هل سأصاب بالجنون من كثرة الوساوس؟ وما تشخيض حالتي؟

0 611

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلى الدكتور الفاضل محمد عبد العليم، تحياتي لك، ولجميع العاملين بموقع إسلام ويب، راجين الله لكم المزيد من التقدم والنجاح.

أنا صاحب الاستشارة رقم: 2141674 وأشكرك لردك على رسالتي.

دكتور –الحمد لله- حالتي تتحسن، ولو ببطء، وأنا حاليا مازلت بلا عمل برغم حصولي على الشهادة الجامعية, ومازالت الأفكار تغزوني من حين لآخر،
وخصوصا الأفكار التي تتعلق بالموت كما ذكرت لك سابقا، فتأتيني أفكار بأننا كيف ستكون حالنا بعد الموت، وكيف أننا سنترك أيامنا الجميلة في الدنيا، وطبعا أمور الموت كالصراط، والحساب، ويوم القيامة كلها أمور تخيفني، وتزعجني عند التفكير بها مع محاولتي جاهدا كي أصرف التفكير عنها، وكما قلت لك سابقا أن عقلي لا يتقبل فكرة الموت, لا أدري لماذا؟

هل هي مشكلة في العقيدة لدي مع أنني مداوم على صلاة الفجر في المسجد، والحمد لله؟ أم أنها مجرد وساوس من الشيطان؟ أم أنها حالة مرضية، وأتمنى أن تكون عابرة، وأتمنى أن أتخلص منها، ولا أتذكرها أبدا بعد ذلك؟ أم أن عقلي قد خزن مفاهيم خاطئة عن هذه الحياة؟ وهل هذه المفاهيم تحتاج إلى تعديل؟ والوساوس التي ذكرتها لك تزداد عندما أصاب بحالات عضوية كما ذكرت لك في استشارات سابقة، فمثلا تزداد عندما أكون أعاني من إمساك، أو إسهال، أو خمول، أو عدم انتظام نوم، وأعتقد أن كل ما يؤثر على جهازي العصبي له دور كبير في الوسواس (وقد صنفت حالتي بأنها من الحالات النفسية العصبية)، كما أن المشاهد الدموية تزيد من حالتي، فبالأمس، وأنا كنت أشاهد ما يحدث في بلدي سوريا، والمجزرة التي راح ضحيتها أطفال أبرياء زادت عندي الوساوس والتفكير بالموت، وما إلى ذلك..

أنا بطبعي كما ذكرت لك سابقا أنني حساس،لكن -يا دكتور- أريد منك نصيحة حتى أنتهي من هذه الحالة نهائيا، أريد حلا لمشكلة عدم اقتناعي بفكرة الموت، والخوف منه، وهل سأصل إلى الشفاء مع الوقت؟ وكما ذكرت لك إن دوائي السيرترالين, وطبيبي قال لي إنني وصلت إلى مرحلة الشفاء التام، وإنني أستطيع أن أستخدم الدواء عند حاجتي له وقال لي: ( أنت الآن أصبحت طبيب نفسك)..لكن الوساوس لا تزال تغزوني، ولو بنسبة أقل من قبل، لكنها ما زالت مزعجة جدا بالنسبة لي، والآن وبما أنني في المراحل الآخيرة للحالة أريد حلا نهائيا؛ لأن الحالة بسبب طول مدتها خزنت معلومات ذكريات سيئة في عقلي الباطن عن هذه الحياة، وهذه الذكريات تطفو بين كل فترة، وفترة، وأستطيع أن أشبه هذه الأفكار، والذكريات مثل ومضة الضوء التي تأتي فجأة، صحيح أنها قصيرة، ولا تتجاوز الثواني، لكنها مزعجة جدا.

أنا أعلم أن هذه الوسواس تافهة، وليست ذات معنى لكنني أشبه عقلي كمن يكذب الكذبة، ويصدقها بنفس الوقت يعني يوهم لي بأن الحياة سيئة ويجعلني أصدقها مع أنها وهم.

هل من كثرة الوساوس سأصاب بالجنون؟ وما هو وضع حالتي الآن؟ هل هي بسيطة؟ وهل هناك أمل بالشفاء؟

دكتور: أنا كل ما أريده أن أعود طبيعيا مثل كل الناس، وأن أتخلص من هذه الحالة إلى الأبد فما هي نصيحتك؟ وهل سأظل أتناول الدواء للأبد (لا قدر الله)؟

وشكرا لك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.

أريد أن أوضح لك حقيقة، وأرجو أن لا تكون محبطة لك ... قبل (25) سنة تقريبا كل الكتب التي كتبت، والمواضيع التي نشرت حول الوسواس القهري، وكذلك الدراسات، والبحوث كلها تشير أن الوسواس مرض مزمن وانتكاسي، ونسبة الشفاء فيها لا تزيد عن 20% كان هذا هو الموقف، لكن بفضل من الله تعالى بعد أن ظهرت الأدوية الفاعلة لعلاج الوسواس، وأصبح العلماء أكثر اطلاعا وإدراكا، وتفهما لطبيعة العوامل التي تساعد على ظهور الوساوس القهرية تعدلت الأمور تماما، فستطيع الآن أن نقول أن نسبة الشفاء من الوساوس القهرية قد تصل إلى ( 70 أو 80 %) وهذا نسبة عالية جدا.

أنا أنصح الناس دائما أن لا تعيش تحت وطأة القلق التوقعي، لا أحد يستطيع أن يعطي ضمانا في هذه الدنيا لأي شخص في أي شيء، لكن الإنسان الكيس ما دامت حالته سائرة في طريق التحسن، هذا يجب أن يكون دافعا له من أجل المزيد من التحسن.

ويا أخي الكريم إذا نظرت أنت لحالتك بصفة عامة سوف تجد أنه هنالك تحسن، أو على الأقل لا يوجد تدهور، كثير من الناس يطرقون أبوابنا طلبا للمساعدة، وهنالك من يقول لك -الحمد لله تعالى- أنا قد تحسنت، وأصبحت في أمان الله، وهنالك من تكون حالته وسطية، وهنالك من تظل حالته كما هي، وتجد حقيقة من هو مصاب بالإحباط؛ لأنه لم يتحسن، لكن حين نذكره أن حالته لم تتدهور هذا يعتبر أيضا نوعامن التحسن في حد ذاته.

أخي الكريم: لا أريد أن أخوض في تفاصيل قد تزعجك، لكني أرى أنك متحسن، وهذه انطلاقة إيجابية، تعاملك حول فكرة الموت يجب أن تقبل منها جزءا، وترفض منها جزءا أي تحاول أن تقسم هذه المخاوف الوسواسية إلى قسمين، قل لنفسك أنا سوف أخاف من الموت؛ لأن الموت أصل مخيف، والموت مصيبة، ولك شك في ذلك، هذا لا شك فيه.

الجزء الآخر يجب أن تبني قناعات أن الخوف من الموت لن يزيد في عمرك، أو ينقصها، وأن الموت والحياة بيد الله تعالى، وأن ما عند الله خير وأبقى، وهنا تكون قد كسرت المكون الخوفي، وقسمته إلى قسمين قسم فيه القبول من خلال الإدراك المعرفي، وقسم تتعايش معه، وهذا إن شاء الله يحسن دافعيتك نحو التقوى، والعمل الصالح، والحرص على العبادات.

فيا أخي الكريم أنا أعتقد أن هذا هو الأفضل لك، وأنا هذا هو المطلوب، فيجب أن تصرف انتباهك عن الوساوس، وصرف الانتباه عن الوساوس يكون من خلال تذكر ما هو إيجابي، وإدارة الوقت بصورة صحيحة.

سؤالك: هل ستعيش على هذه الحالة إلى الأبد؟ هذا ليس من الضروري أبدا، أخي: سأكون صادقا معك أن الوساوس كثيرا ما تكون مزمنة مثل السكر مثل الضغط، ولذلك أجد كثيرا من الإخوة الذين انتفعوا من الأدوية يصرون على الاستمرار عليها حتى وإن قلنا لأحدهم خفضها، أو جرب نفسك بدون دواء يقول لك لا، أنا الحمد لله ارتحت، وأنا فعلا أتعامل مع هذه العلة مثل أي علة أخرى، الضغط الخفيف أو السكر.

فيا أخي الكريم: لا تضع على نفسك ضغوطا نفسية زائدة من خلال ما نسميه بالقلق التوقعي، لا يمكن لأي نفس بشرية أن تجرد من وجدانها، والقلق فيه شيء من الوجدان، والوساوس أيضا هي وجدان والخوف هو وجدان، والشكوك هي وجدان، لكني أتفق معك حين تكون نارها مشتعلة تزعج صاحبها حين تكون بدرجة معقولة سوف تكون إيجابية جدا.

أخي أنا متفائل تماما أنا حالتك إن شاء الله تعالى سوف تتحسن، بل هي قد تحسنت، وأنا أؤكد لك أنه لا علاقة بين الوسواس والجنون، أنت رجل مستبصر، ومدرك، ومرتبط بالواقع، فحالتك أخي الكريم هي فعلا وساوس قهرية، لكن الذي طغى عليها هو ما نسميه بالقلق التوقعي، أنت دائما تقدم القلق على كل شيء، وتريد ضمانات كافية حول المستقبل، حول حالتك النفسية، هذا من حقك بالطبع وأنا أرى أنك إن شاء الله تعالى سوف تعيش حياة طيبة وسعيدة ،ولكن لابد من أن تخفف من هذه الاحتقانات القلقية، فوض أمرك لله، وأسع في هذه الدنيا، وإن شاء الله تعالى تصل إلى مرادك، وتعيش حياة هانئة وطيبة.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات