السؤال
السلام عليكم.
أحد النصارى أرسل لي آيتين فيهما تناقض - حسب رأيه- حول مدة القيامة، وطلب مني الرد، ولأن علمي في الدين قليل، فأرجو المساعدة منكم.
يقول:
في سورة السجدة في الآية الخامسة: ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) يفسر الإمام النسفي في الجزء الثالث صفحة 417 أنه يوم القيامة.
وفي سورة المعراج الآية الرابعة: ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )، ويفسر النسفي أيضا في الجزء الرابع صفحة 426 أنه يوم القيامة.
فهل يوم القيامة 1000 أم 50 ألف؟ هذه مشكلة محتاجة لحل في كل آية يتكلم عن مدة يوم القيامة، ولكن تختلف مدة يوم القيامة في الآيتين، لماذا؟ هل الله يجهل مدة يوم القيامة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نشكر لك - ابنتنا الفاضلة - اهتمامك بهذا الموضوع، ونشكر لك تواصلك مع هذا الموقع، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وأرجو أن تعلمي – ابنتي الفاضلة – أن آخر من يتكلم عن التناقضات هم النصارى الذين يزعمون أن الإله ثلاثة لكنه واحد، {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}.
وأرجو أن يفهم كل إنسان أن كتاب الله تبارك وتعالى ليس فيه تعارض وليس فيه تناقض، ولكن التناقض، ولكن عدم الفهم، ولكن الخلل في عقول البشر ..، فكيف إذا كان هذا البشر أصلا على غير هذا الدين يبحث عن أشياء يجعلها مطاعن لهذا الدين، لو كان في هذا طعن ما غاب على الأذكياء من أعداء هذا الدين من قبلهم الذين حاولوا أن يجدوا في القرآن مدخلا لكنهم لم يجدوا.
لأن هذا القرآن كتاب محفوظ ليس ككتب النصارى فيه زيادات وفيه نقص، فيه تأليف، فيه إضافات، بل إنجيلهم الآن عدد من الأناجيل – والتوراة عدد من الكتب – مع أن الكتاب النازل على نبي الله موسى وعيسى، هو كتاب واحد لا يتعدد، أما القرآن فهو كتاب الله تعالى الذي تولى العظيم حفظه، قال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وقال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وهذا التناقض إنما هو في عقول من يتكلموا ومن يجادلوا بغير حق.
وبعد أن عجز النصارى عن تحريف كلمة واحدة أو إضافة كلمة واحدة في القرآن، ولهم في ذلك عدد من الممارسات وعدد من المصاحف التي طبعوها فيها شيء من التحريف، لكن اكتشفت من الوهلة الأولى، لأننا الأمة الوحيدة التي تحفظ هذا الكتاب، الأمة الوحيدة التي وردت صفتها في الكتب السابقة أن أناجيلهم في صدورهم.
أما ما ذكر من التناقض فإن هذا التناقض لا يوجد، والعلماء لهم رأي واضح في هذا، فإن يوم القيامة خمسين ألف، ومقدار كل يوم هو في مواطن مختلفة، فهو خمسين ألف سنة، ومقدار كل يوم ألف ألف، وبعضهم قال: المقصد فيه هو أن الإنسان بحسب أحواله، هي مواطن مختلفة في يوم القيامة، وأيضا بعض المفسرين يذكر أن اليوم بالنسبة لأهل الإيمان كالبرق، وبالنسبة لكل إنسان حسب عمله، فبعض الناس كأنه ألف سنة، وبعض الناس كأنه خمسين ألف سنة.
وقد قال أهل التفسير {خمسين ألف سنة} أي في طوله، خمسين ألف سنة من سنين الدنيا، وهو يوم القيامة جعله الله تبارك وتعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة، ثم يدخلون النار بعد ذلك والاستقرار فيها والعياذ بالله، والجمع بين هذه الآية وآية السجدة التي جاء فيها مقدار ألف سنة أن القيامة مواقف ومواطن، فيها خمسين موطن، في كل موطن ألف سنة، ولكن هذه المدة تخفف على المؤمن حتى تكون أخف عليه من الصلاة المكتوبة.
وقالوا في ذلك أن الإنسان إذا كان في ليلة مريض حزين فيها فإن هذه الليلة تصبح طويلة، وإذا كان فيها فرح وسعيد فإنه لا يدري متى ينقضي الليل، ولذلك ليس في الأمر تناقض، بل هي مواطن مختلفة، فالحديث عن مواطن مختلفة، ولم يقل اليوم – يوم القيامة – بالتعريف، ولكن قال: {في يوم كان مقداره} والتنكير هذا يفيد العموم، فلا أظن أن هناك تناقضا في هذه المسألة، ولذلك أرجو ألا تلتفتي لمثل هذه الأمور، وعليك أن تعودي لكتب التفسير، فإن اليوم الذي تحدثت عنه الآية الأولى بخلاف اليوم الذي تكلمت عنه الآية الثانية.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} فقال بعضهم: معناه: أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض، ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا؛ لأن ما بين الأرض إلى السماء خمسمائة عام، وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك، فذلك ألف سنة.
وقال بعضهم: يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقداره ألف سنة؛ لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام.
وقال بعضهم: مقدار مسيرة في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمسمائة سنة نزوله، وخمسمائة سنة صعوده، فذلك ألف سنة.
أما الآية { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} قال بعضهم: هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف، وهو الأرجح، وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء، اتساع ما بين قطرية مسيرة خمسين ألف سنة. وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة.
وقال بعضهم: هذا يوم القيامة، جعله الله تعالى على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة.
وبعضهم يرى – كما قلنا – أن يوم القيامة خمسين ألف سنة، وهذه الخمسين ألف سنة في مواطن مختلفة يمر بها الإنسان، إذن اليوم مختلف، اليوم الذي هو خمسين ألف غير اليوم الذي هو ألف سنة مما تعدون – مما يعده الناس – فإن اليوم عند ربك مختلف، وهناك بعض الكواكب اليوم الواحد فيه يعد عندنا - أهل الأرض - بثلاثمائة وستين سنة، وهناك أقوال لأهل التفسير أرجو الرجوع إليها، وسيزول هذا التناقض الذي لا يوجد أصلا إلا في عقول الذين تكلموا عنه.
هنا قال: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} وهناك قال: {ألف سنة} مثل ما قلنا: هذه مواطن مختلفة، والحديث في الآية الأولى يختلف عن الحديث في الآية الثانية.
أما قوله: هل الله يجهل يوم القيامة؟ طبعا هذا كلام لا يقوله إنسان عنده أدب، فالله تعالى هو العليم الخبير، الذي لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، الذي يعلم دقائق الأمور وحقائقها، فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى، وهو خالق هذا الكون وما فيه، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سبحانه وتعالى، وينبغي ألا نستجيب لمثل هذه الكلمات من أهل الشرك والكفر أو من غيرهم، وعلينا العودة إلى كتب التفسير، وسيجد الإنسان الحق واضحا.
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يلهمنا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.