السؤال
السلام عليكم.
أود أن أسأل سؤالا وهو:
أنا شاب أريد أن أتزوج لأعف نفسي من الفتن, ولكن الوالدة تقول: أكمل دراستك, ولا تهتم بمثل هذه الأمور, وتقول لي: كيف تتزوج وأنت لا تملك مرتبا أو دخلا شهريا؟
فماذا تنصحني - يا شيخ - ويعلم الله أني لا أستطيع التوقف عن التفكير في هذا الموضوع.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك وبوالدتك، ونسأل الله أن يرزقك برها، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونرحب بك في موقعك، ونحن في خدمة شبابنا وفتياتنا الذين هم أغلى ما نملك في هذه الأمة بعد توفيق الله وتأييده، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يعينك على بلوغ الحلال، وأن يلهمك رشدك والسداد، إنه الكبير المتعال سبحانه وتعالى.
ولا شك – يا بني – أن الأصل هو أن يبادر الإنسان بالزواج، ولا علاقة للدراسة ولا بغيرها بأمر الزواج، خاصة إذا كانت الأسرة تملك إمكانات تعين بها هذا الشاب على أمر الزواج، وإذا لم تكن الأسرة عندها استطاعة فإن على الشاب أن يجتهد في أن يوفر ما يستطيع، ثم بعد ذلك ينبغي أن يعان على أمر العفاف وعلى أمر الزواج، فإن الخطاب في كتاب ربنا توجه إلى الأمة, فقال رب العزة والجلال: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}, كأن قائلا قال: من أين المال؟ فقال الله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله فضله}, وكان الصحابة يقولون: (التمسوا الغنى في النكاح) أخذا من هذا المعنى الجميل من قول ربنا تبارك وتعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}.
ومن الذين يعينهم الله تبارك وتعالى المتعفف الذي يطلب العفاف بالنكاح، كما ورد ذلك في سنة النبي المصطفى العدنان.
فندعوك لأجل ذلك إلى التفاهم مع الوالدة، وأنت أعرف بظروف أسرتك، ولكن حتى يحصل ذلك نتمنى أن تجتهد في أن تغض البصر، في أن تتشاغل بالأمر المفيد، في أن تتلو كتاب الله تبارك وتعالى الجميد، في أن تبدأ فعلا في خطوات عملية في إعداد ما تستطيعه؛ لأن الإنسان ينبغي أن يعد ما يستطيعه، كذلك ينبغي أن تبتعد عن أي علاقة تثير عندك هذه الغريزة، وننصحك قبل أن تقدم على اختيار أي فتاة أن تشرك الأسرة في أمر الاختيار؛ لأن من سعادة الإنسان أن يجد امرأة - أو فتاة – صالحة ترضاها الوالدة وتعينه على طاعة الله تبارك وتعالى.
فكلام الوالدة لا يخلو من الوجاهة، لكن الأمر يحتاج منك إلى حنكة وحكمة في مناقشتها، وإذا كان أمر الزواج متيسرا فأرجو أن تجد في العمات والخالات والأخوال وغيرهم من يعينك في إقناع الوالدة، ومن يقف إلى جوارك، وأرجو أن يعلم الجميع أن الزواج ليس مانعا لمواصلة الدراسة، وليس مانعا لنيل الشهادات، بل إن الإنسان إذا تزوج قد يجد دوافع أكثر للنجاح وللفلاح والسعي لتحقيق الرتب العليا؛ لأن الرجل بعد الزواج يشعر أن هناك من ورائه، وأن هناك من يفرح بنجاحاته، وأن هناك من يسعد ويستفيد من تقدمه في دراسته أو في وظيفته.
بل إن المعاني الواردة في طلب الغنى أن النكاح يجلب الغنى؛ لأن الإنسان بعد الزواج يشعر بمسؤوليات، فيبحث عن عمل إضافي، ويبحث عن مصادر دخل أخرى، وهذا البحث والاجتهاد - الذي هو فعل للأسباب – يأتيه منه الرزق من الكريم الوهاب سبحانه، الذي قال في كتابه: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}, والذي قال لمريم: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} مع أنها في حالة حمل ووضع، ولكنها أمرت بالأخذ بالأسباب.
كما أرجو أن تعرف وتناقش لتعرف الأسباب الفعلية لقصدها، هل لأجل ظروف الأسرة؟ هل لأنها تعتقد أنك لا تفكر بطريقة صحيحة؟ هل لأنها ترفض اختيارا معينا؟
وأنت أعرف بالوالدة وبطبيعتها، فاجتهد في أن تكون حريصا على إرضائها، وقدم بين يدي طلباتك صنوفا من البر والإحسان، وأمن لها المخاوف، فإنها قد تكون خائفة من أن تذهب عنها إذا تزوجت وتقصر في حقها، ونحن نحتاج أن تنظر للموضوع نظرة شاملة، والشرع يؤيد فكرة الزواج المبكر، ولابد من فعل ما تستطيع من الأسباب، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج), ونتمنى أن تنال رضى الوالدة، ولم يظهر لنا رأي الوالد إذا كان موجودا أو الأعمام أو الأخوال الكبار؛ فإن لرأيهم مكانة في هذه المسألة، فالتمس منهم المساعدة بكل صنفوها وأشكالها وأنواعها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان, ثم يرضيك به.