أخشى أن أعق والدي رغم أنه يسيء لي كثيرا

0 482

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

قال الله تعالى: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل: 43]

أبي -سامحه الله- يعاملني معاملة سيئة, أسأل الله أن يلهمني الصبر, من صور الإساءة السباب أمام الناس, وسب الدين لأتفه الأسباب, والتقليل من شأني أمام إخوتي, وإهانتي ولا يأخذ رأيي في شيء.

أخاف أن أعق أبي, أخاف أن أنهره أو أفقد أعصابي في لحظة غضب, فأرتكب حماقة, ماذا أفعل؟ وكيف أتصرف معه؟

أريد أن أتجنب عقوق الوالدين, أنا أحاول أن أتقرب من الله -عز وجل-, وأحاول الحفاظ على الصلوات الخمس في المسجد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصاحبته ومن والاه.

نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يحفظك ويسددك، وأن يقر عينك بصلاح هذا الوالد بعودته إلى الصواب، ونبشرك بأنك على خير، لأن هذا السؤال يدل على أنك على خير وأنك على حرص، فاصبر على هذا الوالد، وتذكر قول الله تبارك وتعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما}. إن أمرت بمعصية لا سمع ولا طاعة، ولكن مع أن الوالد هنا في الآية أمر بأكبر كبيرة إلا أنه قال بعدها: {وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي}.

فأنت على خير كثير، واعلم أن الإنسان إذا صبر على ما يأتيه من الوالد مهما كان فإنه يؤجر، ولا يعتبر حقيقة إهانة، لأنه يطيع الله تبارك وتعالى، وهكذا كان السلف - عليهم من الله الرحمة والرضوان – فمنصور بن المعتمد لما رفض القضاء كانت أمه تأتي تسيء إليه وتكلمه في حضرة الطلاب، فكان يطأطأ رأسه حتى يضع لحيته على بطنه وصدره وهو يردد (لبيك أماه، لبيك أماه، لبيك أماه) وكان لا ينظر إليها، وبعد ذلك يرفع رأسه، وقد سئل عن ذلك، فقال: أخشى أن أنظر إليها بعين فيها شيء من الغضب فأقع في العقوق.

فتجنب النظر إلى الوالد وأنت غضبان، واحتمل واصبر، وإذا سمعت كلاما لا يرضيك فاعلم وتذكر أن الحسنات تأتيك، وأن الله تبارك وتعالى يعلم السر وأخفى. ولا يضرك هذا الكلام الذي يقوله الوالد ما دمت مطيعا لله تبارك وتعالى، ما دمت محتسبا وصابرا لهذا العمل.

ونوصيك دائما بالإحسان إلى هذا الوالد وبالدعاء له، ثم بمعرفة أسباب نفوره وغضبه منك. إذا كان لك إخوان فأي طريقة يصلوا إلى قلب الوالد، اجتهد أنت أن تصل إلى قلبه، في أن تحسن إليه، حتى تكون سببا في هدايته وإعادته إلى الصواب، فإن كثيرا من الآباء يغضب من ابنه إذا تدين، ولكن إذا علم أن الدين هو سبب البر وأن الدين هو الذي يدفع الأبناء للإحسان وأنه لن يجد في اللحظات الحاسمة إلا الابن المتدين، فإن الصورة تتغير.

وكذلك نوصي الشباب إذا تدينوا ومن الله عليهم بالخير والهداية ألا يقسوا على أهليهم، وألا يعاملوا الآباء والأمهات بالجفاء وعدم الطاعة في المعروف، ولكن عليك بالرفق، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وكم تمنينا أن يترفق الشاب المتدين بأهله، وأن يصبر عليهم، وأن يتذكر معنى قوله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا} لأن الإنسان إذا اصطحب هذه المعاني النبيلة فإنه يستطيع أن يحتمل من أهله، ويصبر عليهم، فكيف إذا كانوا العصاة هم الوالد والوالدة أو الإخوة والأخوات، الذين لهم حقوق كثيرة على الإنسان.

فأنت ولله الحمد على خير، فحافظ على حقوق الوالدين، واحتمل ما يأتيك منهما، وحافظ على الصلاة حيث ينادى لها، وتجنب أن تغضب من الوالد، لأن الإنسان يمكن أن يغضب من أي إنسان، ولكنه ما ينبغي أن يغضب على والديه، فأنت ومالك لأبيك، وأنت لا تملك أغلى من البر والإحسان لهذا الوالد بعد طاعتك لله تبارك وتعالى.

نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يرد هذا الوالد للحق ردا جميلا، ولا تحاول أن تتعامل بردود الأفعال، فإنك لست في معركة أمام عدو، لكنك أمام طاعة وابتلاء من الله تبارك وتعالى، أمام عمل تؤجر عليه في الدنيا وتؤجر عليه في الآخرة.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، وعلى الثبات والسداد، ونكرر شكرنا لك على التواصل والاهتمام والسؤال، وننصحك بأن تكون في منتهى الأدب واللطف مع الوالد مهما حصل منه، فإنه يظل والدا، ونسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد وأن يزيدك برا بوالديك وهدى واستقامة.

مواد ذات صلة

الاستشارات