السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالبة عمري 17 سنة, لبست الحجاب قبل بضعة شهور, لكن أسرتي ليست شديدة التدين, وكنت أعلم عندما لبسته أني لا يجوز أن أظهر شعري أمام أبناء عمي, لكن أمي تقول لي بأنه أمر عادي, ولكني لم أستمع لها, وكنت كلما أراهم أتحجب أمامهم, لكن المشكلة لدي بأنهم كثيرا ما يأتون عندنا في اليوم الواحد, وقد تعودوا أن يدخلوا بيتنا دون استئذان, وأنا أتفاجأ بهم في كثير من الأحيان, وأكون غير متحجبة, فهل آثم؟ فأنا أحاول قدر المستطاع أن لا أظهر نفسي لهم, وقد طلبت منهم أن يستأذنوا قبل الدخول عندنا, لكنهم لم يستمعوا, وقد قلت لأمي أن تتكلم معهم, فأخبرتني أن لا أهتم؛ لأن هذا الموضوع تافه.
أشعر بغصة كبيرة في قلبي كلما رأوني بدون حجاب, وقد بدأت أتعب في إخفاء نفسي عنهم, وأرى أنه بلا فائدة ما داموا يروني في كثير من الأحيان دون حجاب بمحض الصدفة.
أتمنى أن تساعدوني في مشكلتي, وأنا متأسفة إذا أطلت عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نشكر لك -ابنتنا الفاضلة- الحرص على الخير، ونرحب بك في موقعك، ونسأل الله لك السداد والثبات، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وبشرى لك بهذا الحرص على الخير، وبالرغبة في الحجاب، فإن الحجاب من شريعة الله تبارك وتعالى، الذي قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} فبشرى لك بهذا الحرص على هذا الخير، وبشرى لك بأنك تحجبت، وبشرى بهذا الإصرار، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي الوالدة والأهل إلى الصواب, وإلى الأمر الذي يرضيه سبحانه وتعالى، إنه الكريم الوهاب.
وعليك أن تواصلي هذا الأمر، وتصري على لبس حجابك، وتجتهدي في إخفاء نفسك، واعلمي أنك مع الاجتهاد إذا رأوك فجأة فما عليك إلا أن تتستري، وعليك أن تأخذي الاحتياط دائما بحيث يكون الحجاب قريبا منك، فإذا فاجؤوك فعند ذلك عليك أن تتحجبي.
إذا كان الإنسان مصرا أن يدخل دونما استئذان فهذه مخالفة شرعية, أو كان مصرا أن يدخل بهذه الطريقة، يقتحم على الناس بيوتهم، فهذه مخالفة شرعية, أنت لن تنالي إثمها ووزرها، وعليك أن تجتهدي في إفهامهم، ونتمنى أن تجدي من بنات عمك وممن حولك من يتفهم هذا الأمر, ويتكلمن مع إخوانهم وأشقائهم، أيضا عليك أن تدعي الأخريات من أهلك ومحارمك إلى الحجاب حتى تكونوا مجموعة، وحتى تتحول مسألة الحجاب إلى ثقافة في أسرتكم؛ لأن الحجاب من شريعة الله تبارك وتعالى، قال تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}, والذي أمر الناس بالصلاة هو الذي أمر النساء بالحجاب، وهو الذي أمر الناس بالصيام، ولذلك ينبغي أن ننتبه لأهمية هذه الشريعة.
وأرجو ألا تيأسي، فالخير في الناس كثير، وعليك - كما قلنا- أن تحرصي على حجابك، وإذا كانوا يدخلون في الأوقات التي تتوقعين فيها دخولهم فليكن دائما حاجبك عليك في تلك الأوقات، واستتري منهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير.
أما إذا كنت مجتهدة ومعظم الوقت لابسة للحجاب, خاصة الأوقات التي تشعرين أنهم سيأتون فيها، لكن لو فرضنا أنهم جاءوا في وقت غير متوقع, أو أنهم فاجؤوك وأنت في العمل, أو دخلوا إلى مكانك الخاص وشاهدوك بهذه الطريقة, فما عليك إلا أن تسارعي إلى حجابك وإلى نقابك، وهذا تفعله كثير من الصالحات، عندما تتفاجأ برجل فإنها تسارع فتغطي وجهها بيديها, وبأي شيء بجانبها، ونحو ذلك مما يدل على عفتها، وهذه العفة وهذا التستر كان حتى في المرأة الجاهلية التي مدحها الشاعر فقال:
(وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها)
هكذا كان الشاعر في عفته, وفي حرصه, وفي صيانته للأعراض, ورعايته للجارات والقريبات، وأيضا يمدح المرأة فيقول:
(سقط النصيف ولم ترد إسقاطه *** فتناولته واتقتنا باليد)
فأين هذه المرأة الجاهلية من بنات المسلمين اللاتي يتعمدن إلقاء الحجاب، ويتعمدن الخروج بلا حجاب، بل يتعمدن أن يخرجن بلباس ضيق وقصير؟! وهذه جريمة مع سبق الإصرار.
لكن لاحظي الشاعر ماذا قال:
(سقط النصيف ولم ترد إسقاطه*** فتناولته واتقتنا باليد).
يعني هو يقول: هي تتناول الحجاب في هذه الفترة, ووضعت يدها ساترة للوجه منه) وهذا يدل على عفة الفتاة، والله تبارك وتعالى يقول: { فاتقوا الله ما استطعتم}, فاجتهدي في التستر، واجتهدي في التستر، واجتهدي في الحشمة، وتحجبي في معظم الأوقات التي تظنين أنهم سيفاجئوك فيها، وبعد ذلك دعي الحجاب قريبا منك، فإذا شعرت بدخول إنسان, أو بمجيء إنسان فعليك أن تسارعي إلى سترك, وإلى حجابك، وسيأتي اليوم - إن شاء الله – الذي يفهمون فيه هذه الجوانب الشرعية، وكما قلت أرجو أن تكوني داعية للحجاب وسط الأسرة حتى ينتشر هذا الخير بين الناس، وعندها ستجدين من تعينك, ومن يكون عونا لك على هذا الخير، كذلك ينبغي أن يصل خطابك هذا إلى الصالحين من أعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك، فإن لهم كلمة ولهم تأثير.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد والصواب، وأن يستخدمك فيما يرضيه، وأن يرزقنا وإياك الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا، ونبشرك بأنك مأجورة على الحجاب، ومأجورة على هذا الضيق الذي تجدينه في نفسك عندما يشاهدك رجل بمحض الصدفة والمفاجأة، وليس عن تخطيط أو تهاون منك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، ونسأله تبارك وتعالى أن يهدي الوالدة والأهل وجميع من حولك من الجيران إلى الحجاب, وإلى الستر, وإلى أحكام هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.