هل كل قرار بعد الاستخارة لابد أن يكون صائبا؟

0 521

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قررت السفر للعمل بإحدى دول الخليج لتحسين وضعي المادي للتقدم لخطبة فتاة جيدة، وتركت عملي في بلدي للسفر إلا أنني اكتشفت بعد سفري أن مسمى الوظيفة في مجال تخصصي، لكن العمل الفعلي بعيد عن تخصصي تماما، وأشعر بالضيق لذلك، وأحن دائما لعملي القديم، وزملائي السابقين الذي أشعر فيه بالراحة النفسية رغم أن المقابل المادي في السفر جيد.

ورغم استخارتي لله قبل السفر، وأنا أرغب دائما لترك العمل، ولكن أصبر وأحتسب.

فهل هذا الشعور طبيعي؟ وهل كل قرار بعد الاستخارة لابد أن يكون صائبا؟
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ OMAR حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك - ابننا الكريم - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا الحرص على التواصل، ونهنئك أنك دائما تحرص على الاستخارة، فلن يندم ولن يخيب من يستخير ويستشير، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

ونحن حقيقة نتفق معك إلى أن الإنسان إذا وجد العمل الذي في مجال تخصصه، فإن ذلك فيه فائدة، وفيه مصلحة وفيه راحة، ولكن ليس معنى ذلك أن الإنسان ما ينبغي أن يعمل في غير مجاله ولو إلى حين، فأنت الآن تكتسب خبرات جديدة، ومن وجهة نظري إذا كان العائد المادي جيدا فعليك أن تعمل بهذا العمل، ثم عليك أن تطور هوايتك الأصلية وتخصصك الأصلي، وبعد ذلك تبحث عن البديل المناسب، سواء كان في هذا البلد، أو عندما تعود إلى بلدك الذي لا نريد أن تغيب عنه طويلا، ولا نريد أن تغيب عن تخصصك طويلا، ولكن الإنسان إذا رزق من شيء رزقا طيبا فعليه أن يلزم هذا الرزق.

ودائما نحن نخطئ عندما نجعل العلم مقابل الوظيفة، لأن هذا جعلنا نزهد في العلم، ونتوقف عن العلم مجرد ما يجد الإنسان وظيفة أو يتضايق لأنه لم يجد وظيفة في تخصصه، والسلف - عليهم من الله الرضوان – كانوا يجعلون العلم والتخصص هذا نوع من الهواية التي يجتهدون فيها، فقد يكون فقيه لكنه بقال، لكنه حداد، لكنه بزاز – يبيع الثياب – لكنه كذا، وهذا جعلهم يستمرون في الطلب، ويستمرون في تطوير أنفسهم في ميادين العلم والمعرفة.

فلا تحمل نفسك ما لا تطيق، واقبل بهذه الوظيفة التي تدر عليك نفعا ولو إلى حين، واجتهد في أن تتواصل مع التخصص الأصلي، وتطوير مهاراتك، بل نحن ندعوك إلى أن تكمل الدراسات في المجال الذي تميل إليه نفسك، بأن تطور نفسك وتدرس، وبعد ذلك ستجد أن وجودك في هذا البلد فرصة لتطوير نفسك من نواحي كثيرة، حتى فيما يتعلق بالعمل.

أما زملاء العمل فنحن نقدر شوقك إليهم، ولكن المسلم والإنسان إذا رحل إلى بلد ينبغي أن يألف من حوله ويتخذ زملاء جدد، ويوسع دائرة المعارف ويتواصل مع الزملاء القدامى.

ففي كل الأحوال إذن هذا الضيق لا ينبغي أن يأخذ من وقتك ومن نفسك ومن حياتك حيزا كبيرا، ونسأل الله تبارك وتعالى دائما أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.

أما بالنسبة للاستخارة فهي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، وليس معنى ذلك أن الإنسان بعد الاستخارة لا تأتيه صعوبات، ولكن المهم هو أن يكون مرتاحا لأنه أدى ما عليه، ولأنه بعد ذلك ينبغي أن يرضى بما قدره الله تبارك وتعالى له، فهو اجتهد واستخار واستشار وأدى ما عليه وبذل الأسباب، ثم عليه بعد ذلك أن يطمئن للنتيجة الحاصلة، فليس هناك علاقة بين الاستخارة وبين ما يحدث، وليس كما يظن بعض الناس أنه لا تأتيه مشاكل، ولا تأتيه صعوبات وأن الأمور تأتي كما يريد مائة بالمائة، الأمور قد يكون فيها صعوبات، الاستخارة هي استجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم –وهي فعل سنة، ولجوء إلى الله تبارك وتعالى، وهذه كلها أبواب من الخير.

ونوصيك مرة أخرى بأن تسعى في تطوير مهاراتك، إذا كان لك تخصص معين تسعى في تطوير نفسك، ومواصلة الدراسات، وتعتبر هذه الفترة التي عملت فيها في غير التخصص خبرات إضافية تضيفيها إلى ما عندك من الخبرات ومن المعارف، السفر مدرسة يتعلم منها الإنسان، وأي وظيفة يعمل فيها الإنسان مدرسة أخرى يتعلم منها، وكذلك التواصل مع الناس الجدد والتعارف عليهم هو مكسب جديد، فأنت تسعى في حلقات توسع بها المدارك، وتوسع بها ثقافتك.

وكما قلنا: الإنسان إذا رزق من مكان زرقا طيبا فمن الخير أن يلزم هذا الرزق ويصبر عليه، ويجتهد بعد ذلك وهو في هذا العمل يبحث عن المناسب إذا كان ذلك متيسرا، فإذا وجد الأفضل ينتقل إليه.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن ييسر أمرك، وأن يغفر ذنبنا وذنبك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، وأن يحقق لك ما تريد فيما يرضي ربنا المجيد سبحانه وتعالى.

مواد ذات صلة

الاستشارات