السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي أني لم أحب شيئا يوما ما .. حتى وظيفتي لا أحبها؛ لأنها جامدة، مهمتي تقتصر على إدخال البيانات فقط والتعامل مع الأوراق .. عندي قدرة كبيرة على العطاء، أود أن أنفس عن ما بداخلي بأشياء أحبها، ولكن لم أجد، وضعت أهدافا لمستقبلي وجربت أشياء كثيرة: رسم، كتابة، تصوير، أتركها ولم أكملها؛ لأني أمل منها بسرعة، لم أتمم عمل في يوم من الأيام.
أكره ضياع وقتي، قرأت مع أني لا أحب القراءة، قرأت الكثير لعلي أجد شيئا أميل له، وجربت اختبارات الشخصية، دائما إجاباتي تكون متعددة يصعب علي تحديد ما أحبه .. أشعر بتوهان في العالم الذي أعيشه، لا شيء يحتويني أو أني لم أجد نفسي في شيء.
أمل من الأشياء ولكني متيقنة لو أني أحب شيئا سأبدع فيه، ولكني لا أحب شيء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سامية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يمن عليك بمشروع كبير يحتويك، وتحبينه، وتبدعين فيه، خاصة إذا كان في خدمة دينك.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإن الذي تعانين منه ليست مشكلة خاصة، وإنما مشكلة كم كبير من الرجال والنساء، خاصة غير المرتبطين، إذ أن الارتباط بالحياة الزوجية غالبا ما يوفر نوعا من اللذة والمتعة، فالإنسان يشعر أنه مطالب بإسعاد الآخرين والوقوف معهم وتقديم الخدمات لهم ومراعاة مشاعرهم، ويشعر بالتزام شرعي وأدبي تجاه الطرف الآخر،
فالزوجة تشعر بالتزام شرعي تجاه زوجها، وتستمتع برؤيته سعيدا وناجحا ونظيفا ورائعا ومتميزا، كذلك الزوج أيضا يشعر بنوع من المتعة عندما يحمل أغراضه بنفسه، أو عندما يشتري أغراض بيته ويتوجه بها إلى بيته، وعندما يخرج مع امرأته أو يجلس معها وهي تقدم له الطعام، إلى غير ذلك أيضا من المهام التي تتناسب مع إمكانات الرجل وظروفه.
هذا يوفر نوعا من الحياة السعيدة، أما عدم الارتباط يؤدي كما ذكرت نوع من الفراغ، أحيانا قد يكون فراغا قاتلا، خاصة إذا كان الإنسان بطبيعته ليس لديه هدفا كبيرا يسعى لتحقيقه، فعدم وجود الأهداف يؤدي إلى التيه في هذه الحياة – كما ذكرت أنت – فلا يوجد هدف محدد وضعته نصب عينيك وتمنيت أن تصلي إليه، وإنما كلها أهداف بسيطة، ولذلك تشعرين بعدم الرغبة في إكمالها لعدم قناعتك الكافية بأنها قادرة على حل مشكلتك أو توفير الجو النفسي السعيد بالنسبة لك.
هذه الأمور أعتقد أن سببها كما ذكرت إنما هو عدم وجود هدف استراتيجي كبير تسعين لتحقيقه، ولذلك كم أتمنى فعلا أن تفكري - أختي الكريمة الفاضلة سامية – أن تضعي لنفسك هدفا كبيرا، وأن تشحني كل طاقاتك لتنفيذ هذا الهدف وتحقيقه، حاولي، وحاولي، وستجدين يقينا أن هناك أهدافا كثيرة من الممكن أن تغير حياتك بنسبة عالية جدا إن لم تكن نسبة مائة بالمائة فلا أقل أن تكون بنسبة معقولة أو مقبولة.
الأهداف كثيرة، ولذلك سأعرض عليك هدفا كقراءة حفظ القرآن الكريم، هذا في حد ذاته عندما تشعرين بأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وتشعرين بأن النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (صاحب القرآن يشفع في عشرة من أهل بيته) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تبين لك فضل صاحب القرآن، فتستطيعين حفظ القرآن مثلا في عام، وهذا يؤدي إلى أن توظفي كل وقتك لتحقيق هذا الهدف وتلك الغاية النبيلة.
أيضا من الممكن أن تركزي على هدف قراءة التاريخ الإسلامي من أوله إلى آخره، أو قراءة تاريخ الإنسانية كلها من أولها إلى عهد قريب، ككتاب مثلا (البداية والنهاية) لابن كثير، أو كتاب (الكامل في التاريخ) لابن الأثير أو غيره ممن كتبوا في تاريخ الإنسانية أيضا.
كذلك من الممكن أيضا أن تفكري مثلا في وضع هدف قراءة كل ما يتعلق بالأسرة المسلمة، من الألف إلى الياء، حتى تكوني على فكرة وعلى بينة.
ما المانع أن تفكري مثلا في تعلم بعض المهارات الجديدة غير مهارة الحاسوب التي لديك، تعلم لغة من اللغات، وتوظيف هذه اللغة مثلا في خدمة الإسلام، وإنشاء موقع عبر الإنترنت للدعوة لغير المسلمين إلى الإسلام، أو الدعوة بين المسلمات، هذه أعتقد أنها أشياء رائعة جدا ستضفي عليك نوعا من البهجة والسعادة، خاصة عندما يمن الله عليك بأن يجعلك سببا في دخول إنسان في الإسلام.
كذلك أيضا كم أتمنى أن تفكري في هدف آخر مثلا وهو إقامة مشروع ولو مصغر مثلا بمساهمة قدر من المال في بعض المشاريع التي تتناسب مع دخلك، وتشعري من خلاله أنك قد حققت شيئا عندما يأتي نهاية العام وتجدين نفسك أنك أصبحت من أهل الزكاة الواجب عليهم خروجها، إلى غير ذلك من الأمور الرائعة.
كذلك أيضا من الممكن أن تضعي لك هدفا كدراسة كتب السنة مثلا، قراءة كتب السنة الواردة على النبي - صلى الله عليه وسلم – وحفظ بعض الأحاديث المتعلقة بذلك.
كذلك من الممكن أيضا أن تضعي لك هدفا كقراءة مثلا ما يتعلق الجانب الاجتماعي في الإسلام بدء من العلاقة مع الوالدين، ومرورا بالعلاقة مع الزوج، وكيفية إسعاده، فإذا قدر الله لك ومن عليك بزوج صالح – وأسأل الله أن يكون عاجلا غير آجل – تكونين مدرسة بمعنى الكلمة، قادرة على إسعاد زوجك وعلى توفير جو رائع في داخل مملكة الأسرة، كذلك أيضا توفير محضن آمن لأبناء المستقبل الذين قد يجعل الله على أيديهم خيرا كثيرا لأمة الإسلام والمسلمين.
فالأهداف كثيرة، ولكن حتى تعانين على ذلك أتمنى أن تقرئي كتاب يباع في مكتبة جرير بعنوان (اعتني بحياتك) وهو كتاب مترجم ولكنه رائع، كذلك أيضا كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) هذا كتاب رائع أيضا، الشيخ محمد العريفي مؤخرا أصدر بعض الكتب الجيدة المفيدة في الجانب النفسي، كذلك أيضا الشيخ عائض القرني أيضا له كتابات منها (لا تحزن)، أتمنى أن تقومي بزيارة مكتبة جرير ستجدين لديهم حقيقة كم طيب لا بأس به من الكتب النفسية والكتب التحفيزية التي تعينك على تكوين مشروع لهدف ناجح رائع، ووضع الخطوات اللازمة أيضا لتحقيقه.
أنت تقولين قرأت كثيرا وقلت لعلك تجدين شيئا تميلين إليه؟ أنا أريدك أن تركزي على كل ما يتعلق بتطوير الذات وتحسين أدائها، لأننا في حاجة إلى ذلك، أنت بحاجة إلى جرعة قوية في التنمية البشرية النفسية، وأبشري بفرج من الله قريب، هذا وبالله التوفيق.