السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا أشكركم على جهودكم ومساعدة الناس.
دكتور أنا فتاة عمري 24 سنة، مشكلتي أنني أعاني من عدة مخاوف منها الموت وما بعده، والحوادث، والقصص الحزينة، والجلوس وحدي في المنزل، عند سماع المحاضرات والمواعظ أتأثر وتنتابني نوبة خوف، وعند سماع قصة حزينة فإني أبدأ أفكر بها، وأيضا تنتابني نوبة خوف وهلع، عندما كنت في عمر 10 سنوات رأيت حادثا عند خروجي من المدرسة، وبعدها بدأت أخاف من الحوادث.
وعندما كان عمري 13 سنة رأيت جنازة تحمل للمسجد وأحسست بخوف شديد، وبعدها كلما سمعت أن أحدا توفي تأثرت، وعندما كان عمري 11سنة كنت أخاف من الجنون، فجاء أخي في وقت المغرب وهو يلبس فروا ودخل علي وصرخت وخفت. أهلي لم يتوقعوا أن هذه المخاوف ستؤثر علي، ومنذ أن كنت صغيرة وأخي الذي يصغرني والذي يكبرني يضربونني مع أن أهلي يدافعون عني، لكن لا جدوى.
منذ كنت صغيرة وأنا في تحفيظ القرآن، وأحرص على سماع المحاضرات والمواعظ مما جعلني أخاف أكثر، وعندما كنت صغيرة تأتيني آلام في الصدر، ورعشة، وخوفا، وتفكيرا، ووساوس من الموت، مع العلم أنني متفوقة في جميع سنوات دراستي واجتماعية مع الناس.
عندما وصلت عمر 17 سنة لاحظ أهلي علي خوفا وهلعا غير طبيعي، فتوجهوا بي للعيادة النفسية ووصف لي الطبيب السبراليكس من نصف حبة إلى حبة ونصف، استمريت عليه سنة ونصف تقريبا أحسست بالتحسن، بعدها بشهرين رجعت المخاوف، وذهبت لمستشفى آخر وأعطوني علاج فافرين، استخدمت حبة 100ملجم، وبعدها بسنتين الدكتور رفع الجرعة إلى 100ملجم لتصبح حبتين والآن أتناولها، إضافة إلى أنني مستمرة على العلاج السلوكي في نفس المستشفى.
يا دكتور أنا الآن أصبح لي سنتان ونصف على الفافرين وأحسست بتحسن كبير ولله الحمد وبعض المخاوف تخلصت منها، إلا الجلوس لوحدي في المنزل.
حاليا أفكر في ترك العلاج وأخاف أن ترجع لي المخاوف، ومن مضار العلاج، لاسيما أنني فتاة في سن الزواج، وأخاف عندما أتزوج ترجع لي المخاوف، لأنني لازلت أخاف من الجلوس لوحدي في المنزل.
يا دكتور أعتذر وبشدة على الإطالة، وأتمنى أن تنصحني كما تنصح أختك ولا تحرمني من علمك، لا حرمك الله جنة عرضها السماوات والأرض.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م.م حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونشكرك على رسالتك هذه والواضحة والمنسقة والتي من خلالها أستطيع أن أقول لك أن تشخيصك واضح جدا، وهو أنك تعانين مما يسمى بقلق المخاوف الوسواسي، والمخاوف في حالتك من الواضح جدا أنها مرتبطة بأحداث حياتية معينة، وهذه نسميها بالمؤثرات أو الروابط أو المثيرات وهي الخبرات السابقة التي مررت بها.
وكان فيها بعض التعريض الواضح للمخاوف، ولم تشرح تلك المواقف في تلك اللحظة، مثلا رؤية الجنازة، هذا موقف صعب حتى على الكبار في العمر من بعض الناس، فعدم تفهم الموقف بكليته يجعل الإنسان ينجرف نحو العامل التخويفي، وهذا بالطبع يؤدي إلى الخوف في المستقبل، وحدث لك هذا في طفولة متأخرة وبداية سن اليفاعة، وهنا يتم تخزين وتشفير المخاوف على مستوى العقل الباطني وكذلك العقل الظاهري، وبعد ذلك تبدأ تظهر هذه الظواهر النفسية في شكل مخاوف، ونسميها بالمخاوف الإكلينيكية - يعني الواضحة والظاهرة والتي أخذت الطابع المرضي -.
هذا كله يقودنا إلى أن المخاوف هي أمر وظاهرة وحالة نفسية مكتسبة، وليست أمرا أو مرضا فطريا أو غريزيا أو وراثيا، ومنطق الأشياء يقول أن الشيء المكتسب يمكن أن يفقده الإنسان من خلال التعلم المضاد، والتعلم المضاد دائما يعني تحقير فكرة الخوف وكذلك مناقشتها وعدم قبولها قبولا تلقائيا، فأنت الآن مطالبة بأن تحقري فكرة الخوف، واجلسي مع نفسك وناقشي نفسك (ما الذي يجعلني أخاف هكذا؟ أنا لست بأقل من الآخرين، لماذا لا أستطيع أن أقوم بما يقوم به الناس؟ لماذا لا أجلس وحدي؟ الناس يجلسون وحدهم، وأحيانا يكونون في مناطق بعيدة ومنقطعة - مثلا - مثل رواد الفضاء في كبسولاتهم وسفنهم الفضائية يكونون بعيدين جدا عن الناس ومنقطعين، وبالرغم من ذلك لا يأتيهم خوف) وهكذا يتم إجراء هذا الحوار الفكري الداخلي، وأنا أؤكد لك أنه مفيد جدا.
ولابد أن تجدر الإشارة إلى أن المخاوف إذا استسلم لها الإنسان وقبلها سوف تطبق عليه إطباقا شديدا، لكن متى ما بدأ الإنسان في أن يرفضها ويخضعها للمنطق ويحقرها فهذا - إن شاء الله تعالى – يزعزعها ويضعفها مما يجعلها تختفي تماما- هذا من ناحية.
من ناحية أخرى: المخاوف تعالج من خلال تعريض الإنسان نفسه لمواقف الخوف، وأنت مثلا في موضوع الجلوس وحدك: أصري أن تجلسي لوحدك، لكن تذكري دائما أنك في كنف الله وحفظه وفي رعايته، وفي نفس الوقت عليك بالدعاء، أسأل الله أن يحفظك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك ومن فوقك، وتعوذي بالله من أن تغتالي من تحتك، هل سيضرك شيء بعد ذلك؟ الإجابة قطعا لا. وابدئي بالتطبيق الفوري، وذلك بأن يكون متدرجا، مثلا اجلسي وحدك في أثناء النهار في غرفة بعيدة عن الأهل، ثم اجلسي في الليل وحدك، وهكذا. إذن التعريض في الخيال والتعريض في الواقع هو العلاج الأساسي.
ثالثا: تمارين الاسترخاء ذات فائدة كبيرة جدا في علاج القلق والتوتر والخوف والوسوسة، والوسواس يفكك وينتهي من خلال الاسترخاء، وإليك بعض الاستشارات السابقة التي بها كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، وهي برقم ( 2136015) أرجو أن تلتزمي بذلك.
رابعا: اصرفي انتباهك عن المخاوف، وذلك من خلال تنمية مهاراتك في كل شؤون الحياة ومرافقها، على المستوى الدراسي عليك بالتفوق، وعليك بالتميز، المشاركة في أعمال المنزل، الاجتهاد في موضوع حفظ القرآن، والتفاعل مع أخواتك في هذه الحلق الطيبة، بر الوالدين، هذه كلها تحسن من مستوى الدافعية لدى الإنسان وتقلل لديه الخوف تماما.
وإذا كان هناك وسيلة لأن تنخرطي في أي جمعية خيرية للفتاة أو نشاط ثقافي أو شيء من هذا القبيل، هذا أيضا تبني لديك قناعات إيجابية جيدة جدا حول الخوف والشخصية.
أخيرا أقول لك: الفافرين دواء جيد وممتاز ويجب ألا تنزعجي له أبدا، فهو من الأدوية البسيطة والسليمة، لكن أتفق معك أنه لا يمكن للإنسان أن يعتمد على الدواء طوال حياته، حتى وإن كان الدواء سليما، الإنسان يجب أن يحرر نفسه، وأنت مقبلة على الزواج، فأقول لك ركزي على التطبيقات السلوكية التي ذكرتها، وبعد شهرين وبعد التشاور مع طبيبك، أعتقد بأن تخفضي الدواء بمعدل خمسين مليجراما كل شهرين حتى تتوقفي عنه.
وانظري العلاج السلوكي للمخاوف: ( 262026 - 262698 - 263579 - 265121 )
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.