السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشعر بالخجل أحيانا لانتمائي للعالم العربي، لا أعلم لماذا، لكنني أشعر بأنا مجرد ثفل على العالم أجمع لماذا؟
لن أقدم تفاصيل سوى معادلة بسيطة: (حمل + لا إنتاجية + غباء + بلاهة = العالم العربي).
لنترك هذه المقدمة فقد لا تعجب البعض، بل أعتقد الكل، ونطرح سؤالا: أين ذهب المسلمون أولا قبل العرب؟ أين الإبداع الهندسي (الأندلس –إسبانيا-)، وما زال أثرهم خير شاهد.
الطب _ العلوم الفلكية _ الفن بجميع أنواعه.
من النهاية أريد شيئا يقوي اتصالي بالعالم العربي، وانتمائي لهم أيضا، ولم أكتب تلك الكلمات إلا بعد أن قتلتني الأفكار بداخلي وارتحت الآن، ولن أكون أكثر راحة إلا بعد الإجابة.
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك -ابننا الكريم- في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونتمنى أن يكون فيك وفي أمثالك من الشباب ما يعيد لهذه الأمة أمجادها، وهذه هي الطريقة التي بها نفكر، فإننا ينبغي أن ندرك أن هذا المجد، وأن هذا التطور الذي وصلت إليه الدنيا إنما هو يتكئ على ثقافتنا، ويتكئ على حضارتنا، بل يتكئ على علوم كنا لها مبتكرين، والعلوم التي تتكئ عليها حضارة اليوم عند الغرب تكاد تكون ابتكارات إسلامية خالصة.
ومثل هذه النظرة السالبة لا تفيد, ولا تقدم بل تؤخر، فإننا بحاجة إلى أن نبدأ بأنفسنا، وأنت -يا ابني- كالمصباح، والمصباح لا يقول: (ما بال الدنيا مظلمة)، لكن حسب المصباح أن يقول: (ها أنا مضيء)، وأرجو أن تدرك وأن تعلم أن الحضارة الغربية اليوم تعتمد وتتكئ على المهاجرين من بلاد العرب والمسلمين -هذه العقول اليقظة التي تبتعد عن الخمور، وتبتعد عن المفترات والمسكرات- فهي وحدها المؤتمنة على الحضارة، وهي وحدها القادرة على التقدم.
ولذا يخطئ من يظن أن الإنسان لا يتقدم إلا إذا أصبح مثل الغرب، إلا إذا تفسخ من أخلاقه، وهؤلاء الناس -الغرب- لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون معرضون، فهم نجحوا في الدنيا لكنهم فشلوا في الآخرة، وحتى الدنيا ما نالوا منها إلا ما ظهر منها, ولكن عندهم من العاهات النفسية والعلل والأمراض ما لا يعلمه إلا الله -تبارك وتعالى- والإنسان ما ينبغي أن يغتر بمجرد المظهر؛ لأن الإنسان لا يحكم عليه بمظهره فقط، وإنما يحكم عليه بأخلاقه وبدينه، وبمخبره وبصفاء نفسه.
وإذا كنت تظن أن الغرب سعداء، فلماذا الانتحار عندهم؟ ولماذا تلك الصور البائسة للحياة التي ربما يكون هناك انتحار جماعي، ووقوع في الفواحش؛ إذ هم على الدنيا كالبهائم، فإن العرب إذا عادوا إلى هذا الدين سيعودون إلى المجد، وهم بهذا الدين ارتفعوا وعزوا، فإن الله قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}، ليس لسواد في أعيننا، وليس لما نملك من بترول، ولا لما نملك من أموال، ولكن: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.
وأرجو أن تعلم أن هذه العلوم لا ترتبط بدين معين, ولا بأمم معينة، ولكنها اجتهاد بشري وكسب بشري، يعطيه الله لمن يجتهد، فإن لكل مجتهد نصيب ( 1+ 1 = 2) في اليابان وفي أمريكا وفي العالم العربي، لا فرق بين هذه الدول في هذه الأشياء، لكن الفرق أن هناك إنسانا مجتهدا وإنسانا نائما غافلا لاه.
فنحن نتمنى أن نعود فعلا لقيادة حضارة الدنيا؛ لأن الدنيا في ظلام وضلال حتى نتولى نحن قيادتها فنقودها إلى الخير، فهؤلاء الذين يقودون الدنيا الآن لم يجلبوا للدنيا إلا الموت والدمار، والأسلحة الفاتكة، والأشياء المدمرة للإنسان.
هذا الكلام الذي قلته ينبغي أن تحوله إلى عمل، فأنت جزء من هذه الأمة، ومن مثلك ومن أمثالك ننتظر الخير الكثير، فكن إيجابيا، وابدأ بالحرص والنجاح في نفسك، وقدم للأمة نموذجا رفيعا في النجاح: في المواد الأكاديمية، والمواد العلمية؛ لأن الأمم تتقدم بعقول وأيدي شبابها بعد توفيق الله -تبارك وتعالى-.
ما ينبغي أن يقول الإنسان: (أنا أكره العرب)، والعرب إن كان عندهم قلة في التطور من مظاهر الحياة، فإن الله وهبهم أموالا، والله أعطاهم دينا، وأعطاهم هذه السعادة والطمأنينة التي نعيشها في غالب أحوالنا، ولا يحرم من السعادة والطمأنينة إلا من ضعف عنده الإيمان وعصى الله -تبارك وتعالى-.
إذا أردنا معالم الحل فإننا نقول: الحل يبدأ بالعودة إلى الإيمان، ثم بالتسلح بسلاح العلم، والإسلام يدعو إلى العلم والإيمان، وأول ما نزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان فيه دعوة للقراءة والكتابة.
فإذن الإنسان لا يحكم بهذا العموم، ونحن نتمنى لأمتنا أن تنهض؛ لأننا نقع في جريمة في حق أنفسنا وفي حق البشرية عندما نتأخر؛ لأننا عندما نتأخر يتولى قيادة الدنيا من لا خلاق لهم، وهذا الذي يحدث الآن، حتى أصبحت دماء المسلمين أرخص دماء، ودماء العرب أرخص دماء؛ لأن هؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وعندما سدنا وقدنا كنا أرحم أمة بالأمم، كنا أرحم بالناس من أنفسهم -نسأل الله أن يعيد أمجاد هذه الأمة- وننتظر منكم معشر الشباب الخير الكثير، ونتمنى أن تكون إيجابيا، وأن يكون الشباب إيجابيين -كما قلنا (لئن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام)- ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونحن سعداء باستشارتك، وسعداء لأنك أخرجت وعبرت عما في نفسك، وهذا نوع من الشجاعة، بل نعتقد أنها بداية السير في الطريق الصحيح، ولكن دون أن تكون هناك مشاعر كراهية، فالإنسان يحب أهله, ولا يكره فيهم إلا عصيانهم لله -تبارك وتعالى-، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يجعلك سببا لنهضة هذه الأمة، هو ولي ذلك والقادر عليه.