السؤال
السلام عليكم.
كنت مؤمنا جدا بالله؛ لأني كنت أقرأ مقالات حول الإعجاز العلمي، لكن بعد بحثي في هذا المجال وجدت أن القرآن سهل، والقرآن جاء بمنطق سهل يفهمه راعي الإبل، والقرآن الكريم لم يأت بشيء لا يفهمه السلف، بل جاء ليلفت انتباههم فقط، مثل برزخ البحرين كان كل العرب يعرفون ذلك، لكن الله عز وجل يريد أن يلفت انتباهنا إلى من وضع هذا البرزخ، وهو الله، لكن – يا شيخي - أصابني شك منذ شهرين بعد أن قرأت نظرية التطور في كتب المنهج الإعدادي، لكني أؤمن بالله، لكن عندي شك، فماذا أفعل؟
مع العلم أني عندما أسمع القرآن تأتي الوساوس قوية، مثلا تقول لي افرض أن القرآن ليس كلام... أو مثلا افرض أن الله... لا أستطيع أن أقول، انقذني – يا شيخي- لا أستطيع! الوساوس تأتيني ليل نهار، أحبك يا شيخي وجزاكم الله خيرا.
أعلم أني قد وقعت في مشكلة صعبة، فماذا أفعل؟ لا أعلم، هل هذا الأمر من نفسي ولا أؤجر عليه، أم أنه من الله فأؤجر على مدافعته؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عيسى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، ونشكر لك عرض هذا الإشكال والسؤال، وإنما شفاء العي السؤال، وأنت -ولله الحمد- إنسان عاقل، وهذه الوساوس لا تأتي إلا لمن عنده إيمان وتمسك، ونحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة، فالنبي - عليه الصلاة والسلام – قال لمن قال له: يجد أحدنا في نفسه لزوال السموات أحب من أن يتكلم به؟ قال: (أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان)، وفي رواية قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، وفي رواية ثالثة قال: (إذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله ثم ليستعذ بالله من الشيطان)، فنسأل الله تبارك وتعالى لك التوفيق والسداد والثبات.
واعلم بأن مثل هذه الأمور تأتي للإنسان، ولكن طالما أدركت أنها وساوس فعليك أن تخالف هذه الوساوس، وأرجو أن تعلم أيضا أن المعلومات المذكورة غير صحيحة، فالعرب – بل الدنيا – ما كانت تعرف مرج البحرين ولا كانت تعرف البرزخ المذكور إلا في عصور قريبة جدا، وآمن بهذه الآية بعض الغربيين، لأنهم قالوا: كيف لابن الصحراء، أي كيف للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ما عرف البحر يتكلم عن حقائق لم تظهر أو لم يعرفها الناس إلا في عصور متأخرة، فالقرآن كله معجز لليوم وإلى أن يرث الأرض ومن عليها، وسيكتشف الناس أشياء جديدة، حقائق قرآنية، وسيرددون بعد ذلك قوله تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}.
فالقرآن كان معجزا للعرب ومعجزا للذين بعدهم، ومعجز لنا اليوم، ومعجز للناس حتى يرث الأرض ومن عليها، ولا يمكن للحقائق العلمية أن تصادم حقائق قرآنية، لأن منزل القرآن هو خالق الأكوان سبحانه وتعالى، ولذلك ينبغي أن تطمئن إلى عظمة العظيم سبحانه وتعالى، وتوقن أن الله تبارك وتعالى قدير، وأنه خالق هذه الأكوان، وأنه {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} وهذه الأدلة حتى الغربيين يوقنون بها ويؤمنون بها، ولكن بعضهم يخاف على مستقبله، يخاف على سمعته، ما يريد أن يخالف قومه، بعضهم لهم أهواء وأمزجة، لكنهم يوقنون بهذه الحقائق التي تدل على قدرة القدير سبحانه وتعالى.
فعليك أن تعود إلى إيمانك، وإذا جاءتك هذه الوساوس فتعوذ بالله من الشيطان، وقل آمنت بالله، ثم اقطع حبال هذه الوساوس بالانشغال بالأشياء المفيدة، ونتمنى أن يكون لك تواصل دائم مع هذا الموقع عندما تأتيك إشكالات، واعلم أن كثيرا من الناس تأتيهم مثل هذه المشاكل لكنهم لا يقفون عندها طويلا، لأنها حقائق ولأنهم يدركون أن هذا من كيد هذا العدو الذي لا يريد لنا أن نؤمن، ولا يريد أن يكون عندنا استقرار، وهمه أن يدخل علينا الحزن.
ونحن نبادلك الحب والمشاعر ونشكر لك هذا الحرص، ونعتقد أنك على خير وثبات، فلا تنشغل بهذه الوساوس، والله تبارك وتعالى لا يحاسبنا بهذه الوساوس التي يأتي بها الشيطان، إلا إذا حولناها إلى ممارسات واعتقادات، لكن الإنسان طالما كان يدافع هذه الأشياء ويشعر بالضيق من ترديدها ويجتهد في الهرب منها؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطانا الوصفة، لأن عقولنا لا تستطيع أن تدرك كل الحقائق الربانية، بل حتى الحقائق الكونية التي تظهر للناس في كل مرة بمقدار تعلمهم وبمقدار بحثهم بعد توفيق الله تبارك وتعالى لهم؛ لذلك نتمنى أن تثبت على ما كنت عليه من الخير، واعلم أن القرآن معجز، وهذا ليس كلامنا، وتستطيع أن تقرأ للمفكرين الغربيين الكبار الذين أسلموا في شتى المجالات، في عالم البحار، وعالم الأجنة، وعالم الفلك، وعالم الفضاء، وعالم الجيولوجيا، أسلم في كل المجالات، لأن هذا الكتاب معجز، ولأن هذا الكتاب هو معجزة النبي - عليه الصلاة والسلام – الخالدة، التي آمن على مثلها البشر وسيؤمن على مثلها البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وندعوك إلى أن تشغل نفسك بطلب العلم الشرعي، وبالرجوع إلى العلماء عندما تأتيك مثل هذه الوساوس، ثم اشغل نفسك بالمفيد، وتعوذ بالله من الشيطان، وإذا جاءتك هذه الوساوس فلا تعطها فرصة لتتمدد، إنما عليك أن تحسم ذلك بأن تشغل نفسك بالمفيد وبطاعة ربنا المجيد.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.