السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا محمد من غزة، لم أجد عملا في غزة، يأست من الحياة في هذا البلد، وفي هذا السجن الذي لا يحتوي علي أي من مقومات الحياة.
حاولت أنا أهاجر خارج هذا البلد لكن دون جدوى، كرهت حياتي، ولا أجد للحياة أي معنى، وفوق كل هذا أعاني من تشوه في قفصي الصدري، ولا يمكن علاجه أو إخفائه، إنني أكره نفسي كثيرا، ولا ولن ولم أفكر أبدا، ولن أفكر في أن أتزوج في حياتي كلها بسبب هذه التشوه.
أعتقد أنني إنسان ملعون منذ بداية حياتي! منذ ولادتي! إنني أكره كل الناس وأكره عائلتي! لا أحد يهتم لأمري.
والله لو أن الانتحار حلال أو على الأقل مكروه لانتحرت! لا أعلم لماذا أنا موجود؟! لا أجد أي هدف في الحياة، وأيضا لا أعلم هل الحياة فقط الهدف منها فقط الزواج والتكاثر كما يعيشها الناس، هذا الهدف لا أهتم له، تعبت من حياتي، وأيضا أعاني من عصبية وخوف شديدين.
أريد أن أعيش لوحدي، أعيش وحيدا، وأموت وحيدا، كرهت حياتي...
أرجو منكم مساعدتي، ولكم جزيل الشكر...
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا دائما في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يجنبك كيد الشياطين الجن والإنس، وأن يشرح لصدرك للذي هو خير، وأن يوسع رزقك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يرزقك الرضى بقضاء الله وقدره، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل محمد-:
فإنه مما لا شك فيه أن الحياة في قطاع غزة تعتبر بمثابة حياة في سجن كبير ليس في أيدي الناس سلاسل، ولا قيود، ولكنهم أيضا يعانون من هذه السجن الكبير الذي لا يجدون له نهاية، ومتى تنتهي مدته، ولا أمده فأنت ليس وحدك الذي تعاني أخي الكريم محمد، وإنما كل سكان القطاع يعانون كما تعاني، ولعل بعضهم يعاني معاناة أشد أكثر من معاناتك أنت، ولكن أنت تنظر إلى نفسك على اعتبار أنك لم تجد فرصة للعمل، وفي نفس الوقت أيضا هذا التشوه للذي ولدت به يجعلك أيضا تشعر بأن حظك قليل في هذه الحياة، ولذا تتمنى الموت، ولا تريد الحياة، وتفكر في الانتحار، ولولا أنه حرام لأقدمت عليه.
تقول أنك لا يمكن أن تتزوج، هذا كلها قرارات ناتجة عن رد الفعل السلبي، الذي تعيشه أخي الكريم الفاضل، أن تكره الناس كما تقول، سوف أسألك سؤالا:
هل كراهيتك للناس سوف يحل المشكلة؟ وهل إذا كرهت أهل الكون جميعا سوف تحل المشكلة؟
في الواقع أنت تعقدها، ولا تحلها؛ لأنك إذا كرهت إنسانا فلا تحسن التعامل معه، وبالتالي ستزداد خسارة بعد خسارة، وفشل بعد فشل، وانعزالا بعد انعزال، ولكن الواقع أنك لو نظرت إلى حقيقة الأمر لوجدت أنك في أمس الحاجة إلى التواصل مع الناس.
أنت في حاجة إلى كلمة طيبة ترفع من معنوياتك، وتشحذ همتك، وتقوي عزيمتك، وإذا كنت تكره الناس فمن الذي يقول لك هذه الكلمات التي تغير وجه حياتك، أخي الكريم محمد قد قال مولاك جل جلاله:
{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } فإذا لم تدخل أنت بعض التغيرات على أفكارك وسلوكك، سوف يتأكد لك أنه لا يمكن لأحد أن يقدم لك شيئا؛ لأن التغيير هو إرادة ذاتية، وليس قدرة خارجية، ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الدعوة في مكة، من أراد أن يسلم شرح الله صدره للإسلام، وتقدم للنبي صلى الله عليه وسلم، وأعلن انتمائه لهذا الحزب المبارك، لحزب الله تعالى، ومن لم يرد الإسلام ظل على ما هو عليه، ومات كافرا، ودخل النار؛ لأنه لم يرغب في تغيير نفسه رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم مرات ومرات وستنفذ كل وسائل الإقناع والحوار.
إذن ثق وتأكد أنه لن يساعد محمد إلا محمد نفسه، فإذا كنت تتمتع بهذه النظرة السلبية، فثق وتأكد أن الأمر سوف يزداد سوءا، ولكن أنا أتمنى أن لا تيأس، ولا تقنط من رحمة الله، فإن الفجر أصبح قريبا، ولعلك سوف ترى في الأيام القليلة القادمة بعض الانفراج في المواقف العربية والإسلامية، لعل ذلك يتيح لك فرصة للخروج من هذا السجن الكبير لتعيش في أرض الله كما يعيش غيرك، وتبحث عن فرصة عمل، ولعل الله يعوضك خيرا من تلك الأيام العجاف التي عشتها في هذا السجن الكبير.
أما فيما يتعلق بهذا التشوه الذي ذكرته هذا أخي الكريم لو تصدقني، ويعلم الله أني صادق معك، فقد رأيت كثيرا ممن له صفات كصفاتك يعيشونه حياة زوجية مستقرة، ولهم أبناء ما شاء الله تعالى تبارك الله في قمة النبوغ والتفوق، فلماذا تحكم على نفسك، فلعلك تجد إن شاء الله امرأة لا تنظر إلى علتك على أنها تشويه، أو أنها عيب، وإنما وسام على صدرها؛ لأنها وجدت فيك الرجل الحبيب اللطيف الحنون العطوف، المقدر لظروفها والمراعي لمشاعرها، وعندها سوف تكون رجلا ملكا، وإن لم يكن على رأسك تاج، وأرجو أن تترك النظرة السلبية تماما.
وفيما يتعلق بمسألة العصبية والخوف الشديدين؛ أتمنى أن تستمع إلى الرقية الشرعية لاحتمال أن يكون هنالك بعض اعتداء من الجن عليك لكونك تعيش وحدك، والوحدة كما تعلم عذاب، وقد يضعف الإنسان عندما يكون وحيدا، وهذا ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( من أراد بحبوحة جنتي فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد).
وقال أيضا فإن الذئب يأخذ من الغنم القاصية، فعليك أن تحتك بالناس، وتخرج إلى المساجد، وتصلي مع المسلمين، وأن تبدأ بمشروع حفظ القرآن الكريم، ولو آيات معدودات كل يوم، مادام لديك فراغ، ولا يوجد هناك عمل، فلماذا بارك الله فيك أن تعمل هذا، فلا تضيع هذه الفرص العظيمة التي أكرمك الله بها، فأرى بارك الله فيك أن تجتهد، أخي الكريم محمد في تسيير هذه الواقع، وفي إدخال بعض التعديلات على حياتك، وأهم هذه التعديلات كما ذكرت لك أن تختلط مع المسلمين في المساجد، وأن تحاول أن تبدأ في حفظ شيء من القرآن ولو بضع آيات في اليوم الواحد، وإذا كانت هنالك دروسا ومحاضرات حاول أن تتواجد في هذه البيئات الطيبة، لعل وعسى أن تجد من إخوانك هؤلاء من يسدي لك بنصيحة، أو وصية تساعدك في قضيتك أو تفريج كربك، وقد تكون لديه ابنة يريد أن يزوجها لرجل صالح مثلك، فتكون بذلك قد حللت مشاكلك كلها من بيوت الله، وبيوت النور وبيوت الإيمان، وبيوت القيام.
نسأل الله أن يوفقك لك خير، وأن يشرح صدرك إلى ما هو خير، وأعلم أن الخير قادم، وأبشرك بفضل الله من الله قريب.
وبالله التوفيق والسداد.