السؤال
السلام عليكم
ما السبيل لأن أصير إذا ما ذكرت الجنة والنار أمامي، أطير شوقا للأولى، وأخاف من الثانية؟
السلام عليكم
ما السبيل لأن أصير إذا ما ذكرت الجنة والنار أمامي، أطير شوقا للأولى، وأخاف من الثانية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الذي يدل على خير كثير، وبمجرد هذا السؤال يعني أنك وضعت رجلك على البداية الصحيحة، ومشيت بالخطوات الصحيحة في الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان ينبغي أن يشتاق إلى الجنة، ويطير إليها شوقا، ويفر من النار، ويبالغ في الفرار منها، وهذا هو الذي نرجوه، وهذا هو الذي نريده لأنفسنا، ولن يحدث ذلك إلا إذا أصلحنا هذه القلوب، وعرفنا الله حق معرفته، وقدرناه حق قدره سبحانه وتعالى، وعرفنا أنه العظيم المنتقم، وأنه الغفور الرحيم التواب.
المؤمن ينبغي أن يعمر قلبه ونفسه بعظمة الله تبارك وتعالى وبالإيمان به، وأن يهتم بنظافة هذا القلب، وعلاجه، وهذا الذي عندنا يجعلنا لا نسارع إلى الجنة ولا نهرب من النار سببه الأساس هو قسوة هذا القلب، فهذا المرض الذي نسينا التداوي منه، هو المرض الذي كان السلف يهتمون به غاية الاهتمام، أما نحن فأصبحنا نهتم بأمراض البدن، ونغفل هذا المرض الذي يفقد الإنسان دنياه وآخرته، فإن القلب الفاسد يجلب الشقاء في الدنيا، ويجلب الوبال في الآخرة – عياذا بالله تبارك وتعالى – فهذا مرض موجود، ولكن من الذي يشعر به؟!
إن المرض مصيبة، ولكن المصيبة الكبرى ألا يشعر المريض بأنه مريض، وأنت ولله الحمد بدأت هذا الشعور، وإليك هذه القصة لميمون بن مهران الذي كان قاض القضاة، وكان راعيا، مؤدبا لأولاد الخليفة عمر بن عبد العزيز، وكان وزيرا لعمر بن عبد العزيز، ومناصرا له، وهو ممن آتاه الله فضلا وعلما رضي الله عنه وأرضاه.
في آخر عمره فقد البصر، ثم بعد ذلك قال لولده عمرو بن ميمون: أجد قسوة في قلبي، فخذني إلى الحسن البصري، فلعلي أجد الدواء لهذا. فأخذه الابن، وهو من الفضلاء أيضا، ولكن هذا من برهم لآبائهم، أنه ما قال أنا أعلمك، أو أنت عالم، أو أنت شيخ، فذهب به إلى الإمام الحسن البصري - رحمة الله تعالى على الجميع –، فلما وصل وطرق الباب، قالت الجارية من؟ قال: ميمون بن ظهران، قالت: صاحب عمر بن عبد العزيز؟ قال: نعم. قالت: يا شيخ السوء ما الذي أبقاك إلى هذا الزمان السوء؟ - هذه عبارة طبعا يقبلها السلف، ونحن بكل أسف لا نقبلها تكبرا وتعاليا، لأنهم كانوا يتهمون أنفسهم بالتقصير، لذلك اجتهدوا في إصلاحها، ونحن نظن أنهم أفضل ممن مشوا على وجه الأرض – لما سمع هذا الكلام ارتفع صوته بالبكاء، فسمع بكاؤه الحسن البصري فخرج وتعانقا طويلا، ثم قال له: ما الذي جاء بك؟ قال: يا أخي أجد قسوة في قلبي فأمرني ماذا أفعل؟ أصلي لها، أتصدق لها، أعتمر لها؟ ماذا أفعل لأعالج هذه القسوة؟
انظري لهذه الأسئلة الجميلة – يا بنتي الفاضلة – فما زاد الحسن البصري على أن قرأ عليه قول الله تبارك وتعالى: {أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} فسقط الشيخ - رحمة الله عليه – فعالجوه، فلما أفاق قال: جزاك الله خيرا.
إذن كان يكفي لعلاج هذه القسوة سماع القرآن، تدبر هذا الكتاب، يكفي لعلاج هذه القسوة زيارة المرضى، يكفي لعلاج هذه القسوة، غسل الجنائز يكفي لعلاج هذه القسوة، الوقوف على أحوال الموتى في المقابر يكفي لعلاج هذه القسوة، أن يمسح الإنسان على رأس اليتيم يكفي في علاج هذه القسوة، أن يصوم الإنسان لله تبارك وتعالى يكفي لعلاج هذه القسوة.
إذن نحن فعلا بحاجة إلى أن نزيل هذه القساوة، لأن جهاز الاستقبال معطل، وإذا كان الإنسان عنده قسوة في قلبه، فإنه لا يستطيع أن يسمع المواعظ، حتى يصبح موعظة بنفسه، وحتى يصبح عظة لغيره، والسعيد من وعظ بغيره.
يا بنتي: نحن في كل يوم نسمع عن الأموات، ونودع الأموات، ونحمل الجنائز، وننسى على من سيكون الدور، وإذا حملت للقبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمول، وإذا تولت أمور قوم ليلة فاعلم أنك بعدها محمول.
أوصيك بتقوى الله، بالمراقبة لله، وبالمواظبة على الذكر، وكثرة الاستغفار، وتجديد التوبة، وقراءة القرآن بتدبر، وزيارة المرضى، والوقوف على أحوال الموتى، وزيارة الذين في الإنعاش في المستشفى، وتذكر نعم الله، والشفقة على الضعيف، والمسح على رأس اليتيم...، وهذه الأشياء التي كان يتخذها السلف دواء لقسوة قلوبهم.
نسأل الله أن يزيل هذه القسوة، ونكرر شكرنا بهذا السؤال الذي استفدنا منه، ونسأل الله أن يطهر قلوبنا من الشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق، وأن يردنا إلى دينه وكتابه ردا جميلا، ويسعدنا أن نرحب بك مرات ومرات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلك من العابدات القانتات الصادقات، وأستغفر الله لي ولك.