعيش إلى المساء، فكيف ستقابلين الكريم الذي أعطاك زوجا، وأعطاك بنتا، وأعطاك عافية، وأعطاك عينا، وأعطاك بصرا، وكيف ستقابلينه إذا انصرمت أيام العمر، وأنت لا تسجدين لله! وأنت لا تصلين لله تبارك وتعالى!
واعلمي أن ترك الصلاة مصيبة كبرى، يمكن أن تحول البيت إلى خراب، وكل معصية لها شؤمها، ولها آثارها المدمرة، فلذلك ينبغي أن تعودي، وأن يعود الزوج بسرعة، وفي أقرب فرصة إلى الله تبارك وتعالى بتوبة نصوح، بندم على ما فات، بالحرص على المحافظة على الصلاة، فإنها مفتاح العود إلى الله، ومفتاح الثبات، وهي الميزان في الدنيا، وهي أهم ما يحاسب عليه الإنسان في الآخرة.
الصلاة هي الميزان في الدنيا؛ لأن أي إنسان نريد أن ننظر في دينه ننظر أولا في صلاته، وهي الميزان في الآخرة؛ لأن أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت صلح العمل، وإن فسدت فسد سائر العمل، فإن صلحت فقد أفلح الإنسان وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر.
لأهميتها: قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة) عياذا بالله، ولم يقف عند هذا الحد، ولكن قال: (وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، وقال ابن القيم: هؤلاء هم أئمة الضلال، فإذا كان تارك الصلاة معهم فهو مثلهم – عياذا بالله – ويقول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ويقول: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)
نحن لا نرضى لك هذا، وأنت لا ترضينه لنفسك، والعظيم جل جلاله لا يرضاه لك، قال تعالى: { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم} وأنت فيك خير، والدليل على ذلك أنك كنت تصلين، وأنك الآن توقفت بكل أسف، لكن وازع الخير في نفسك، ولولا رسالتك هذه لكفت بيانا أن فيك خير، فهذه النفس اللوامة دفعتك إلى أن تتواصلي مع الموقع، وإلى أن تقدمي هذه الاستشارة؛ وتسألي هذا السؤال؛
وعليك أن تعودي إلى الصلاة، وشجعي زوجك للعودة إلى الصلاة، وتعاونا على ذلك؛ لأنه لا خير في رجل لا يصلي، لا خير في بيت لا صلاة فيه، لا خير في أسرة لا تهتم بالصلاة، والسجود لله تبارك وتعالى.
وأرجو أن تكوني واضحة معه، ونتمنى أن يشاركك في قراءة هذه الاستشارة؛ لأننا نخاف عليكما من أن تسلب منكما النعمة، من أن ينزل عليكما غضب من الله تبارك وتعالى، من أن يحرم التوفيق في حياته إذا لم يصل لله تبارك وتعالى، فإن الصلاة أمان في الأرض، والصلاة باب للرزق، والصلاة سبب للطمأنينة وراحة البال، والصلاة صلة بين العبد وربه تبارك وتعالى.
مهما تكلمنا لن نستطيع أن نعطي هذه العبادة حظها وحقها، ولكن إذا صليت وسجدت لله تبارك وتعالى عندها ستعرفين قيمة الصلاة، وستعرفين لذة هذه العبادة التي ينبغي أن نبحث عنها.
هذه الصلاة التي كانت قرة عين للنبي عليه الصلاة والسلام، هذه الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان بأي حال، فالإنسان إذا لم يكن عنده مال فلا يزكي، وإذا ما عنده أموال لا يحج، إذا لم يكن مستطيعا أو مريضا لا يصوم، لكن الصلاة هي الفريضة التي لا تسقط عن الإنسان ما دام فيه نفس يصعد ويهبط، حتى ولو كان في الإنعاش، ولو كان عاجزا كليا كل جسده، ما دام له طرف فلا تسقط عنه الصلاة، ما دام يفهم وما دام واعيا، فإن عليه أن يصلي، كيف ما تيسر له.
الصلاة فريضة لا تسقط، حتى ولو كان في حرب مع الكفار، حتى وإن كانت الحرب مشتعلة، والله تبارك وتعالى علم نبينا وعلم الأمة أن نصلي صلاة الخوف، حتى عند الحرب لا تسقط هذه الفريضة، فما هو عذركم وأنتم بهذه العافية، وبهذه النعمة من الله تبارك وتعالى؟!
إذن: أرجو أن تدركي نفسك، وأتمنى أن يصلنا منك رد في أسرع وقت، وبشارة بأنك عدت إلى الله، وبأنك أقبلت على الصلاة؛ لأنك في مقام البنت، ونحن – والله – نخاف عليك، ونخاف على زوجك وهو في مقام الابن، ونخاف على هذه الطفلة الصغيرة التي ماذا سيكون مصيرها إذا نشأت في بيت ليس فيه من يسجد لله تبارك وتعالى؟
لذلك نحن سندعو لك، وندعو لزوجك ولهذه الصغيرة أن يصلحكم الله تبارك وتعالى، لكن لابد أن يكون عندك دافع، ولابد أن تستحضروا سرعة العود إلى الله تبارك وتعالى، واعلموا أن الإمام أحمد كان يقول: (إن حظهم من الإسلام بمقدار حظهم من الصلاة)، وكان عمر يقول لولاته:(من حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع)، وهو الذي قال عندما قام يصلي في جراح وبطنه تنزف -وكان اللبن يشربه فيخرج من أمعائه – صلى والحالة هذه، وقال: (آلله ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة).
فعجلي بالعودة، وعجلي بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الله سبحانه وتعالى يمهل، ولا يهمل، فاتقي الله في نفسك، وعودي إلى الصواب، وأقبلي على الله تبارك وتعالى، واعلمي أن هذه الفريضة لا تأخذ من الإنسان إلا جزء يسيرا من الوقت.
ونسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على السجود والركوع لله تبارك وتعالى، وأرجو أن يكون الأمر واضحا أيضا أمام هذا الزوج في أن يعود إلى الله تبارك وتعالى، ويتذكر أنه الراعي للبيت، وينبغي أن يقود هذا البيت للصلاة والفلاح، { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته).
وأرجو أن تلتحقا بمراكز العلم حتى تعرفا قيمة هذه الفريضة، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد والثبات.