السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد فقدت عزيزا علي وحزنت عليه حزنا شديدا، واسودت الحياة في وجهي، وبعد مدة عدت إلى دراستي، ولكني أشعر بالحزن في نفسي، ولا أستطيع العيش والفرح والاستمتاع، وأشعر بالخوف، والحزن، والقلق، والتوتر، لا أفهم ما أصابني، لا أستطيع التركيز ولا الفهم، أشعر بإحساس لم أشعر به في حياتي، أشعر أن الموت هو الحل لي.
ذهبت لطبيب نفسي، شخص حالتي أنها اكتئاب، وأعطاني مضاد اكتئاب اسمه –تربيتزول-، استعملته، وبعد 3 أسابيع تحسنت حالتي قليلا، وتحسن نومي، وصرت أشعر بالحزن بين فترة وأخرى، ولي الآن شهرين وأنا أستعمله، ولا أستطيع الذهاب للطبيب، فهل أستمر عليه أم أتركه؟ وهل يؤثر علي في المستقبل؟ وكثيرا ما يقال لي أنني أخطأت في تناول دواء نفسي، هل أنا فعلا أخطأت؟
اهتزت ثقتي بنفسي، هل سأعود إلى حياتي كما كنت؟ أحس بالضياع، تخرجت بتقدير لا أحلم به، ولا أحس بالفرح، مات لدي الإحساس.
ساعدوني أرجوكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مشاعل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يرحم موتاكم وموتانا وجميع موتى المسلمين.
التعبير عن الأحزان حين يفقد الإنسان عزيزا عليه أمر موجود ومشروع، ولكن الإنسان يجب أن يسعى دائما ليجلب الصبر، وأن يسأل الله تعالى أن يعينه في مصيبته، وأن يبدله خيرا منها.
بعض الناس تتواصل أحزانهم لفترة طويلة، أو تكون هذه الأحزان مطبقة جدا، وهذا نسميه بكرب ما بعد الوفاة، وهو حالة اكتئابية، لكن نعتبرها ظرفية لدرجة كبيرة، ويعرف أن هذه الحالات تتحسن بمرور الوقت، والعلاج الدوائي إن - شاء الله - تعالى يعجل بالشفاء، ما قام به الطبيب قرار جيد، إعطاؤك دواء بسيط وهو تربيتزول، وهو من الأدوية القديمة التي تستعمل في علاج الاكتئاب النفسي، كما أنه محسن جدا للنوم وهو دواء سليم وفاعل.
الطبيب بكل تأكيد أعطاك جرعة صغيرة، قد تكون (25) مليجراما في اليوم، في مثل حالتك الدواء مسموح تماما باستعماله حتى (75) مليجراما في اليوم, لكن لا أعتقد أنك بحاجة إلى هذه الجرعة، أنا أنصحك بأن تكون أقل مدة للعلاج هي (3 -6) أشهر، هذه أقل مدة لتختفي حالة الكرب والكدر التي تمرين بها، الجرعة يمكن التحكم فيها أو تحديدها من خلال التواصل مع طبيبك، وجرعة (50) مليجراما أي حبتين في اليوم قد تكون هي الجرعة المناسبة، تستمري عليها لمدة شهر إلى شهرين، وبعد ذلك تخفض إلى (25) مليجراما يوميا لمدة شهرين مثلا، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.
إن- شاء الله - تعالى سوف تعود لك الأفراح، وعليك أن تسألي الله تعالى الرحمة لعزيزك الذي حزنت عليه، عيشي حياتك بصورة طبيعية، واستعيني بالصبر والصلاة دائما كما ذكرت لك، مارسي التمارين الرياضية التي يمكن أن تمارسها المرأة المسلمة، عليك بالقراءة، والاطلاع، والجلوس مع صديقاتك، المشاركة في الأنشطة الثقافية، وحضور المحاضرات، وإن سمح زمنك أيضا أرجو أن يسمح بأن تحضري حلقات التلاوة في مراكز تحفيظ القرآن مرة أو مرتين في الأسبوع على الأقل، هذا سوف يكون إضافة جيدة لحياتك.
أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم - استشاري أول طب نفسي وطب الإدمان - تليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرحبا بك ابتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يأجرك في مصيبتك ويعوضك خيرا منها.
لاشك ابتنا الكريمة أن مصيبة الموت مصيبة عظيمة تفرق بين الأحبة، ولكن هذه من جملة المصائب التي يقدرها الله تعالى على الإنسان، لما ورائه من الخير الكثير، والنفع العميم إذا هو قابل هذه المصيبة بالصبر والاحتساب، فإن الله عز وجل رحيم بعباده، لا يقدر عليهم إلا ما فيه الخير لهم وإن كان الإنسان يكره هذا المقدور، فما يقضيه الله عز وجل ويقدره للعبد هو الخير كما قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون].
فعلى الإنسان العاقل رجلا كان أم امرأة أن يدرك أن المصائب حين يقدرها الله تعالى عليه يريد بها الخير له، فإنه يكفر بها سيئاته، ويزيد بها حسناته، وأعظم من ذلك يخلف عليه بخير منها، وقد جاء في ذلك وقفة عظيمة لأمنا أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فحين مات زوجها وكانت ترى بأنه أفضل الأزواج، ولا ترى أحدا أفضل من زوجها، فلما مات تذكرت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه للناس عند المصيبة أنه من قال: ( اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا عوضه الله خيرا منها ) تذكرت هذه الحديث وقالت في نفسها: من خير من أبي سلمة، فكانت تظن أن الله عز وجل لا يمكن أن يرزقها رجل أفضل من أبي سلمة، ولكنها تذكرت هذا الحديث وقالت، فقدر الله تعالى لها رجلا آخر هو خير من أبي سلمة بلا شك هو - رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فهذه القصة العجيبة فيها بيان أن الإنسان إذا كان مؤقنا بوعد الله، وأن الله عز وجل مخلفا عليه مصيبته، ويعوضه خيرا منها فإن الله عز وجل يفعل به ذلك، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء..).
فينبغي لك أختي الكريمة وابنتنا العزيزة أن تجاهدين نفسك على هذا الهم الذي نزل بك، وذلك بأن تتذكري الأجر الذي أعده الله تعالى من وراء هذه المصيبة، وأن هذا هو حال الدنيا، وأننا جميعا سوف نرحل منها يوما ما، وسنلقى إن - شاء الله - الأحبة في جنات النعيم.
وعلى العاقل أن يهتم بإصلاح ما بقي من عمره، وأن يستعد للقاء الله تعالى بأحسن الأعمال فهذا هو الخير، وأن الدنيا مزرعة الآخرة، واحذري كل الحذر أن يسوقك الشيطان إلى الوقوع في معصية الله تعالى، فإننا قرأنا في كلامك ما يوحي بأنك ترين أن الموت والخروج من هذه الدنيا هو الحل لك، فاحذري أن يسوقك الشيطان في الوقوع في معصية الله تعالى بأن يزين لك الانتحار وقتل النفس، فإنه من أعظم المصائب الدينية والدنيوية التي يصاب بها الإنسان، وهو استعجال لعذاب الله تعالى ودخول ناره، فأحذري أن تقعي في شراك الشيطان وحبائله، وما ذكره لك الطبيب الدكتور محمد عبد العليم - جزاه الله خيرا - من النصائح فيه الخير الكثير بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يعوضك عن كل فائت وغائب.
وبالله التوفيق والسداد.