السؤال
أريد الحل لهذه المشكلة وهي: أن بنات خالتي لا يحبنني ويكرهنني ويتكبرن علي، وهذا ليس معي فقط بل مع الآخرين.
وهن يرين أن لا أحد مثلهن وأنهن أناس أعلى منا، وهن غير ذلك بل هن عاديات جدا، لا أعرف لماذا هذا الحقد والحسد علي مع أني لم أفعل لهن شيئا، ولم أضر أحدا منهن، ودائما أفكر لماذا يتعاملن معي هكذا.
أتمنى أن أنساهن، لكن قدري أنهن بنات خالتي، وأنا لا أريد المشاكل، ولا أحبها، وأنا أود أن أتقرب منهن، لكنهن يبتعدن عني، ولا يريدن الكلام والتحدث معي، كأنني ذبحت إحداهن، أو أسأت لهن، وأنا طول هذه المدة أفكر فيهن، وبعض الأحيان أسأل أمي: لماذا هن يتعاملن معي هكذا؟ فتقول: لا أدري.
أحس أنهن يحتقرنني ويتعالين بأنفسهن علينا، كأنهن أناس من الدرجات العليا، وكأني أقل منهن، ووالله إنهن عاديات جدا، ومغرورات.
أسأل الله أن يصبرني عليهن، فمنذ أن كنت صغيرة وهن حاقدات علي، وأنا أقول الحق، ولا أكذب في الكلام.
أرجوكم ساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ويسعدنا أن نقول: إن ما تفعله بنات الخالات من تكبر أو تعال يعود عليهن بالضرر، والمتكبر مريض من الناحية النفسية؛ لأنه يشبه إنسانا صعد على مكان عال وأخذ ينظر إلى الناس فيرى الناس صغارا كأنهم فئران، لكنهم أيضا ينظرون إليه ويشاهدونه كأنه فأر صغير.
فالذي يتكبر على الناس يحتقره الناس أيضا، وهو دليل على نقص فيه، فلا تلتفتي لما يحصل، ولا يمكن لبنت الخالة أن تكون أعلى من بنت خالتها، لأنكن من فصيلة واحدة ومن قبيلة واحدة، ومن بطن واحدة، ومن فخيذة واحدة، وفي درجة واحدة، فكيف تتعالى عليك، وكيف تترفع عليك.
الإنسان الذي يعامل الناس بهذه الطريقة يكون عند الناس محتقر دائما، وليست له منزلة عند الناس، وليست له رفعة، وهذا الموضوع لا يستحق منك الحزن، بل ينبغي أن يكون الحزن من هؤلاء البنات المتكبرات، والإنسان الذي يرفع رأسه ويشمخ فارغ، فالنفوس الفارغة التي تقف مرتفعة، أما النفوس المليئة بالثمار والخير فإنها تتواضع، وقد أحسن الشاعر عندما قال:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر *** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيع
فمهما اغتر الإنسان فإنه لا يمكن أن يرفع نفسه، كما قال الله: {إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} فلا تبالي بما يحصل، ولا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، واستعيني بالله -تبارك وتعالى- وتوكلي عليه، وحاولي دائما أن تكوني أنت المعاملة بالحسنى، واعلمي أن العاقبة للصابرين، وربما كان هذا الأدب منك وهذا الحياء هو سبب الحقد عليك، ولكن إذا حسدك الناس من أجل التميز، ومن أجل ما عندك من أدب، ومن أجل ما فيك من أخلاق، فهذه نعمة من الله -تبارك وتعالى-، وعليك أن تشفقي على هؤلاء المغرورين الحاقدين الحاسدين؛ لأنهم لا يتعبون إلا أنفسهم، كما قال معاوية: (ما رأيت في خصال الشر أعدل من الحسد، لأنه يتوجه إلى الحاسد فيقتله قبل أن يصيب المحسود)، فلا تعطي الموضوع أكبر من حجمه، واستعيني بالله -تبارك وتعالى-، وتوكلي عليه، واعلمي أنك في آخر الأمر منصورة ومؤيدة، ولا تشعري والدتك أنك مضطهدة، ولا تشعريها بمثل هذا الكلام، ولكن كوني أنت على الصواب، حتى ولو مشى جميع الناس على الخطأ، فالإنسان ينبغي أن يسير على الطريق الذي يرضي الله دون أن يستوحش من قلة السالكين، ويتجنب طريق الباطل, ولا يغتر بكثرة الهالكين.
فاتقي الله -تبارك وتعالى- واصبري، وأنت على خير كثير، ولن يضرك ما يحصل من هؤلاء البنات، وابحثي عن صديقات صالحات، واعلمي أنه سيأتي اليوم الذي يعرفن فيه قدرك ومكانتك، وعليك أيضا أن تكوني قريبة من الخالة، فإن الخالة أم، فاحرصي على برها والإحسان إليها، فإن هذا واجب تمليه هذه الشريعة التي شرفنا الله -تبارك وتعالى- بها.
وعليك كذلك بكثرة الدعاء لبنات الخالة؛ لأنهن بحاجة إلى الدعاء، وصلاح هؤلاء البنات وعودتهن إلى الصواب من الأمور التي تهمك، والتي تنالين -إن شاء الله- الأجر والثواب عند الله -تبارك وتعالى-، فأحسني إليهن، واعلمي أنه بالإحسان تنقلب العداوة إلى ولاية وصداقة حميمة، قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}.
وندعوك إلى ألا تنتبهي وألا تركزي على ما يحصل منهم، واعلمي أن التغافل علاج، وأن السكوت أيضا مؤلم ممن يحتقر الناس أو ينقصهم، فإنه يتألم إذا سكتوا، وإذا لم يردوا عليه كلامه، فكوني أنت العاقلة -كما تدل هذه الاستشارة- وواظبي على هذا الوقار، واتقي الله واصبري، واعلمي أن العهد قريب، والدنيا تفرق بين أهلها بين الفينة والأخرى، فاتقي الله -تبارك وتعالى-، واشغلي نفسك بطاعته.
نسأل الله أن يسهل أمرك، أن يلهمك السداد والتوفيق والرشاد.