قسوة الآباء في التربية وتأثيرها السلبي على حب الأبناء لهم

0 682

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا منذ طفولتي ومنذ اللحظة التي وعيت فيها وأنا أكره والدي، والسبب يعود لقسوته وجموده العاطفي والأبوي, فقد كان يضربني بالعصي والخيزران وأسلاك الأجهزة الكهربائية منذ كنت دون السادسة، حيث إنه يراها الوسيلة الأمثل للتربية الناجحة، لكنه لم يعد يضربني في الأشهر الأخيرة؛ ربما لأني كبرت.

تولد لدي كره شديد وغير طبيعي تجاهه، لدرجة أني أتمنى زوال أحدنا من هذه الدنيا؛ كي يرتاح الآخر، ومما زاد كرهي نحوه حينما أشاهد التعامل الأبوي العاطفي لأصدقائي من قبل آبائهم، فأبدأ أنبذ قدري وحظي، أيضا حينما أشاهد مسلسلات وأفلام الكرتون، وأشاهد كيفية تعامل الأب مع أبنائه من حب وعطف وحنان، لدرجة أن في فترة من الفترات أحببت أحد الممثلين بعدما رأيت منه عطفا تجاه طفله، وصرت أحتفظ بصوره، وأقول في نفسي هذا أبي وليس ذاك الشخص عديم الإحساس! أيضا أشعر ببعض الفترات بالميول العاطفي (وليس الجنسي) للرجال من هم في سن والدي, فما الحل؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يزيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فمرحبا بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يصلح حالنا وحالك، ونؤكد لك أن ما حصل من الوالد من قسوة ليس هو الطريق الصحيح للتربية، وليست هي الطريقة المقبولة من الناحية الشرعية، وكم تمنينا أن يكون في الآباء عفو وشفقة على أبنائهم والبنات؛ لأن هذا هو هدي رسولنا -عليه صلوات الله وسلامه– الذي كان شديد الشفقة على الصغار، والذي استنكر على من أنكر عليه أن يقبل الصغار، عندما قال: (عندي عشرة من الولد ما قبلت منهم واحدا) فنظر إليه النبي - عليه الصلاة والسلام – فقال: (من لا يرحم لا يرحم) وبعض الروايات قال: (أو أملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة).

فإن القسوة في التربية بهذه الطريقة حتى مع الطفل وهو دون السادسة مخالفة للمنهج الإسلامي في التربية، ولكننا مع ذلك ندعوك إلى أن تلتمس العذر لهذا الأب؛ فقد يكون من الجاهلين، والأمر كما ذكرت في السؤال أنه يعتقد أن هذه هي الوسيلة الصحيحة للتربية، وهذا من الخطأ الذي ربما توارثوه جيلا عن جيل، والتربية بالقسوة والضرب بهذه الطريقة هي المسؤولة عن وجود جيل من المنهزمين الضعاف الذين ضاع في عهدهم وعصرهم سنوات عمرهم، ضاعت فلسطين، وضاع كثير من أراضي هذه الأمة؛ لأن التربية على القسوة الشديدة تورث التبلد والسلبية، وعدم القدرة على اتخاذ القرار والتردد والضعف والكراهية، والنفاق الاجتماعي، إلى غير ذلك من المعاني - بكل أسف - السيئة التي يمكن أن تظهر في مجتمع يعتمد هذه الطريقة القاسية في تربية أبنائه وبناته.

ولكننا مع كل هذا نتمنى أن تغير هذه الفكرة، وأن تقبل على هذا الوالد، وأن تحترمه؛ لأنه والد، ولأنه أيضا عندما فعل ذلك كان يريد الخير، فمشاعره نبيلة، وهو يريد لك وبك الإحسان، لم يكن القصد أنه يريد أن يؤذيك أو يلحق بك الضرر أو يوصلك إلى الموت –والعياذ بالله– ولكن كان هدفه من ذلك أن تكون رجلا ناجحا، أن يراك ناجحا موفقا، وكان هو يفعل ذلك يظن أنه يفعل الصواب، وأنه يؤدي ما عليه بالطريقة الصحيحة، ولكنه بلا شك أخطأ الطريق الصحيح.

فنحن نوقن ونزكي هذه المشاعر النبيلة عند الوالد، ولكنه أخطأ الطريق، فكم من مريد الحق لا يصيب الحق، وكم من مريد للحق لا يصل إليه، وستعرف حقيقة هذه المشاعر لاحقا عندما تصبح أبا، فإنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض يتمنى أن يكون الآخر أفضل منه سوى الآباء والأمهات والصالحين من المعلمين والمعلمات، فالوالد يريد أن يراك ناجحا، وعندما يرى منك بعض التأخر فإنه يشتد ويقسو عليك ويستخدم هذه الوسائل القاسية –بكل أسف– في ضربك وعقوبتك، فعليك أن تنسى هذا الضرب -وقد ذهب الآن- وتذكر الدوافع الفعلية لهذا الأب، هل كان يريد أن يلحق بك الأذى؟ بلا شك هذا لم يكن في باله، ولا يمكن للوالد أن يقصد هذا، هل كان يريد أن يفضحك أمام الناس؟ بالطبع لا يوجد والد يرضى هذا لولده، لكن كان يريد شيئا واحدا هو أنك تنجح وأنك تتقدم في هذه الحياة، لكنه كان يخطئ الطريق.

فالعبرة بقصده لا بعمله، ننظر إلى قصد هذا الوالد لا إلى عمله الذي فيه الأخطاء وفيه القسوة التي لا يمكن أن تقبل، وأرجو أن تعلم أن كثيرا من الآباء ممن يقسون على أبنائهم كما قلنا الأصل فيهم العفو والرحمة، ولكنهم يفعلون ذلك لأجل مصلحتهم.

أما ما شاهدت في المسلسلات، فما ينبغي أن تنخدع به، فذلك كله تمثيل في تمثيل، وهي ابتسامات وتصرفات مدفوعة القيمة، مدفوعة الثمن، بل معظم هؤلاء ليس لهم بيوت وليس لهم أسر، فهم يمثلون ويكذبون على الناس، وقد تكون صادقا –وهذا فعلا ينبغي أن يحدث– في أن تجد بعض الأصدقاء بينه وبين والده تواصل، ونعتقد أنك وصلت إلى سن تستطيع أن تصادق فيه الوالد وتعالج ذلك الخلل الذي حدث، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمرك وأن يلهمك السداد والرشاد، ونبين لك أن هذا الخلل الذي حدث من ميلك لبعض الرجال لحاجتك لهذه العاطفة، ولكنك ولله الحمد أصبحت في هذه السن ناضجا، والدليل على ذلك في هذه الاستشارة التي أرسلتها إلينا، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على العودة إلى الوالد والعفو عما حصل، والإحسان لهذا الوالد والوقوف إلى جواره، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات