تطاردني وساوس قبيحة في ذات الله فماذا أفعل؟

0 955

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والله إني أحبك في الله يا دكتور, فجزاك الله خيرا في محاولاتك الجاهدة لتخفيف هموم من أصابه هذا المرض الفتاك, ألا وهو الوسواس القهري, وخاصة في الدين.

فو الله لقد كرهت نفسي, وكرهت هذه الحياة, وأصبحت أفكر في الانتحار؛ لأني إذا مت سأرتاح, ولن أقول على رب العزة والجلال هذه الأكاذيب, والتراهات التي يحاول عقلي أن يقنعني بها, ولكني أرفضها.

منذ سنة تقريبا تراودني وإلى الآن اندفاعات, وتخيلات جدا حقيرة حول رب العزة والجلال, بل وأيضا أقاويل في نفسي, وشتائم أكرهها, حتى والله إني لا أقولها لمن أكره, وأصبحت أقول: أهي من مرض ما أم مني؟ مع العلم بأن –والله- أحب شيء في حياتي هو الله ورسوله ولله الحمد.

فأنا إنسان ملتزم, لا أنطق بالشتائم لأي أحد, وأصبحت أفكر لم لا أفعل المعصية, فمع هذه الأقاويل والتخيلات اللاإرادية فإني داخل جهنم بكل تأكيد, ولكني أرفض ذلك حبا لله, وصرت أدعو الله -عز وجل- إن كان هذا من نفسي أن يتوفني لأحاسب بما قلت, ولا استمر في ذلك فأحاسب حسابا أشد.

لا أكذب عليكم, ولا على نفسي؛ لأني لست مجتهدا في الدين كما كنت سابقا, والله إني لأتألم حين أصلي, وأقول في نفسي لماذا أصلي؟ فإنها لن تقبل بسبب هذه الأقاويل والتخيلات التي في نفسي, والتي تكثر جدا علي حين أداء العبادة, وأقول الأحسن ألا أصلي تجنبا لإيذاء الخالق, وإيذاء نفسي.

كذلك تأتيني فكرة حقيرة, تحاول أن تقنعني بأن أعدائي أقوى من ربي الجبار, فو الله إني في ضنك وحزن, حتى عندما أكرمني الله بتفوقي والله خفت أن أسجد شاكرا خوفا أن يتحول هذا الشكر لنقمة, وجحد, وسب للرب عز وجل في السجود, فصرت أحاول أن أسرع في الصلاة كي لا تقول نفسي شيئا أكره, وينغص علي حياتي, ويظهر لنفسي أنني منافق أخفي غير الذي أظهر, حتى صرت أتهرب من المجالس التي يذكر فيها الله ورسوله, وحتى من القرآن أيضا.

فقبل أن أكتب هذه الشكوى ببضع ساعات كنت أقرأ القرآن, ولكن جاءني تخيل فظيع حول ربي العظيم, فتوقفت عن القراءة, وصرت أبكي, بل حتى ضربت رأسي بيدي عدة مرات, فحسبي الله ونعم الوكيل, فو الله إنها تنفرني من العبادة بشدة, وصرت أيضا لا أطيق أن أخرج وحيدا من بيتي, ولا أطيق أيضا أن أنظر إلى السماء خوفا مما ذكرت.

فأرغب منكم بالله عليكم أن تكتبوا لي خطة العلاج الكاملة؛ للتخلص من هذه التخيلات والأقاويل النفسية التي أبعدتني عن ديني, ونغصت حياتي, لأن ذهابي إلى الطبيب النفسي مرهق لي, وجزاكم الله خير الجزاء, كما أرجو منكم الدعاء, ولا حول ولا قوة إلا بالله بالعلي العظيم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأنا أريدك أن ترجع إلى ما كتب من الناحية الشرعية حول الوساوس, الوساوس لا تعني ضعفا في الشخصية، ولا قلة في الإيمان، أبدا على العكس تماما هي قد تكون من صميم الإيمان، وهنالك من أتى من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم– إليه, وعبروا عن ذلك أنهم تأتيهم إلى نفوسهم ما لا يستطيعون أن يبوحون بها أو يقولونه، وكانت هي الوساوس حقيقة، والرسول -صلى الله عليه وسلم– طمأنهم أن هذا من صميم الإيمان، وقال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) وورد في الحديث أيضا: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: من خلق كذا، ومن خلق كذا، حتى يقول: من خلق الله) وهنا على الإنسان أن ينتهي ويستعيذ بالله من الشيطان، وأن يكون صارما في مواجهة هذه الأفكار.

فأنت على خير -إن شاء الله تعالى– والوساوس دائما تجيء إلى الناس في أجمل وأعز ما عندهم، والدين هو أعز ما نملك، وبعض الناس تأتيهم وساوس في أمور جنسية –وهكذا– فمحتوى الوساوس من هذا النوع, نعم هو مزعج, وجارح للنفس, ومفتت لها، لكن -إن شاء الله تعالى– كل هذا سوف يزول تماما.

الوساوس ذات الطابع الديني يجب ألا تناقش. كثيرا ما يحاول الإنسان أن يجد تفسيرات لهذه الوساوس, أو يخضعها لنوع من المنطق, أو يجري حوارا معها من أجل أن يضعها في قوالب معينة, يقنع نفسه بأنها وساوس، وهذا خطأ، الوساوس يغلق أمامها، تقول له (أنت وسواس حقير، لن أناقشك، أنت وسواس حقير، لن أناقشك) ودائما تربطه بالأمور الفظيعة والسيئة، لا تربط الوساوس بشيء جميل أبدا، وتجاهلها، وصدها.

كما أن أساليب تخفيف الوساوس مثل الاستعجال في السجود –مثلا– هذا خطأ، هذا يعضد ويقوي الوساوس، على العكس تماما أصر أن تسجد سجودا يقينيا مرتاحا مطمئنا، لكن أن يحاول الإنسان أن يجد المخارج التي تخفف عليه وطأة الوساوس هذا يمكنه، لأن هذا نوع من التجنب, هذا يجب أن تبتعد عنه كممارسة.

الأمر الآخر: أريدك أن تطبق تمارين الاسترخاء، فيها فائدة كبيرة جدا لك، وهنالك استشارة –وغيرها كثير– لدينا تحت رقم (2136015) طبق هذه التمارين.

أيضا عليك أن تصرف انتباهك من خلال وجود أنشطة حياتية أخرى: القراءة، الاطلاع، ممارسة الرياضة، زيارة الأهل، لا تترك فراغا أبدا للوساوس لكي تزعجك.

ربما بعض السلوكيين يقول لك: اكتب هذه الوساوس واحدة تلو الأخرى، ابدأ بالأقل ثم بالأشد، وحاول أن تكتب الوسواس عشر مرات –على الأقل– تأمل فيه، بعد ذلك حقره, هذه أيضا وسيلة لا بأس بها، لكن أعتقد أن الأمر واضح، يغلق أمام الوسواس من خلال رفضه وتحقيره، والقناعة التامة بأنه سخيف.

البشرى الكبرى هي أن العلاج الدوائي حسن نسبة علاج الوساوس من عشرين بالمائة إلى ثمانين بالمائة، قبل أن تظهر الأدوية المضادة للوساوس كانت نسبة نجاح العلاج السلوكي والعلاج التحليلي وغيره ليست أكثر من عشرين بالمائة، أما الآن نسبة النجاح فقد قفزت إلى ثمانين بالمائة، وهذه نسبة عالية جدا في الطب، فاشرع في تناول الأدوية مباشرة.

وبالطبع سوف تسأل وما علاقة الأدوية بالوساوس؟ الإجابة هي أنه اتضح وبما لا يدع مجالا للشك أن النواقل –الموصلات والمرسلات– العصبية في الدماغ -على وجه الخصوص المادة التي تسمى بالسيروتونين– يحدث فيها شيء من الاضطراب أو عدم الانتظام في إفرازها، ولا توضع في مساراتها الصحيحة إلا من خلال الأدوية الفاعلة التي تقوم بذلك، ومن أفضل هذه الأدوية العقار الذي يعرف تجاريا باسم (بروزاك) ويسمى علميا باسم (فلوكستين).

أرجو أن تبدأ في تناوله مباشرة ما دمت لا تستطيع أن تذهب إلى الطبيب، والجرعة هي عشرون مليجراما (كبسولة واحدة) تتناولها بعد الأكل، وبعد أسبوعين اجعلها كبسولتين، وهذه هي الجرعة المضادة للوساوس، استمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضها إلى كبسولة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم يمكنك أن تتوقف عن تناول الدواء.

في بعض الأحيان ربما نحتاج إلى أدوية داعمة للبروزاك مثل الفافرين, أو جرعة صغيرة من عقار رزبريادون، لكني لا أعتقد أنك في حاجة لكل هذا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات