السؤال
السلام عليكم.
الرجاء القراءة حتى النهاية.
إذا طلب مني قريبي أن أوصله إلى عرس، وكل الأعراس في بلادنا فيها اختلاط, وعري, ورقص, وموسيقا, ومصافحة, وهنالك من أفتى بجواز الذهاب إلى العرس, للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إذا يمكنني أن أوصل هذا الشخص مع إخباره بكل ما يلي:
غض بصرك, لا تصافح غير محارمك، وهو ما لن يحصل في أغلب الوقت, لا تجلس في قاعة الحفل وقت الرقص, غادر وقت الأغاني المحتوية على كلام فاسد, وعد وقت الأغاني ذات الكلام الطيب -آخذ برأي من أباحوا الموسيقا مع غناء طيب-
يجب عليك أنت أيضا أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, لا تجلس مع من يرتكب معصية، أنت لن تجلس بجانبهم إلا لتنهاهم عن المنكر.
وبالتالي فأي واحد سيطلب مني أن أوصله سأفتح له محاضرة أكرهه بها في نفسي, أو أنفره منها من الإسلام, أو أن أرفض مطلقا, وسيكرهني بسبب ذلك أيضا, فليس لي إلا خياران: إما أن يكرهني, وإما أن يكرهني, وهذا سيجعلني غير اجتماعي, وحتى لو احتجت لقضية مستقبلا لن يرضى أحد إعانتي؛ لأني رفضت إعانته.
هل هذا حقا ما جاء به الإسلام ليوحد بين الناس؟ بالله لو كنت على مستوى العلاقة مع الناس فاشلا فكيف ستنجح في التعلم والإبداع ووو؟ ثم إن الناس يبقون سنة كاملة لا يرون بعضهم إلا في الأعراس، فعدم الذهاب سيقطع العائلة, وبما أن هذه هي الطريقة المعمول بها في كل الأعراس في بلدي, فإن لم تذهب لأي فرح للناس لن يأتوك لفرحك، أو سيأتونك وفي قلبهم فضاضة من تصرفاتك في عرسهم, وعدم وقوفك معهم.
هناك الكثير من هذه المواقف المتشعبة التي ستجعل الناس تكرهني, وفي الأخير رفضت أن أوصله, وأوصله أبي المريض.
هذا سيدفعني للتفكير في ترك هذا الدين؛ لأنه أصبح يعقد الحياة, وهو بعيد عن الذكاء, ولأن دين الحق من المفروض أن يكون أسهل, وأرقى, ويساعد على التواصل, والمشاعر النبيلة بين الناس كالحب, لكن منذ أن قرأت فتاويكم أصبحت أجانب المشاعر مثل ما حدث في العرس، كشعور الحنية على أبي المريض حتى أنجو، وكأني لست موجودا في العالم.
حتى أبي سيتهمني ببرود مشاعري, وعدم وجودها, رغم أنها موجودة, وهذا ما يزيدني قهرا على قهر, ولعل علاقتنا تتوتر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب.
مما لا شك فيه –أيها الأخ الكريم– أن شريعة الله سبحانه وتعالى جاءت لتحقيق مصالح العباد على أتم الوجوه وأكملها، فهي شريعة الرب الرحيم جل شأنه, العالم بمصالح خلقه، وهذه الشريعة جاءت لإصلاح الدنيا والدين, وتعمير الدنيا وإصلاح الآخرة، ومن هذه الشريعة مبدؤها العظيم بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر، وذلك حتى تسلم الدنيا من الفساد, وتصلح الآخرة بإقامة الدين في الدنيا.
ومن النهي عن المنكر هجره إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يغيره، ولذلك جاءت الشريعة في منع حضور مجالس المنكرات لمن لا يقدر على تغيرها، فقد قال سبحانه وتعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} وقال سبحانه: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزئ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره} وقال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار فيها الخمر).
فهذه النصوص كلها تدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يحضر مكان المعصية إلا إذا كان حضوره بقصد النهي عنها، وقد وصف الله عز وجل في كتابه الكريم عباده المحبوبون عنده بأنهم لا يشهدون مواطن المعصية، فقال سبحانه وفي سورة الفرقان في وصف عباد الرحمن: {والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما}.
فالمصلحة كل المصلحة –أيها الحبيب– في النهي عن المنكر، ومن ثم فإذا كان الإنسان سيحضر موطن المعصية, ولا يستطيع أن يأمر فيها بمعروف وينهى عن هذا المنكر فمن الواجب عليه أن يجتنب هذا الموطن، إلا إذا كان اجتنابه سيترتب عليه مفسدة أعظم من مفسدة الاجتناب، فإنه في هذه الحالة يدفع المفسدة الكبرى بارتكاب المفسدة الصغرى، أما إذا كانت المفسدة منتفية بهذا الاجتناب فإنه هو المتعين عليه.
وكن على ثقة –أيها الحبيب– بأن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، وأن من أرضى الله تعالى بسخط الناس رضي الله تعالى عنه وأرضى عنه الناس، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فلا تلتفت إذن لما يحاول الشيطان أن يلقيه في قلبك من أن الناس سيبغضونك ويكرهونك، فإنه إذا أبغضك بعض الناس بسبب اجتنابك للمنكرات فإنك ستجد من الأخيار والصالحين من عباد الله من يحبك غاية الحب، والناس لا يزال فيهم الخير، ولا يزال فيهم من يحب أهل المعروف والصلاح.
وما ذكرته من أنك لا تريد أن تعين أحدا على حضور هذه الأعراس فإن كان الحاضر لهذه الأعراس سيحضر موطن فيه معصية لا ليغيره فإنه لا يجوز لك أن تعينه على ذلك، فإن الله تعالى قد قال في كتابه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
فلا يحاول الشيطان أن يخوفك من نتائج ذلك ومغبته، فإنه لن يكون إلا ما قدره الله سبحانه وتعالى لك.
وأما الوالد فإن الواجب عليك أن تبره وتحسن إليه بما تقدر عليه من أنواع الإحسان، ولا يجوز لك مع ذلك أن تطيعه في معصية الله تعالى، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم– يقول: (إنما الطاعة في المعروف). ونحن على ثقة بأن الوالد سيرضى منك بما يجده من البر, والمعروف, والإحسان إليه, والاجتهاد في ذلك، وسيعذرك إذا رفضت أمرا فيه معصية لله تعالى.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يتولى توفيقك لكل خير، وأن يأخذ بيدك إليه.