السؤال
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أعاني من مشكلة مع عائلتي وبالذات مع أختي الكبرى، فأنا أصغر أخوتي ودائما أتلقى منهم أقوال وأفعال تحبطني باستمرار، فوالدي يفضلون أختي الكبرى علي، لأنها التحقت بجامعة الطب، ودائما يقولون أنها أفضل مني في كل شيء في الدراسة والشخصية وغير ذلك، مع أني والحمد لله دائما أكون من الأوائل ونسبتي تكون عالية، ولكن للأسف لا أجدهم يهتمون لذلك، ولأن أختي الكبرى ليست في نفس البلد وتعيش مع أخي الأكبر في بلد آخر فدائما هم على تواصل معها عبر الإنترنت أو الهاتف، وفي كل مرة يتصلون بها يطيلون الحديث معها بالساعات ويشعرون معها بالأنس، وأنا أبقى وحيدة لا أجد من أكلمه، وكلما أحاول التحدث معهم لا أستطيع التفاهم معهم وغالبا ينقلب الموضوع إلى توبيخ.
حاولت أن أخبر أختي عن مشكلتي، ولكن دائما ما تقارن نفسها بي وعلى أنها أفضل مني وتقول لي: أن لديها أصدقاء كثيرين، وأنا ليس لدي، وأنها تدرس أفضل مني، وأنها لديها مواهب، وهذا يسبب لي إحباطا شديدا، ويجعلني أنغلق على نفسي وعندما أحاول تحسين نفسي وتطوير ذاتي أجد مثل هذا الكلام في طريقي وتضعف شخصيتي ولا أعرف ما الذي غيرني إلى الأسوأ ولكني أريد أن أتغير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ fatema حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات، وأن يجعلك من الرائدات، وأن يفتح عليك فتوح العارفين، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد في رسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن بعض الأسر تقع في بعض الأخطاء التربوية القاتلة، وذلك عندما تركز اهتمامها كله على أحد أفراد الأسرة، خاصة إذا كان لديه بعض التميز سواء أكان ذلك من حيث الجمال أو المظهر أو من حيث المستوى العلمي أو الدراسي. هذا الخطأ هو نفسه الذي وقع فيه أسرتك عندما ركزوا على أختك الكبرى أنها ستدرس في كلية الطب ودائما يقولون بأنها أفضل منك في كل شيء في الدراسة والشخصية وغير ذلك.
وهذا الكلام حقيقة وإن كان موجودا إلا أن تكراره خطأ، بل ومن الأخطاء القاتلة التي يقع فيها بعض الآباء والأمهات، لأنهم بذلك لا ينتبهون أنهم يدمرون شخصيات أخرى قد تكون أفضل من تلك الشخصية التي يثنون عليها، وقد يصاب بالإحباط كما شعرت أنت الآن.
ولكن أقول لك - ابنتي الكريمة فاطمة – هل النار يطفئ النار؟ قطعا ستقولين لا، ولذلك أقول لك: لابد أن نتعامل مع مثل هذه التحديات بما يناسبها، والذي يناسبها إنما هو:
أولا: أنت ما زلت صغيرة وأمامك فرصة للتميز أكثر من أختك - بإذن الله تعالى-.
ثانيا: أنت من الأوائل كما ذكرت وأنك كنت أفضل منها في الدراسة، وهذه فرصة ينبغي أن نركز عليها الآن، فإنك عندك عوامل إيجابية رائعة تستطيعين توظيفها لتحسين موقفك في الأسرة، فهذه الأسرة تعاني من قلة خبرة في الجانب التربوي، وقد يكون من الصعب فعلا أن نغيرها، لأنك مهما حاولت أن تتكلمي معهم حول هذه المسائل قد ينظرون إليك بالاستخفاف، وقد يتهمونك بأنك تحسدين على أختك، أو تعتدين عليها، ولا تحبين لها الخير، إلى غير ذلك من الأمور، رغم أنك كلمت أختك وحاولت التفاهم معها، ولكن - كما ذكرت - أسرتك تقلب الموضوع إلى توبيخ بالنسبة لك، وحاولت مع أختك، وأخبرتها عن مشكلتك، ولكنها دائما تقارن نفسها على أنها أفضل منك، إلى غير ذلك من الأمور المحطمة أيضا.
فأنا أقول: دعينا الآن من تصرفات الوالدين، ودعينا من تصرفات الأخت، وركزي على المهارات الرائعة التي عندك، فأنت - كما ذكرت – تقولين بأنك كنت من الأوائل، وأنك شخصية – بفضل الله تعالى – قوية، وأنك تستطيعين أن تحققي في مجال الدراسة ما لا تحققه أختك.
فأنا أتمنى بارك الله فيك أن تركزي على هذا التميز العلمي، وأن تحاولي استعادة شخصيتك سيرتها الأولى التي كنت تتميزين فيها بالمستوى الدراسي المتقدم، ركزي كل هدفك على أن تتميزي في الدراسة حتى تستطيعين أن تعيدي موازين الأسرة إلى ما ينبغي أن تكون عليه.
فيما يتعلق بالعلاقات والصدقات: أنت ما زلت صغيرة، وعما قريب عندما تكبرين وتدخلين المرحلة الثانوية -وبإذن الله تعالى- تنتقلين إلى الجامعة ستجدين العشرات بل والمئات من الفتيات يتسابقن على إقامة علاقات معك، لأن الناس جميعا – يا بنيتي فاطمة – يحبون التميز، التميز دائما له نوع من الجاذبية، فأنت عندما تكونين مثلا الأولى على صفك الدراسي – أو تكوني من أوائل الطالبات في المدرسة التي أنت فيها – قطعا هذا سوف يجذب إليك كل الناس، المعلمات والإداريات والإدارة وأيضا الطالبات زميلاتك، وجاراتك، وأقاربك، سوف تشعرين أن الكل يحتفي بك احتفاء عظيما.
فركزي بارك الله فيك على هذا الجانب، وأعتقد أن هذا في يدك، وأنك تستطيعين أن تصنعي من نفسك شيئا عظيما جدا عندما تركزين وتدخلي في هذا التحدي، لتحاولي أن تثبتي لوالدتك ووالدك ولأختك أيضا أنك لست ضعيفة، وأنك قوية، وأن تصرفاتهم كانت غير موفقة، لأنه كان الأولى بهم ألا يفرقوا بينك وبين أختك، وكان الأولى بهم أن يعلموا أن هذا الذكاء من الله تعالى، وأن هذا التميز من الله، وأنه لا دخل لك ولا لأختك ولا لأبيك ولا لأمك فيه، ولكنهم ركزوا عليه على أنه مكسب من مكاسب أختك، ونسوا أن هذا منحة من الله تعالى وأن الله قادر على أن يغير هذه المنحة والنعمة.
فأنا أتمنى بارك الله فيك – يا بنيتي – التركيز على الدراسة والاجتهاد بكل ما أوتيت من قوة أن تكوني متميزة وأن تكوني الأولى، حتى تشعري والديك بخطأ موقفهما، وأن تصرفاتهما لم يكن كما ينبغي.
الأمر الثاني: حسني علاقتك مع الله تعالى، لأنه لن يفتح عليك أحد سوى الله، ولن يوفقك أبدا إلا الله، فركزي أيضا على علاقتك مع الله تعالى بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار ما بعد الصلاة، واجعلي لك وردا من القرآن يوميا، كل يوم ولو صفحة واحدة من القرآن الكريم، أنا واثق من أن نفسيتك سوف تتحسن جدا إلى حد بعيد، المحافظة على الصلاة وأذكار الصباح والمساء سوف تجعلك قوية وشجاعة وجريئة، والدعاء إلى الله تعالى أن يفتح الله عليك، وأن يوفقك، وأن يشرح صدر والديك للحق، وأن يبصرهما بما ينبغي أن يكون.
كل هذه عوامل أتمنى أن تركزي عليها، وأنا أبشرك بأنك سيكون لك مستقبلا مشرقا ليس لأنك مجرد طالبة طب وإنما قد تكوني أساتذة كبيرة ينشر الله تبارك وتعالى علمك بين الناس رفعا لراية الإسلام.
هذا وبالله التوفيق.