هل يجوز أن أدعو على من وعدني بالزواج وتركني وأهانني؟

0 873

السؤال

السلام عليكم..

تقدم لخطبتي زميل بالعمل، لكن أبي رفضه؛ لأنه لم يكمل آخر سنوات الجامعة، ولأن الشقة غير جاهزة، فقال لي هذا الزميل: إنه سيقوم بدخول التعليم المفتوح، وتجهيز الشقة، وسيكلم أبي مرة أخرى، وطلب أن أنتظره، ولأنه متدين، وملتح، وإمام لمسجد صغير قرب بيته، ودارس بمعهد إعداد الدعاة وافقت أن أنتظره، وكنت أرفض كل من يأتي من أجله، وكنا نتحدث عبر الهاتف ليخبرني بما يفعل في تجهيز الشقة والجامعة، وأوقاتا كنا نركب المواصلات معا فنحن جيران، ونعمل بنفس المكان، ووعدني بأشياء كثيرة، منها: أنه لن يتزوج غيري، وسيحارب الدنيا من أجلي لو تزوجت، ولن يتزوج لأنه يحبني، ولأني أثق في الناس وثقت به، وصدقته.

بعد فترة حصلت مشكلة وهي: أن أناسا - زملاء له - في الشغل كانوا يعرفون بموضوع الخطوبة - هو أخبرهم - أوقعوا بينه وبين أبي، وقالوا: إن أباها هو من تكلم معنا، وقال عنك أشياء سيئة، فصدقهم وكذبني، وقال: كل منا يمضي في طريقه، ولن ننفع لبعض.

أنا بالنسبة له فتاة عرفها لبعض الوقت مثل أي فتاة أخرى عرفها، وجرحني وأهانني، ولأني لا أستطيع أن أتكلم على الناس لم أقل له إلا "ربنا يكرمك" فقال: أنا لا أنتظر الدعاء من واحدة مثلك، فأنت لا شيء بالنسبة لي، وجاء في اليوم الثاني لمكتبي وافتعل مشكلة، وشتمني أمام زملائي ومديري، ولم أغلط عليه، وقلت له: أنا لا أعرف، أمن أجل أننا لم نوافق عليك من اللازم أن تجعلني أبدو أمام الناس غير جيدة، مع أننا قلنا عنك إنك شخص جيد، لكن حصل سوء تفاهم ولم يتم الموضوع.

أنا دائما أسامح الناس التي تظلمني، لكني لا أستطيع مسامحته، وقد حاولت مرات كثيرة، لكني لم أستطع مسامحته، أتمنى أن ينتقم الله لي منه، وأن أرى بعيني هذا الانتقام، وهناك تفاصيل كثيرة لم أذكرها، وقد كنت واقفة بجانبه طول المدة السابقة، وساعدته كثيرا في دراسته وشغله، ووالدته تعرف أني رفضت عدة أشخاص من أجله، وهو كان دائما يحلف بربنا أنه سيعوضني عن كل هذا، وكان يقول لي: إني أقرب أحد منه، وإني وقفت بجانبه في أمور لم يقف أهله بجانبه فيها، وساعات كان يستغلني، وأنا كنت أقول لا فرق بيننا، وساعات كان يطلب مني أن أعمل أمورا أنا غير راضية عنها، لكني أعملها لئلا يغضب مني، أنا أعرف أني مخطئة، وأني من أعطاه الفرصة ليعمل بي هذا، لكن هذا لا يمنع أن يكون خطؤه أكثر.

هل يجوز لي أن أدعو عليه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يعوضك خيرا، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإن رسالتك تدل على ما أخبرنا به المولى جل جلاله والنبي - عليه صلوات ربي وسلامه – من أن الشيء إذا كان يخالف شرع الله لا بركة فيه، وهذه العلاقة التي كانت بينك وبين هذا الشاب الذي يزعم أنه من الصالحين كانت علاقة غير مشروعة؛ لأن الإسلام لا يبيح لك بحال من الأحوال أن تتكلمي وأن تقيمي مثل هذه العلاقة مع رجل لا تربطك به أي علاقة شرعية، فزمالة العمل ليست زواجا، ولا تجعله من أرحامك، ولعل الله عاقبك على هذا الذنب بأن حرمك من هذا الشخص، وجعله يسيء إليك هذه الإساءة، وكأن الله يريد أن يلفت نظرك؛ لأنه كان من الممكن أن تحدث أمور أكبر وأعظم من ذلك، والعياذ بالله تعالى؛ لأن المعصية دائما شؤم، ودائما تأتي بالوبال على صاحبها في أي فترة من الفترات إذا لم يتوقف عنها، ويرجع إلى الله تبارك وتعالى ويدعها حياء من الله.

فهذه العلاقة التي كانت بينكما كانت علاقة غير مشروعة، والكلام الذي تم بينكما كان كلاما غير مشروع، وجلوسكم إلى جوار بعضكم البعض في وسائل المواصلات، ومساعدتك له – إلى هذه الأمور التي وردت – كلها كانت مسائل غير مشروعة؛ ولذلك ترتب على ذلك أن تخلى عنك؛ لأن هذا شؤم المعصية، خاصة وأنك أخت ملتزمة وصالحة فيما نحسبك، ولا نزكي على الله أحدا، وينبغي أن يكون الإنسان صالحا في كل شيء، وأن يكون ملتزما بشرع الله تعالى مع كل أحد؛ لأن التزام شرع الله فيه النجاة، وفيه العصمة، وفيه البركة، وفيه السعادة، أما أن نكون صالحين بالحجاب أو بالنقاب، وأن نكون من أهل القرآن والصلاة، ولكن في جوانب أخرى نكون من المجرمين الفاسقين الفجرة {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}، {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} نسأل الله السلامة والعافية.

وعموما هذا الذي حدث إنما هو نوع من العقاب لك وله؛ لأنكما كنتما على غير طاعة، فعاقبكما الله تبارك وتعالى بالفراق قبل الجمع، والذي أوصيك به الآن وقد تم ما تم، وحدث ما حدث، وانتشر الأمر بهذه الصورة، وحدثت هذه الأخطاء التي وقعت من هذا الرجل، وحاول الإساءة إليك حتى في مكان عملك وأمام الناس، وأنت دائما - كما تقولين – تسامحينه، ودائما تحرصين على أن تكوني صاحبة عفو عمن ظلمك، وأن تكوني محسنة إلى من أساء إليك، فأنا أقول: أمامك واحد من اثنين، إما أن تضميه إلى قائمة المسامحين الذين عفوت عنهم رغم أنهم ظلموك، واعلمي أن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنزل الله عليه قوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، وأيضا ذكر الله تعالى قوله جل جلاله: {فليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم}، فأنت صاحبة معاص، فلعلك لو سامحته أن يغفر الله لك الذنوب التي فعلتها مع هذا الشاب أيضا، هذا فيما يتعلق بهذه المسألة، ومن حقك أيضا أن تقومي بالدعاء عليه إن شئت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بأن دعوة المظلوم مستجابة، وأنت الآن مظلومة، والمظلوم يجوز له أن يدعو على من ظلمه، وإن كنت أرى أن الأفضل من ذلك كله العفو، كما قال الله تبارك وتعالى في صفات أهل الجنة: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.

فالأمر لك، يجوز لك أن تسامحيه كما سامحت غيره، وأرى أن ذلك أفضل؛ لأن دعائك إليه بأن ينتقم الله تبارك وتعالى منه وترين ذلك بعينك، أرى أنه نوع من التشفي الذي لا يستقيم مع أخلاقك الراقية، ومع السماحة التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها، اتركيه لله تبارك وتعالى، يعامله الله تبارك وتعالى بما هو أهله، وأغلقي ملفه نهائيا، وفوضي أمرك لله تعالى، واعلمي أن الله يدافع عنك يقينا، و الله تبارك وتعالى أخبرنا بقوله: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}، والنبي - عليه الصلاة والسلام – أخبرنا أن من ترك شيئا لله عوضه خيرا منه.

فأنا أرى أن تتركي الأمر لله سبحانه وتعالى، وألا تحملي على نفسك فيه، وكلما جاءتك هذه الذكريات الأليمة قولي: (اللهم اغفر لي وله، اللهم اغفر لي وله) وبذلك تكونين عظيمة، وتتحول سيئاتك إلى حسنات - إن شاء الله تعالى – ويعوضك الله تبارك وتعالى خيرا منه.

وأنت قد أخطأت خطأ فادحا في إقامة هذه العلاقة، وفي رد من تقدم لك؛ لأن ذلك كله يعارض شرع الله، ولذلك أقول - أختي الكريمة الفاضلة مريم – لقد عاقبك الله تعالى عقابا عظيما، أن حرمك ممن يكون أفضل من هذا الشاب، عندما أعرضت عن منهج الله، وغلبت العواطف والمشاعر، ولم تكوني مع هدي النبي - عليه الصلاة والسلام – فكانت العاقبة والنتيجة أنك حرمت من هؤلاء، وحرمت من هذا الشاب أيضا في آخر الأمر، وهذا هو شؤم المعصية عياذا بالله تعالى، فتوبي إلى الله، واستغفريه أولا، وسليه الله تبارك وتعالى أن يغفر لك تلك الذنوب التي وقعت بينك وبينه؛ لأن هذه الذنوب لو تحولت إلى مواد حارقة لعلها تحرق الكون كله.

أسأل الله أن يغفر لي ولك، وأن يتوب علي وعليك، وأن يشرح صدورنا وصدرك للذي هو خير، وأن يغفر لنا ولك ولسائر المسلمين أجمعين، وأن يسترنا بستره الذي لا ينكشف في الدنيا ولا في الآخرة، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات