السؤال
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع، وأسأل الله أن لا يحرمكم الأجر..
أنا فتاة في سن تحت العشرين، وكانت تأتيني وساوس في العقيدة قبل عدة أسابيع، وعقب دخول رمضان ذهبت هذه الوساوس - والحمد لله -، وأنا منذ فترة لا أحب الخروج، والاختلاط بالناس، ليس لحب العزلة، وإنما الخوف من عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكني لم أكن أعتزل الناس كثيرا، ولكن خروجي ليس بالكثير.
منذ فترة طويلة تقارب الستة أشهر أو أكثر, وأنا أحاول الالتزام، وذهبت في الليلتين السابقتين لصلاة التراويح، ولكن يمكن بسبب العزلة الطويلة، وعدم الاختلاط برجال أجانب، عندما أرى رجلا أميل إليه، ليس ميلا حسيا، بل معنويا - إن صحت العبارة -، لا أقصد اختلاط في مكان معين، إنما في الشارع, وعند صلاة التراويح، فبسبب جمال صوت الإمام لم أركز في الصلاة في اليوم الأول، وكان عدم التركيز عال، واليوم الثاني كان متوسطا، والآن أنا أسأل عن اليوم الثالث، هل أترك الصلاة في المسجد، وأصلي في البيت؟ وما حكم هذا؟
أود أيضا وأتمنى أن أبتعد عن كل من أعرفهم من أهل وأصدقاء وأرحام لفترة معينة لا غير، لأصلح من نفسي وحالي، ولأغير من أخلاقي, وسلوكي, وطريقة تعاملي, ولأصبح ناجحة في ديني ودنياي، فأرجو أن تنصحوني، وتجيبوني، وتنبهوني.
وجزاكم الله خيرا.
وأعتذر على الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة الربيع حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إن الوساوس القهرية تأتي في مثل عمرك، فعند سن اليفاعة، فإن نسبة للتغيرات التي تحدث - خاصة للفتاة - من تغيرات نفسية وبيولوجية، قد تأتي وساوس في هذه الفترة، والوساوس دائما ما تحدث في الأمور الحساسة للناس، والعزيزة على أنفسهم، مثل: الدين.
الوساوس لا تقابل من خلال تجنب ما تنهانا عنه الوساوس، لا، إنما الوساوس تواجه من خلال التحقير، وعدم اتباعها، وعدم إخضاعها للمنطق.
أنا لا أحبذ أبدا موضوع العزلة الطويلة التي تحدثت عنه، لا، اختلطي بأهل بيتك، وبذويك، وبصديقاتك، واذهبي، واحضري الدروس الدينية، وغيرها ما دمت منضبطة بالضوابط الشرعية، وفي ذات الوقت اصرفي انتباهك تماما عن الوسواس من خلال المشاركة في أعمال المنزل، وإدارة الوقت بصورة طيبة وحسنة.
حقري أي فكرة ترينها خارجة عن نطاق ما هو مألوف، ولا أستطيع أن أعدد لك الأفكار التي قد تعتري الإنسان، خاصة إذا كانت الأفكار الوسواسية مختلطة بشيء من أحلام اليقظة، ولكن الإنسان الجيد والمستبصر - مثل شخصك الكريم – يستطيع أن يميز ويحقر الفكر الوسواسي، ويقبل بقية الفكر، وينميه من أجل أن يطور مهاراته.
هنالك أيضا أمر مهم جدا، وهو: ممارسة تمارين الاسترخاء، فتمارين الاسترخاء هي مضادة للقلق، والوسواس فيه جانب قلقي كبير جدا، وحين تنخفض درجة القلق يحس الإنسان بالراحة، وتبدأ نار الوساوس في الإخماد وتنتهي - إن شاء الله تعالى - .
استشارات إسلام ويب لديها استشارة تحت رقم 2136015 تتحدث عن المبادئ الرئيسية لكيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، فأرجو الرجوع إليها والالتزام بالتوجيهات الموجودة فيها، فهي - إن شاء الله تعالى – سوف تفيدك كثيرا.
بالنسبة لسؤالك عن حكم الصلاة، والتركيز في صوت إمام المسجد، فسوف يفيدك - إن شاء الله تعالى - في هذا أحد المشايخ، وعموما فلا تنزعجي للأمر، الدنيا طيبة جدا، -وإن شاء الله تعالى- أمامك أوقات جميلة في حياتك، ضعي تصورا لكيفية التميز في الدراسة، والاجتهاد في ذلك، واسعي دائما لبر والديك، والرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة دائما ننصح بها، وهذا كله - إن شاء الله تعالى – سيخرجك من نطاق الوساوس.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
___________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفرجابي.
___________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نرحب بك - ابنتنا الكريمة - في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه. وحقيقة نحن سعداء بهذا السؤال، ويسعدنا ويشرفنا أن نكون في خدمة أبنائنا والفتيات، وشكرا لك على هذا السؤال الذي يدل على وعيك وحرصك على الخير، وأبشري بالخير، فإنما شفاء العي السؤال.
أما بالنسبة عن الوسوسة في العقيدة، فإن هذا يدل على أن فيك خيرا كثيرا - ولله الحمد -، والنبي - عليه الصلاة والسلام – لما اشتكى له الصحابي بأنه تأتيه مثل هذه الوساوس من الشيطان، وقال: ( لزوال السموات والأرض أحب من أن أتكلم به)، قال - صلى الله عليه وسلم -: (أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان)، وقال: (الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، وقال: (إذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله، ثم لينتهي).
نبشرك بأن مثل هذه الوساوس من الشيطان، والشيطان دائما لا يقف إلا في الصراط المستقيم، كما قال تعالى على لسان هذا العدو اللعين: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}، فالشيطان لا يأتي إلا للمتمسكة بدينها، الحريصة على عقيدتها، ولكن لما فشل الشيطان، وأصبح منتهى كيده أن يكون ذلك وسوسة، ولما كنت كارهة لتلك الوسوسة ومتضايقة منها، فإن هذا في حد ذاته انتصار، والنبي - عليه الصلاة والسلام – يعلمنا فيقول: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، ثم يرشدنا فيقول: (إذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله، ثم لينتهي)، فحاولي أن تخرجي عن الموضوع، وحاولي أن تقطعي تلك الخواطر السيئة.
نحن نذكرك بأنه ما ينبغي أن تبتعدي عن الناس كثيرا، فإن المؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على أذاهم خير من التي لا تخالط ولا تصبر، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والشيطان أيضا إذا وجد الإنسان وحيدا، فإنه يجد سبيلا إلى نفسه، لأن الشيطان أقرب من الواحد، وهو من الجماعة ومن الاثنين أبعد.
حاولي دائما أن تحشري نفسك في زمرة الصالحات، وأن تتوجهي إلى رب الأرض والسموات، واشغلي نفسك بذكر الله وتلاوة الآيات، فإن في هذه الوسائل كفيلة لإبعاد هذا العدو عنك (الشيطان)، الذي همه أن يحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئا إلا - بإذن الله تعالى - .
كذلك مسألة ظهورك أمام الرجال، أو سيرك في الطريق، أو اختلاطك بالناس، هذا أيضا يحتاج إلى مصابرة، ولذلك نحن قلنا: ( المؤمنة التي تخالط الناس وتصبر على أذاهم )، خاصة عندما يكون هذا الخروج إلى مواطن الصلاة، ومواطن العبادة، فإن الإنسان بحاجة إلى من يشجعه، فلذلك هذا من أسرار الشريعة، أن التكاليف إذا عمت سهلت، فالله تبارك وتعالى لم يأمرنا بالصلاة وحدنا، وإنما في جماعة، والصيام كذلك مع بعضنا، لأن كل إنسان يتشجع مع الآخرين، وهناك فوائد كثيرة لهذا الحضور للجمع والجماعات، ولمثل هذه المشاهد.
لا مانع طبعا بالنسبة للمرأة من أن تصلي في بيتها، إذا كنت تستطيعين ذلك، وكنت تنشطين وحدك للقيام بالصلاة، فصلاة المرأة في بيتها خير لها مما لا شك فيه، ولكن إذا كان يترتب على هذه الخلوة الوساوس، وانفراد الشيطان بك، وشغلك عن معالي الأمور، فعند ذلك نحن ندعوك إلى أن تجتهدي في أن تصلي مع جماعة المسلمين والمسلمات، وأن تجتهدي في غض بصرك.
من الطبيعي أن يكون للمرأة ميل إلى الرجال، وللرجال ميل إليها، فللرجال خلق النساء، وللنساء خلق الرجال، فهذا أمر طبيعي، وليس أمرا مستهجنا، ولكن الإنسان لا يمضي مع خواطره، ويقطع هذا التواتر، وتجتهد في أن تغض بصرها، وكذلك الرجل مأمور بأن يغض بصره.
لذللك على المرأة أن تتفادى مواطن الرجال، ومواطن الزحام، وأن تحشر نفسها وسط مجموعة النساء، وأن تجعل صفها أبعد الصفوف عن الرجال، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (خير صفوف الرجال أولها) لبعده عن النساء، (وخير صفوف النساء آخرها).
إذن الجميع مطالب بأن يجتهد، وفي أن يتق الله تبارك وتعالى، وأن يبتعد عن مواطن الفتن، وأن يبتعد عن المواطن التي تقربه من الجنس الآخر، وأن يتق الله تبارك وتعالى في ذلك، فأنت عليك إذا حضرت معهم أن تجتهدي في الابتعاد عن مواطن الرجال، ثم تجتهدي في أن تغضي بصرك، أما مجرد وجود الميل، أو التفكير فهذا أمر طبيعي.
كذلك الحال بالنسبة لقراءة الإمام، فإن العبرة هي الخشوع، وإذا كان مطلوب تحسين صوته في تلاوة كتاب الله تبارك وتعالى، اجتهدي في تأمل الآيات، وليس في جمال الصوت، واعلمي أن الخشوع لا يأتي بسهولة، فالإنسان لابد أن يجتهد من أجل أن يخشع في صلاته، فاجتهدي في أن تستحضري معاني الآيات، وفي أن تتدبري في قراءة الإمام في معاني الكلمات التي يقرأها، والأمر في ذلك واسع.
أما مسألة الصلاة: فتستطيع الفتاة أن تصلي في بيتها، إذا كانت تجد الخشوع والراحة والطمأنينة فهذا هو الأصل، (صلاتها في بيتها خير لها)، أما إذا كانت تكسل إذا كانت وحدها، وتحتاج إلى تنشيط، أو كان في المسجد مع التراويح دروس علمية هي بحاجة إلى الاستماع إليها، فعند ذلك تترجح المصلحة في أن تخرج لتصلي مع جمهور المسلمات، وتجتهد في أن تغض بصرها، وأن تراقب ربها، لتعود مأجورة، فائزة، غانمة، وقد نشطت، واختلطت بعبادة الله تبارك وتعالى.
أنت بين المسلمات، إذا وجدت من تقصر في حجابها، فسلمي عليها ببشاشة، وأعلني لها عن حبك لها، وذكريها بأن فيها صفات، وأنك ارتحت إليها، ولكنك تتمنين بأن تغطي شعرها، وأنك تتمنين بأن يحصل منها كذا، بعد أن تجعلي بينك وبينها علاقات، وتتخذي مدخلا حسنا إلى نفسها، وتثني عليها، وتجتهدي في النصح لها، وإذا لم تستطيعي لأي سبب من الأسباب، فيكفي أن تكرهي ذلك المنكر، وأن تشهدي الله بقلبك على كراهيته، وبعد ذلك أن تجتهدي في الدعاء لها، لأن الهداية بيد الله.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونكرر ترحيبنا بك، ونتمنى أن يكون لك تواصل دائم مع الموقع.