السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة التزمت منذ 10 سنوات، وأنا في سن 18, جاهدت نفسي لوحدي، ولم يعني أحد من الخلق في طريقي إلى الله.
كنت عندما أخطو خطوة إلى الله أفرح جدا وكأني في الجنة، ارتديت الحجاب الشرعي، وكل شيء جاءني بصعوبة، ولكن لم أكن أشعر بها، لأنها كانت السعادة تملأ قلبي.
مع الأيام بل والسنين لم أعد أستطع أن أجاهد في لا أقول مجتمع بل بيت لا يعرف معنى الدين! لا شيء أفعله إلا واستهزئ بي، وبحجابي وبكل شيء، فقلت إن الله معي، والله أكبر.
دخلت الجامعة، درست، والله إني لم أفعل شيئا سيئا أبدا في حياتي عشت طاهرة، وما زلت طاهرة بعفتي، ربيت نفسي بنفسي، لكن والله أنا لم أعد أتحمل كل شيء! فللصبر حدود، وأنا من البشر ليست لدي قوة خارقة للصبر، وكلهم يقولون أنت عشت لله ولم يعطك شيئا، لأنه كل من هي في عمري بل وأصغر تزوجن.
هل من يعش لله تكون له عيشة ضنكا؟! لأنه لا يوجد له إعانة.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان له الصحابة وزوجاته وأولهن خديجة التي وقفت معه، أنا لا أقارن نفسي بخير الأنام عليه الصلاة والسلام، أنا لست بشيء بالنسبة له، ولكن أنا تعبت بجد، تعبت من كل شيء، وأصبح من يدافع عن دينه يوضع في قفص الاتهام.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لمياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يجعل لك على الخير أعوانا، وأن يربط على قلبك، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك لطاعته ورضاه، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن هذه الضغوط التي تتعرضين لها أمور مزعجة، وفي غاية الصعوبة، وقلما يصبر عليها الكثير من الناس، وهذا حق كله، وكلامك أنا معك فيه مائة بالمائة.
ولكن أريد أن أقول لك – بارك الله فيك يا بنيتي – هل تظنين أنك لو تركت الالتزام ستحل هذه المشاكل كلها؟ إنك حقيقة متوهمة - ابنتي الكريمة لمياء – صدقيني ورب الكعبة أنت الآن في نعيم مقيم لا يعلم به إلا من ذاقه، هذه الضغوط كلها بسبب دينك، وأنت تعلمين أن الإنسان عندما يتعرض للاضطهاد أو الظلم بسبب دينه يكون من خاصة أولياء الله تبارك وتعالى، وأنت تعلمين أن النبي - صلى الله عليه وسلم – تعرض لابتلاءات وامتحانات حتى إنه كان يأكل أوراق الشجر ويأكل جلود الأنعام هو وأصحابه في شعب أبي طالب، وتعرض النبي - عليه الصلاة والسلام – للضرب والإهانة مرات ومرات ومرات، وهناك من الأنبياء من قتل – يا بنيتي – فلعلك سمعت عن زكريا عليه السلام وأنه قد قتله اليهود، ولعلك سمعت أيضا عن يحيى عليه السلام وأنه قد قتله اليهود، ولعلك سمعت أيضا عن عيسى عليه السلام وأن اليهود قد تآمروا عليه لقتله ولكن الله رفعه.
إذن هناك من ضحى بحياته من أجل هذا الدين – يا بنيتي – تقولين هؤلاء أنبياء؟ أقول لك: ألم تقرئي سورة البروج لتعرفي أن أصحاب الأخدود لم يكونوا أنبياء ولا مرسلين، وإنما كانوا أناسا أمثالك تماما فيهم الكبير والصغير، بل إن هذه المرأة التي نطق ولدها وهو في المهد رضيعا ما زال يرضع من ثديها، قال لها: (يا أماه اتقي الله واصبري واعلمي أنك على الحق) ثم طرحت نفسها ودخلت هي وولدها في النار.
ابنتي الكريمة الفاضلة: إن الشيطان يلبس عليك الأمر، صدقيني أنت أفضل من هؤلاء جميعا، كونك لم تتزوجي، من قال لك بأن الفتاة تتزوج في الثامنة عشرة من عمرها؟! أنا أعرف أن هناك عشرات الآلاف من النساء الجزائريات وصلن إلى خمسين عاما ولم يتزوجن – ابنتي لمياء - . إن الشيطان يدلس عليك - يا بنيتي – والشيطان يريد حقيقة أن يضعف قواك، ويريد أن يصرفك عن طاعة مولاك، ويريدك أن تكوني إنسانة عادية تافهة حقيرة لا وزن لك ولا قيمة، أنت الآن جوهرة مكنونة ودرة مصونة، ولك عند الله تبارك وتعالى مقام عظيم.
نعم الصحابة كانوا مع النبي - عليه الصلاة والسلام – وكانوا يواسي بعضهم بعضا، ولكن أنسيت أن النبي - عليه الصلاة والسلام – قال: (يأتي على أمتي زمان عبادة الواحد منهم بعبادة خمسين منكم) قالوا: منا أم منهم يا رسول الله؟ قال: بل منكم أنتم؟ قالوا: ولم؟ قال: لأنكم تجدون على الخير أعوانا، وهم لا يجدون على الخير أعوانا).
يا بنيتي: اثبتي بارك الله فيك، اثبتي واعلمي أنك على الحق، واعلمي أن هذه الأفكار التي تدور في ذهنك إنما هي – والله العظيم – من كيد الشيطان الرجيم – لعنه الله – الشيطان عندما عجز عن إفسادك في الظاهر أراد أن يفسد قلبك في الباطن، أراد أن يعكر صفو العلاقة التي بينك وبين الله، صدقيني لو أنك تركت الحجاب والالتزام لن يتغير شيء بالنسبة لك، لأنك لا يمكن – يا بنيتي – أن تتزوجي أبدا إلا في الوقت الذي قدره الله وأراده، ووالله ثم والله لا يمكن أن تتزوجي مطلقا إلا بالشخص الذي قدره الله لك وأراده.
هذه ليست قضية والدك أو والدتك أو المجتمع أو رؤساء العالم أو حكام الدول، هذه قضايا قدرية، والذي قدرها إنما هو الله سبحانه وتعالى، فكما أن الله قدر شكلك وقدر صورتك وقدر طولك وقدر جسمك ولون بشرتك، قدر كذلك أيضا لك زوجا سيتقدم إليك في الوقت الذي قدره الله تبارك وتعالى.
عليك – يا بنيتي – ألا تضعفي، واعلمي أنك على الحق، وأن لك في رسول الله أسوة حسنة – صلوات ربي وسلامه عليه – ولك في أصحابه كذلك أسوة حسنة، أنسيت أن أول من استشهد في سبيل الله كانت امرأة والتي تسمى بـ (سمية بنت خياط أم عمار) رضي الله تعالى عنها؟ أنسيت أن أول من آمن من العالم كانت امرأة، ألا وهي خديجة رضي الله عنها؟
يا بنيتي: ألا تريدين أن تكوني مع هؤلاء الأوائل؟! يا بنيتي: إن الشيطان يريد أن تكوني في آخر الركب وفي مؤخرة الرحل، يريد أن تكوني إنسانة لا قيمة لك ولا وزن، يعبث بك الشيطان كيف يشاء، ويوسوس لك لإقامة علاقات محرمة مع القاصي والداني، وتعيشين حياة فاسدة، كلها مخالفات ومعاصي والعياذ بالله.
بنيتي: أنت الآن في نعمة عظيمة، أنت ما زلت عفيفة طاهرة من فضل الله، ولقد من الله عليك بنعم – صدقيني – ما من بها على ملايين من الخلق، الله أعانك على أن تربي نفسك بنفسك منذ عشر سنوات، هذه نعم، يا بنيتي: صدقني إن الله يحبك، حرام عليك أن تضيعي هذا الجهد العظيم، أنت الآن من أولياء الله – يا بنيتي لمياء – تريدين أن تكوني من أعداء الله يا لمياء؟ تريدين أن تكوني من العصاة الفجرة يا لمياء؟ تريدين من الكذابين الدجالين المنافقين يا لمياء؟ تريدين أن تكوني من المتبرجات السافرات اللواتي يدخلن النار كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام -: (صنفان من أمتي لم أرهما) وقال منهما: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلون الجنة ولا يجدن ريحها) وفي رواية (إذا رأيتموهن فالعنوهن فإنهن ملعونات) هذه الكاسيات العاريات اللاتي يكشفن جزءا من البدن وتستر جزءا آخر.
فعليك – يا بنيتي – بتقوى الله تعالى، واعلمي أنك على الحق، واثبتي، واعلمي أن أهل الصلاح والتقوى قليل، ولذلك قال الله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} وقال أيضا عن نوح عليه السلام: {وما آمن معه إلا قليل} وقال أيضا: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون}.
فعليك – يا بنيتي – أن تحافظي على ما أنت فيه، وإياك ثم إياك أن تضعفي، لأنك بذلك – صدقيني – ستخسرين خسارة فادحة، ولن تهنئي أبدا ولن تسعدي، وستعيشين في حزن لا يعلم به إلا الله، وفي كآبة لا يقدر قدرها إلا الله تعالى.
وفقك الله إلى كل خير، وثبتنا وإياك على الحق، وهدانا وإياك إلى صراطه المستقيم.
هذا وبالله التوفيق.