السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 22 سنة, لا أعد نفسي قرأت أي كتاب خارج الإطار الأكاديمي الدراسي, وبعدما تخرجت -ولله الحمد- شعرت بأهمية الثقافة, ومكانة المثقف اليوم, لذا رغبت في تحصيل الثقافة في مختلف الفنون الدينية والدنيوية, فلو تكرمتم علينا بوضع منهاج لكل مبتدئ في هذا المجال, وأيضا لو ممكن التوضيح في أي مجال أبدأ القراءة؟ يعني أدب أم تاريخ أم فلسفة..الخ، وهذا الموضوع أيضا يشغلني لكثرة العلوم, مع العلم أن تخصصي في مجال السياسة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله غانم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..
نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يستخدمك فيما يرضيه، وأن يكثر من أمثالك من الشباب الواثق بدينه، الواثق بربه تبارك وتعالى، الحريص على بناء مستقبل أمته، هو ولي ذلك والقادر عليه, ونهنئك وأنفسنا بهذا الشهر الفضيل، ونشكر لك هذا السؤال الهام، فإن القراءة تطيل عمر الإنسان، والنبي -صلى الله عليه وسلم– أول ما نزل عليه من الوحي (اقرأ) فيها دعوة إلى القراءة والكتابة، والإنسان عندما يقرأ لأي باحث كأن أضاف أعمارا إلى عمره، فأنت الآن في هذا العمر لما تقرأ لباحث عمره ثمانين سنة أو تسعين سنة كأنك تضيف خبرته تلك السنوات إلى عمرك الصغير هذا, فتكتسب خبرات واسعة، فالناس يعرضوا عقولهم من خلال ما يكتبون ومن خلال ما يؤلفون من كتب ومؤلفات.
وأسعدني وأعجبني أنك الآن تريد أن تتوسع أفقيا في كثير من المعارف، وهذه المعارف من الأهمية بمكان، والثقافة هي الأخذ من كل شيء بطرف، هي أن يعلم الإنسان شيئا عن كل شيء، وهذا من الأهمية بمكان، أن يكون عنده فكرة عن كل الأمور الحياتية، الأمور الثقافية، طريقة معايش الناس، طريقة أنساب الناس، طريقة ترابط الناس، هذه كلها تدخل في مسمى الثقافة، ولذلك قالوا: (الثقافة هي الأخذ من كل شيء بطرف) والمسلم ينبغي أن يعرف المبادئ الشرعية، يعرف ما يصحح به عقيدته، وما يصحح به عبادته، وما يصحح به أخلاقه وتعامله مع الناس، وهذا الجزء هو الجزء الواجب على كل مسلم أن يتعلمه، يتعلم ما يصحح به أمر الدين وأمر التعامل مع الناس، ثم بعد ذلك عليه أن يعرف الأمر الذي يتخصص فيه والجوانب الشرعية فيه، فإن هذه الشريعة وهذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى يشمل كافة جوانب حياة الإنسان، حتى جانب العلوم السياسية التي درستها الإسلام له ضوابط، بل الإسلام له سبق في هذا الجانب وفي كل جوانب الحياة، بل هناك الكثير من المؤلفات تتكلم عن نظام الحكم في الإسلام وغير ذلك من الأشياء التي تتعلق بالسياسة, وكيف كانت تطبق الشورى بين الناس، إلى غير ذلك من المعاني الجميلة.
فإذن نحن بعد أن نحيي الفكرة ندعوك إلى أن تأخذ الثقافة الشرعية، ثم بعد ذلك تأخذ الثقافة في العلم الذي تخصصت به، وتتناول الجانب الشرعي، لأن معظم الدراسات بكل أسف الآن ضعيفة في الجانب الشرعي، مع أن هذه الأمة –أمة الإسلام– حكمت الدنيا وأنارت الدنيا عشرات القرون بما عندها من تجارب, وبما عندها من خبرات, وبما فيها من روح, وفيها نظام الدواوين, ونظام الحسبة, ونظام دوان المظالم، هذه كلها أمور من المهم جدا لأمثالك أن يتعرف عليها باعتبارها أمور هامة في المجال الذي تخصصت فيه.
بعد ذلك لا بد أن ترجع إلى أهل اختصاصك، فأنت عندما ترجع إلى أهل التاريخ مثلا سيرشح لك أفضل كتاب يغنيك عن غيره، ويكون هذا الكتاب مختصر مفيد، ثم تذهب إلى متخصصي جانب الرياضة فيدلوك على أشياء مفيدة فيه، ثم تذهب إلى الجانب التغذية والصحة فيدلوك على إرشادات فيه، فأقصر طريق للثقافة هو أن يذهب الإنسان للمختصين، هو أن يستشير أهل الخبرة وأهل الاختصاص في كل مجال وفي كل ميدان، والجلوس مع المختص لدقائق والمحاورة معه هذا يغني عن قراءة كتب، لأنه يعطيك مفاتيح لهذا العلم الذي تعب في تحصيله.
فأنت بحاجة إلى شيء عن كل شيء، إلى أن تعرف شيئا عن كافة المعلومات الحياتية، بل خبرات الحياة لا بد للإنسان أن يكتسب فيها ثقافة، وهذه قد تحتاج فيها إلى أن تجلس مع الأجداد والجدات ليخبروك عن الأنساب والصلات، وعن أنماط معيشة الناس في الزمن الماضي، وفلسفتهم في التواصل والصلات التي كانت بينهم، ثم بعد ذلك –كما قلنا– تنتقل إلى إمام المسجد ليحدثك عن ثقافته, وعن رسالته, وعن الدور الذي يقوم به, وعن الأشياء التي يفكر فيها، ثم بعد ذلك تذهب إلى المعلم لتستمع رسالة المعلم, وكيف إدارة سلوك الطلاب والتعامل معهم, والمواقف التي مرت عليه، ثم بعد ذلك تذهب إلى موظف في مؤسسة اقتصادية ليبين لك أهمية الاقتصاد وطريقة العمل، وكيف يؤدوا هذه الرسالة, وما هي متطلعاتهم للمستقبل.
أنا أريد أن أقول: أنت قد تقرأ وقد تقابل هؤلاء، والإنسان المثقف دائما إذا جلس في أي مكان يحاول أن يستفيد من الآخرين, ويصحب من ينتفع من صحبتهم, ومن علمهم, ومن ثقافتهم ومن فهمهم.
فإذن لو حاولنا أن نعمل معك جدول فإننا نقول البداية بالعلوم الشرعية والثقافة الشرعية، ثم بعد ذلك عليك أن تهتم بالأشياء التي لها صلة بحياة الناس، أنماط الحياة، طريقة الترابط بين الناس، الخبرات المتراكمة عند الأجداد والجدات، عند المهتمين بدراسة التراث والثقافة، ثم بعد ذلك تحاول أن تأخذ الجوانب الأخرى حسب الجانب الذي تميل إليه، فتنتهي من جانب ثم تذهب إلى الجانب الآخر.
والإنسان إذا مشي بهذه الطريقة وأخذ من كل شيء بطرف واستفاد من أصحاب الخبرات في كل المجالات, وقرأ ما كتبه الأفاضل منهم, أو المتمكنين منهم, ولو قراءة على السريع، فإنه يكون عمل لنفسه أرضية واسعة يستطيع أن ينميها ويقف عليها, وبعد ذلك يستفيد من هذه الجوانب، ولا يخفى عليك أن الأجهزة الحديثة والبرامج متنوعة, وكذلك أيضا الإنترنت فيه برامج متنوعة يحكي عن كل هذه الثقافات, وكل هذه الجوانب، لكن نحن نريد أن تسترشد دائما بخبير في كل مجال حتى يقصر لك الطريق, وحتى يوصلك إلى المقصود بأقل كلفة, وفي أقل وقت.
كذلك أرجو أن تهتم بمسألة التواصل مع الناس، لأن مهارة التواصل مع الناس، التعامل معهم، الاعتبار والاهتمام بمشاعرهم، حسن الكلام معهم، هذه من المهارات التي يحتاجها الإنسان في قيادة الحياة، وهي من العلوم المهمة الحديثة.
نسأل الله أن ينفعك وأن يسددك، هو ولي ذلك والقادر عليه.