القلق والوساوس أسبابها وعلاجها

0 552

السؤال

السلام عليكم.

دكتور محمد, كيف حالك؟ أرجو أن تكون على أتم حال من الصحة والعافية, ونشكركم على ما تقدمونه لإخوانكم عبر موقعكم المميز إسلام ويب.

أنا صاحب الاستشارات التالية, وأرجوا الاطلاع (2116568)-(2117070) – (2138186) – (2141674) –(2143920), فقد راسلتكم منذ عام, وقد أجبت علي مشكورا دكتور محمد.

ويسعدني أن أقول لك إن حالتي تتحسن تدريجيا والحمد لله, لكن سأضع ملاحظاتي في نقاط, وبعدها سأضع أسئلة لعلي أجد الأجوبة المناسبة:

1- بالنسبة لحالتي فحسب مراجعتي لطبيبي منذ سنتين ونصف, وحسب استشارتي لكم وجدت أن أصل الحالة هو القلق, وقد قال طبيي ذلك, وشخص حالتي على أنها قد تكون عصابا قلقيا, أي أن هناك قلق ومعه وساوس واكتئاب, وطبعا نوبات هرع بين كل فترة وأخرى.

2- بالنسبة للوساوس والأفكار: تأتيني أفكار كثيرة حول موضوع معين مثلا:

- أتخيل نفسي أني أوقع الأذى بنفسي أو بأحد غيري, أو أن هناك شيئا خطيرا سيحدث, فأصاب بالخوف لذلك, ويصبح عقلي كمن كذب كذبة على نفسه وصدق تلك الكذبة, حتى إن عقلي يتأثر بأي كلمة مهما صغرت, فمثلا أقرأ أقوال الملحدين فأخاف عندما أفكر بكلامهم, مع أني مؤمن بأن كلامهم غير صحيح.

- أو أن تكون الأفكار متعلقة بموضوع ديني, حيث إني أفكر مثلا بالكون أين نهايته, وأفكر بأمور دينية مثل: لماذا خلقنا الله؟ وهل الله سيغفر لنا؟ أو تكون بأمور غير دينية مثل: لماذا نحن نتعلم وندرس ونعمل طالما نحن ميتون؟ الخ..., وتكون هذه الأفكار من النوع الاجتراري, أي تكون أسئلة تجر أسئلة أخرى من دون أن أجد أي إجابة, فأصاب بعدها بالخوف, وأحس نفسي ضائعا, فأخاف أن أصل إلى مرحلة الكفر-استغفر الله العظيم- أو أن أصاب بالجنون.

- تأتيني أفكار مثل الخوف من الموت, فأقول في نفسي إن هذه حقيقة, ولكن لماذا خلقنا الله طالما أننا سنموت؟ وفي المقابل أكرر نفس السؤال فأقول مثلا: لو فرضنا أنه لا يوجد موت, فكيف ستكون حالنا؟ بالتأكيد سنشعر بالملل, وأظل هكذا ولا أجد جوابا لسؤالين فلا السؤال الأول يقنعني ولا الآخر.

- بالنسبة للانتكاس: هل يجب علي أن أخاف من الانتكاس؟ لأن طبيبي قال لي إن الانتكاس يؤثر في العلاج, كما أجد أن حالتي تنتكس عندما أكون أعاني من سبب عضوي, مثل أن أكون استحممت وخرجت من الحمام فورا وجلست تحت المكيف فيصيبني ما يشبه ضربة البرد, أو مثل أن أكون أعاني من الإمساك أو مثل أن أكون أعاني من الإسهال, أو ربما من القولون العصبي, كما أن الخمول والنوم في النهار مسيطر علي, كل هذه الأمور تزيد من حالتي.

- الإحساس بالملل بسرعة من فعل أي شيء, فأنا حاليا ما زلت أجلس في البيت, ولم أجد عملا, مع أني تخرجت منذ 6 شهور, فتراني أتصفح الإنترنت لمدة بسيطة فأصاب بعدها بالملل, ثم أذهب إلى حديقة منزلنا, وأيضا سرعان ما أصاب بالملل, فأذهب لمشاهدة التلفاز, وأيضا أمل بسرعة فلا أعود بعدها لتصفح الإنترنت, وأظل هكذا اليوم كله على هذا المنوال, كما أني في بعض الأوقات لا أستمتع بفعل شيء.

- الخوف من الموت يراودني بين كل فترة وأخرى, وقد كانت بداية حالتي عندما توفي شخص قريب منا -رحمه الله- كما ذكرت لك في إحدى استشاراتي.

- عندما أحس بتحسن أتوهم بأني مصاب بمرض الهوس أو الاكتئاب ثنائي القطب, وعندما يتراجع مزاجي أحس بالانزعاج مرة أخرى؟ كما أنني عندما أفكر بالاكتئاب أحس نفسي مصابا بالاكتئاب, وكما قلت لك إن عقلي يكذب الكذبة ويجعلني أصدقها.

والآن سأسأل بعض الأسئلة لعلي أجد لها الجواب المناسب.

1- أحيانا أجد نفسي عندما أفكر بأي شيء أشعر بأن مزاجي تعكر فجأة, ولم أفهم ما سبب هذا التعكر إلا عندما قال لي طبيبي إن اللاوعي عندك يظهر المعلومات المخزنة, فما هو اللاوعي وكيف يعمل؟

2- بالنسبة لحالتي: قال لي الطبيب أنني وصلت إلى مرحلة الشفاء التام, وعندما حدثته عن الأعراض التي أشعر بها قال لي إن هذه الأعراض طبيعية نظرا لوضعي بعد التخرج, ونظرا لما يحدث في بلدي سوريا -نسأل الله أن يفرج عن جميع المسلمين-, وقال لي أنني إذا وجدت عملا فستتحسن حالتي بإذن الله.

3- بالنسبة للعلاج فقد جربت أدوية كثيرة منذ بداية حالتي قبل 6 سنوات, فهناك الدوجماتيل, والزولام, والانافرانيل, وأخيرا الندرال, والسيرترالين, وأنا حاليا دوائي السرترالين, فما رأيك به؟ وهل هو مناسب؟ وهل سأستمر عليه مدة الحياة -لا قدر الله-؟

4- أنا إنسان حساس, وعاطفي, وعجول, وأضخم الأمور أكثر مما يجب, فكيف لي التخلص من ذلك, وهل هذا سبب لسوء حالتي؟

5- كيف أجعل عقلي يتقبل الحقائق مثل الموت, والحياة, والقضاء, والقدر؟

6- أريد رأيك في حالتي بشكل عام, هل هي خطيرة؟ وهل تؤثر على إيماني؟ وهل سأشفى بإذن الله؟

وآسف على الإطالة, لكن حالتي قد جعلت نظرتي للحياة تشاؤمية, أريد أن أعود طبيعيا كما كنت, هذا ما أريده, وأنتم شعاركم في هذا الموقع سعادة تمتد, أرجو أن أحصل على هذه السعادة.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى تواصلك السابق وعلى هذا التواصل، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أتفق مع الطبيب الذي قال لك إن الحالة في أصلها وجوهرها هي قلق نفسي، والقلق النفسي له جزئيات وتشعبات، والوسواس القهري هو أحد هذه التشعبات، كما أن ما يعرف بالاكتئاب العصابي هو أيضا إفراز طبيعي جدا لحالة القلق والوساوس، فكل ما ذكرته من تفصيل جيد ومفيد يدل بالفعل أنك تعاني من قلق الوساوس، وقلق الوساوس يعالج من خلال التحقير, وعدم مناقشته, والإغلاق عليه, وصرف الانتباه عنه، وذلك من خلال إدخال أفكار جديدة, أو أفعال جديدة.

بالطبع أنا تأسفت أنك لم تعمل حتى الآن، لكن لا أريدك أبدا أن تيأس، ابحث واسع وادع الله تعالى أن يوفقك، فالعمل حقيقة مهم وضروري، والظروف التي تمر بها سوريا مقدرة جدا، نسأل الله أن يحفظ أرواح المسلمين وأعراضهم، وأن يتقبل شهداءكم.

بالنسبة للأدوية: لا تنزعج أبدا، فالسيرترالين من الأدوية الطيبة والفاعلة والجيدة، وهو مناسب جدا، والجرعة التي تفيدك يجب ألا تقل عن حبتين في اليوم – أي مائة مليجراما – علما بأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم.

هل سوف تستمر عليه مدى الحياة؟ لا أعتقد ذلك، فالدنيا تتغير، والإنسان يتحسن، ويجب ألا تنزعج لمدة العلاج، فهي قطعا ليست مدى الحياة، لكن حتى وإن طالت قليلا أرجو ألا يكون ذلك سببا أبدا في تفكير سلبي، فهذه الأدوية سليمة، فاعلة.

حالتك ليست خطيرة، حالتك من الحالات المعروفة، وأنا أطمئنك كثيرا حيالها.

بالنسبة لأسئلتك حول ما هو (اللاوعي) وكيف يعمل؟ .. اللاوعي أمر نسبي ليس محسوسا، ولا يمكن قياسه ماديا، وهو أحد المرئيات التي تحدثت عنها المدرسة التحليلية كثيرا، وبعض الناس ربطوه بما فوق الحواس. إذن الإنسان لديه وعي، والوعي هو ما نستشعره ونتصرف من خلاله، وبعد ذلك يأتي ما تحت اللاوعي، أو ما يمكن أن نسميه ما بين الوعي واللاوعي، وهي منطقة وسطية قد تنزل إليها بعض المعلومات في بعض الأحيان، وذلك من خلال النكران، أو ربما تظهر بعض المعلومات المخزنة في اللاوعي, وعند ذلك تتوقف عند هذا الحد، أو تظهر على مستوى الوعي.

إذن هو شيء نسبي ليس بحسي، وأعتقد أن فكرته فكرة جميلة، وكثير من العلماء يعتبرونه نوعا من المتنفس أو نوعا من المحبس الذي يحفظ احتقانات النفس، وهو يتقبل كل شيء، الصالح والطالح، وبعد ذلك يتخير الإنسان بصورة شعورية ولا شعورية كيفية الاستفادة منه.

إذن من خلال النكران والتبرير السالب يخزن الإنسان كل شيء في اللاوعي، ومن خلال المواجهة والاستبصار تخرج المعلومات من اللاوعي.

بالنسبة لما ذكره لك الطبيب أنك وصلت مرحلة الشفاء: هذا كلام مشجع ومحفز، وعليك الآن أن تنتقل لمرحلة الوقاية، والوقاية تتطلب أن يكون لك مزاج وإرادة تحسن، وأن تطور من مهاراتك، وأن تخرج نفسك من النمط الحياتي الرتيب الذي تحدثت عنه، وإن شاء الله تعالى ترزق العمل ويكون فيه مخرج وسلوى كبيرة جدا لك, هذه هي المعينات الحياتية الأساسية التي من خلالها يطور الإنسان مهاراته.

بالنسبة لموضوع أنك إنسان حساس وعاطفي وعجول: هذه أيضا مرتبطة بالقلق، وهذه ميزات لا أعتبرها خطيرة، وإن شاء الله تعالى باختفاء القلق والتوتر سوف تختفي كل هذه الأعراض، وعليك بتمارين الاسترخاء (2136015)، وممارسة الرياضة، فهي ذات فاعلية عالية جدا للتخلص من مثل هذه السمات, كذلك كن معبرا عن نفسك ولا تحتقن، لأن الكتمان يؤدي إلى الاحتقان.

كيف تجعل عقلك يتقبل الحقائق مثل الموت والحياة والقضاء والقدر؟ هذا يتم من خلال مخاطبة العقل أن هذه أمور لا مفر منها، هذه مسلمات في ديننا وعقيدتنا، ونحن نؤمن بكل ما أتى به الإسلام، وهذه أحداث وظواهر وحقائق نشاهدها أمامنا، فليس هنالك مجال للعقل كي يحاور أو ينكر أو يبرر، المواجهة والارتباط بالواقع هي الوسيلة.

أكرر لك أن حالتك ليست خطيرة، ويجب ألا تكون متشائما، كن إيجابيا، واستمر على علاجك، وإن شاء الله تعالى تكتمل صحتك وعافيتك، وأنت الحمد لله تعالى في ريعان الشباب، ولك طاقات نفسية وجسدية لا بد أن تستفيد منها بصورة أكثر إيجابية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والشفاء، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب وثقتك في موقعك هذا.

مواد ذات صلة

الاستشارات