السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة, وأدرس في الجامعة.
مشكلتي هي: أنا عندي موهبة الإنشاد, ومن محبي الإنشاد - وليس الأغاني - بشكل جنوني, ولم ألق مكانا أظهر موهبتي فيه, وما لقيت دعما من أهلي لهذه الموهبة, وأنا من القنفذة في السعودية, حاولت إن أظهرها فلم أستطع, وأحيانا أكتب شعرا, وأحس أن عندي طاقة داخلية هائلة, ولكن لم أستخدمها بالشكل المطلوب, وأنا - ولله الحمد - أحفظ من القرآن حوالي 14 جزءا في شهر واحد فقط, بفضل الله عز و جل, ولكني أريد الإنشاد, وأنا أعرف أن صوت المرأة عورة؛ لذلك لم أستطع.
أفيدوني, جزاكم الله عني خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بدور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يرزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يمن عليك بحفظ كتابه حفظا كاملا، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن مثل هذه الموهبة الرائعة من الأشياء التي يحتاجها المجتمع المسلم, خاصة في عالم النساء، ولكن ليس كل شيء يحتاجه الناس يكون مقبولا، فأنت - وكما تعلمين - أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ, وأنه يرفض أن تكون ابنة القبائل – مثلا – منشدة في حفلات الأعراس؛ لأنك تعلمين أن الذي يقوم بالإنشاد في حفلات الأعراس هم عادة ما يكونون من بيئات معينة – غالبا – وليسوا من أبناء القبائل المعروفة.
ولذلك حتى لو فكرت أن تقومي بالإنشاد – مثلا – في الأعراس, فأرى أن ذلك لن يكون مقبولا بصورة موسعة، ولكن لا مانع إذا كانت بعض الأعراس لمثل بعض الأقارب أو غيرهم أن تقومي بالإنشاد ما بين النساء دون مكبرات صوت، فأعتقد أنك بذلك تستطيعين أن تتنفسي، ولعل ذلك أن يؤدي مثلا إلى الرقي بمسألة الإنشاد النسائي بين مجتمعات النساء، خاصة وأنك تكتبين الشعر، ومن الممكن أن تقدمي إنشادا رائعا هادفا, داعيا إلى الخير, مذكرا بالحق, محاربا للسفور والتبرج, وخروج المرأة عن ضوابط الشرع؛ لأن الشعر كما تعلمين هو أحد الوسائل التي يمكن من خلالها نصرة الحق في كل زمان ومكان، ولقد استعمله النبي - عليه الصلاة والسلام – في صدر الإسلام الأول.
فأرى فعلا أن تجتهدي في التركيز على الشعر وكتابته حتى تتميزي فيه؛ لأن الشعر في الغالب لا توجد لديه إشكاليات بالنسبة للمرأة أو الرجل، وكم شهدت الدنيا من شعراء من النساء, فكوني على قدر كبير من التميز والإتقان, ودقة نسج أبيات الشعر, ومراعاة القوافي, وصدور البيت وغير ذلك.
فأرى بارك الله فيك أن تشغلي نفسك قدر الاستطاعة بكتابة الشعر, وتطوير أدائك فيه، وأن يكون لك رسالة، بمعنى أن تكوني شاعرة مسلمة, ناصرة لقضايا الإسلام والمسلمين، حتى تكوني بذلك قد وظفت هذه الموهبة توظيفا شرعيا, يعود عليك بالخير في الدنيا والآخرة؛ لأنك تعلمين أن البيت من الشعر قد يكون أبلغ من خطبة طويلة عصماء، وكم من بيت من أبيات الشعر أدى إلى إطفاء فتنة, أو إشعال حريق مدمر, أو إقامة حرب شعواء بين شعوب وأمم.
فأنا أرى - بارك الله فيك - بما أن ممارسة الإنشاد بالنسبة لك ليست سليمة من المآخذ؛ لأن الإطار الإسلامي لم يعط مساحة كبيرة للنساء في مسألة الجهر بالصوت، بصرف النظر عن كون المرأة صوتها عورة أم غير عورة، ولكن القضية أن العرب تأنف أن تقوم المرأة بالإنشاد لتحيي المناسبات كالزواج وغيره؛ لأن العرب ينظرون إلى هذه المهنة على أنها مهنة الطبقة الدونية من المجتمع، ولا يقبل رجل أبي كريم أن تقوم ابنته مثلا بالإنشاد في أعراس الناس مقابل دراهم معدودة؛ لأن القضية قد لا تكون قضية مال في المقام الأول؛ ولذلك أرى أن تحولي هذه المهارة إلى التركيز على الشعر, باعتبار أنه متنفس رائع، وأنه أيضا فرصة لإخراج هذه الطاقة الداخلية الهائلة من خلال أبيات شعر قوية ومعبرة ومركزة، تستطيعين بها أن توصلي رسالة رائعة للعالم كله, وليس للمسلمات فقط، وأن تحملي سيفا صلتا للدفاع عن الإسلام في ميادين الأدب والأدباء، وأن تكوني امرأة متميزة في دفاع المرأة عن دينها, عن طريق استخدام موهبة السحر الشعري الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به.
أما قضية الإنشاد وإحياء أي مناسبات حتى وإن كانت صغيرة فأنت – كما ذكرت – تعرفين بأن صوت المرأة عورة، وكذلك أيضا المجتمع لا يؤيد ذلك، فأنا أرى حتى لا نصطدم مع المجتمع الآن أن تركزي على قضية الشعر، وأن تهتمي بحفظ القرآن الكريم، ثم بعد ذلك لا مانع أن تتقدمي بطلب إلى الجهات الرسمية لديكم - خاصة في الأندية النسوية - بأن يكون لك دور بين النساء تستطيعين من خلاله أن تظهري هذه الموهبة في إطارها الشرعي، وأن تكون في حدود النساء فقط ولا تكون للرجال.
وهذا الأمر وإن كنت أرى أنه صعب؛ لأنه قد تسجل لك بعض الأخوات أو النساء بالخفاء على جوال, أو غير ذلك, ويكتشف صوتك وبذلك يفتن بك الناس، فبدلا من أن تكون هذه الموهبة نعمة تتحول إلى نقمة؛ ولذلك أنا أرى أن تحتسبي أجرك عند الله تعالى في ترك هذه الموهبة – موهبة الإنشاد المباشر – وأتمنى أن تركزي على قضية حفظ القرآن الكريم، وتركزي على قضية الشعر، على اعتبار أن الشعر ميدان رحب, ولا يوجد فيه حرج، ما دمت تحملين هم الإسلام, وتخرجين شعرا نظيفا نقيا طاهرا عفيفا, بعيدا عن التبذل, وبعيدا عن العبارات غير اللائقة, أو الخادشة للحياء, أو الداعية للسفور, أو غير ذلك من الأشياء المحظورة، وستكونين كالداعي الذي يقف في المحراب ليدافع عن السنة والكتاب، وكذلك ستكونين أيضا متأسية بحسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه – الذي كان يدافع وينافح عن الإسلام والدعوة والنبي - صلى الله عليه وسلم – في أول الأمر.
فأتمنى - بارك الله فيك - أن تقللي من شأن موضوع الإنشاد؛ لظروفها الصعبة، وأن تركزي على القرآن الكريم، ثم على كتابة الشعر، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.
هذا وبالله التوفيق.