رغم الود بيننا... هل صديقي يستغل محبتي له؟

0 490

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أسأل الله أن يجمعنا بكم في جنات النعيم .. اللهم آمين!

لدي مشاكل مع الصداقة، وكانت أسبابها أنني أبدي لهم الخير وأخدمهم بعيوني، إلا أنني أقابل بالنكران، وكانت أيضا من الأسباب عدم التوافق في الهوايات والميول.

تعرفت مؤخرا على شخص يصغرني بخمس سنوات, تعجبت من التطابق الذي لدينا، نفس الهوايات، نفس الرغبات، هذا غير أنه درس في نفس الثانوية التي درست فيها، ودخل نفس الكليه التي دخلت فيها، ويملك سيارة كانت هي سيارة أحلامي.

لديه نفس معاناتي مع الأصدقاء, وصل بنا الحال أن ننطق نفس الجملة في نفس الوقت معا, يدخن نفس نوع الدخان الذي كنت أدخنه سابقا.

أشياء كثيرة متطابقة, هذا الأمر زاد تعلقي به، لدرجة أنني أحسست بأنه يستغلني ماديا؛ حيث أن طلباته كثيرة، وكنت ألبيها له, أصبح الموضوع يزعجني جدا؛ حيث يطلب مني مثلا خمسة ريالات أو عشرة، المبلغ قليل فعلا، لكن بكثرة جدا، وأحيانا يطلب مني مبلغا كبيرا ويقول أعيده لك غدا ولا يعيده، وعندما أسأله عن ذلك يقول لي نسيت!

علاقتنا جد رائعة، لكن موضوع المادة أرهقني؛ حيث أنني أحب أن أخدم أصدقائي، وأكره أن أراهم يحتاجون لشيء، فهل هو فعلا يستغلني أم أنني أصبحت حساسا جدا بسبب علاقاتي من أصدقائي قبله؟

لا أريد أن أخسره, شخص مثله نادر وجوده!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو يامن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.

نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل، نسأل الله أن يديم بينكم علاقة الود، وأن يكون هذا الإخاء وهذا الود وهذه الصداقة في الله ولله وبالله وعلى مراد الله، فإنه لا خير في أخوة ولا صداقة لا تقوم على ثوابت الإيمان وعلى النصح، وعلى التعاون على البر والتقوى، فتنقلب بعد ذلك أي صداقة لا تقوم على الإيمان والتقوى والخير تنقلب إلى عداوة، قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.

فاحرص على أن تجعل صداقتك مع إخوانك في الله تبارك وتعالى ومن أجل مرضاته، وبعد ذلك لا مانع أن ينفع الإنسان إخوانه، فيساعد ضعيفهم، يساعد من يحتاج المساعدة، فما بين الأصدقاء أكبر من الدرهم والدينار، مع ضرورة أن تكون المشاعر متبادلة، فإما أن يكون هذا الصديق محتاجا فعلا فعليه أن يكون شاكرا ذاكرا بالخير لمن يتفضل عليه أو يكون هذا الصديق بحاجة إلى الدرهم والدينار فعند ذلك ينبغي أن يؤدي الشكر ويجتهد في شكر أصدقائه، أو يكون غنيا فعليه أن يرد الأموال التي أخذها، ويشكر الذين ساعدوه، ويقوم بواجبه تجاههم، لأن الصداقة لا تقوم إلا بهذه الطريقة.

فلست أدري صاحبك هذا من أي النوعين، هل هو بحاجة عندما يسأل الدرهم والدينار والريالات والمبالغ قلت أو كثرت أم ليس بحاجة؟ ثم هذه المبالغ التي يأخذها منك هل يستخدمها في الطاعة أم الأمر كما ذكرت من أنه يستخدمها في شرب الدخان أو نحو ذلك من المخالفات؟

إذا كان هذا يحدث فعلا فينبغي أن تكون له ناصحا، تنصح له وتنصح لنفسك، لأن هذه أمور لا ترضي الله تبارك وتعالى، لأننا نريد أن نؤكد مرة ثانية وثالثة أن الصداقة الناجحة تقوم على النصح في الله تبارك وتعالى، هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتعاون على البر والتقوى.

إذا كانت هذه الأسس موجودة فهذه هي الصداقة الناجحة التي نريدها، وإذا لم تكن موجودة فعليك أن تقف وقفة مراجعة ومحاسبة مع أصدقائك، من أجل أن تذكرهم بهذه المبادئ، تذكرهم بهذه المعاني، وعليك عندما تساعد إخوانك أن تفعل الذي في طاقتك، والذي في وسعك، وبالمقدار المقبول والمعقول، ولا تبالي بعد ذلك إذا لامك لائم طالما أديت ما تستطيع وطالما قمت بواجبك، والمعروف أن النفع بين الأصدقاء ينبغي أن يكون متبادلا، وينبغي أن يسعى كل إنسان لمساعدة إخوانه المحتاجين من زملائه وأصدقائه، أما أن تكون الصداقة من طرف واحد فالأمر يحتاج إلى وقفة، إلا إذا كانوا محتاجين وكنت أنت الغني الوحيد الذي يستطيع أن يقدم لهم المساعدات.

على كل حال إذا قصر الناس في فعل الخير فلا تترك أنت عمل الخير، ولكن ينبغي أن يكون كل ذلك بمقدار، فإن الاعتدال مطلوب في كل شيء، والاتزان مطلوب في كل شيء، والإنسان ينبغي أن ينفق الدراهم ويمسك البقية لأنه سيحتاج إليها، كما سيحتاج إليها الإخوان، أما أن يبذل الإنسان أمواله هكذا بلا مقابل ودون أن يرى نتيجة قد تستخدم في مخالفات أو في أمور لا ترضي رب الأرض والسموات فهذا لا نؤيدك عليه، وليس من مصلحتك ولا من مصلحة الذين تعطيهم من الأصدقاء، لأنك إذا أعطيتهم بهذه الطريقة واستخدموا هذه الأموال في غير ما طائل أو في غير طاعة لله تبارك وتعالى فإنك تأثم ويأثمون لأنك عاونتهم بهذا المال على المعصية لله تبارك وتعالى.

فإذن ينبغي أن تدرك أن علينا ألا نسرف في أموالنا، ولا نجاة إلا لمن أخذ المال من حله ووضع المال في محله، فلا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، من ضمنها: (وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه) فعليك إذن أن تؤسس لعلاقات مع الأصدقاء تقوم على ثوابت هذا الدين، تقوم على هذه المعاني الكبيرة الجميلة التي أشرنا إليها، واعلم أن أخاك من نصحك في دينك وبصرك بعيوبك وهداك إلى رشدك، وعدوك عدوك من غرك ومناك.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يديم بينكما مشاعر الود فيما يرضي الله تبارك وتعالى، ونذكرك بأن وجود الإنسان في جماعة له ثمن، فلابد أن يجد في الناس أصناف وأشكال، فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس، يختلفون في صفاتهم، يختلفون في طباعهم، والنجاح للواحد منا هو أن يجيد التعامل مع الجميع، فيداري هذا، ويعامل هذا بالحسنى، ويتماشى مع هذا، ويجتهد في نصح هذا، من أجل أن يعيش مع الناس، وبغير هذه الطريقة لا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الحياة، والإنسان مدني بطبعه، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط ولا يصبر على الأذى.

نسأل الله أن يديم بينكم مشاعر الود والمعاني الجميلة، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر ترحيبنا بك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات