السؤال
أحس في الآونة الأخيرة بعدم استقرار في حياتي، حتى بدأت أفقد بعضا من ثقتي بنفسي، وبدأت علاقاتي مع بعض الأصدقاء تتدهور، وأعتقد أن كل ذلك كان بسبب بعض قراراتي التي اتخذتها في الماضي، وأحس أنها كانت خاطئة، وبودي لو أعود وأغيرها، فقد اتخذت قرارا بالدراسة في جامعة خارج مدينتي، وأشعر أن ذلك القرار كان خاطئا، وأنه هو ما سبب لي كل هذه المشاكل التي أكثرها نفسية، فماذا أفعل؟ أشيروا علي، علما بأني دائما متردد، وهذا ما يجعلني أتخذ قرارات أندم عليها.
أرجوكم أسعفوني، فإن الأفكار السلبية بدأت تتسلل إلي، علما أني كنت متميزا في دراستي ولله الحمد، فقد كنت في المركز الأول دائما، وفي ثقافتي العامة، وكانت أفكاري إيجابية، وكنت طموحا، ولكن كل هذا تغير فجأة، ولا أدري ما السبب الحقيقي!؟ علما بأني أيضا أشعر بالراحة حينما أكون برفقة بعض الأشخاص الذين تربطني بهم علاقات قوية، ولا أحبذ أن أكون في وسط علاقات كبيرة من الناس، وإذا حصل لي ذلك فأشعر بنوع من عدم التوازن، وأحاول الانسحاب، فما توجيهاتكم ونصائحكم لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد المجيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن التأرجح والتباين في المشاعر هي سمة وصفة من صفات البشر، أحيانا يشعر الإنسان أنه في وضع نفسي مستقر استقرارا تاما، وفي أحيان أخرى قد يشعر بخلاف ذلك، وأنت الآن تعيش مزاجا فيه شيء من التردد – كما ذكرت – وربما يكون هذا المزاج أيضا مزاجا اكتئابيا، ولا أعني بذلك أنك مصاب بمرض الاكتئاب النفسي، إنما قد يكون مجرد عسر المزاج جعلك تحس بشيء من الإحباط.
أنت ترجع السبب لكل ذلك نسبة لقرارك الذي اتخذته، وذلك لتخيرك للجامعة خارج مدينتك، وهذا ربما يكون عاملا، لكن لا نستطيع أن نقول أنه سببا قاطعا، ويجب ألا تندم على قرار اتخذته، وليس فيه مخالفة حقيقية، هي مجرد اختيارات، والإنسان قد يخطئ وقد يصيب، وفي مثل هذا القرار لا يوجد خطأ حقيقي، إنما هو نوع من التخير الذي قررت أن تختاره، وخيارك ربما كان معقولا جدا في الوقت الذي قررت ذلك، والآن نسبة لعسر المزاج الذي أصابك بدأت تبحث عن الأسباب التي تجعلك تحس بالإحباط، وأتتك هذه الفكرة أن اختيارك للجامعة لم يكن صحيحا من الأول.
أنا لا أريدك أن تحتم وبصورة جازمة أن هذا هو السبب أو العامل، فإن عسر المزاج وتقلباته أمر طبيعي جدا في حياة الناس.
الذي أريدك أن تقوم به الآن هو أن تكون بالفعل إيجابيا في تفكيرك، وأن تعدد الأفكار السلبية التي ذكرت أنها تسيطر عليك، اكتبها في ورقة، ابدأ بأقلها حدة، بعد ذلك اكتب الفكرة السلبية التي تليها، حتى تنتهي بأكثر هذه الأفكار قوة وإزعاجا لك، وبعد ذلك ناقش هذه الأفكار، ابدأ بأبسطها، وسوف تجد المقابل الإيجابي، ركز على المقابل الإيجابي، وهذا - إن شاء الله تعالى – يجعل الفكر السلبي يتلاشى.
إذا: أنت محتاج لتغيير معرفي من خلال تدارسك لأفكارك السلبية وليس قبولها كمسلمات تحرك مشاعرك ومن ثم تعطل أفعالك، لا؛ الفكر السلبي يناقش، الفكر السلبي لا بد أن يتحداه الإنسان، لا بد أن يغلق أمامه، ولا بد أن يضع فكرة مخالفة له.
ثانيا: نحن دائما نشجع الناس ونذكرهم أن الحكم الحقيقي على الثقة بالنفس يجب أن يكون من خلال الأفعال وليس من خلال المشاعر، الإنسان قد تجره مشاعره السلبية لعدم تقدير ذاته وعدم تقدير أفعاله، بالرغم من أنه قد يؤدي بعض الواجبات وأفعال أخرى، لكن لا يراها كشيء مهم في حياته، لا، أنا أريدك أن تفصل تماما بين المشاعر والأفعال، وبالنسبة للأفعال حاول أن تطورها وأن تصر على دوامها، اجعل لنفسك جدولا يوميا تلتزم به، هذا الجدول يحتوي على الواجبات الدراسية، على العبادة، على ممارسة الرياضة، على الترفيه عن النفس، على الراحة ..وهكذا، وبعد ذلك سوف تجد أن مشاعرك قد تبدلت تماما بإذن الله تعالى؛ لأن حكمك سوف يقوم على ما أديته من أفعال وليس على ما يعتريك من مشاعرك.
أنت تحس أنك جيد وفي راحة حين تكون في رفقة بعض الأشخاص، فأكثر من هذا، وعليك برفقة الصالحين الطيبين الملتزمين، كن من رواد المساجد، رفه عن نفسك بما تراه طيبا وجيدا، وكما ذكرت لك ممارسة الرياضة دائما فيها خير كثير للإنسان؛ لأنها تجدد الطاقات البيولوجية لدى الإنسان، وهذا ينعكس إيجابيا على الصحة النفسية.
فيما يخص اتخاذ القرارات، اجعل الاستخارة معينا لك؛ لأن الاستخارة مضاد قوي جدا للتردد.
انظر للمستقبل بإيجابية وبأمل، وأرجو أن تقتنع بجامعتك هذه، وإن شاء الله تعالى تتحصل على أعلى الدرجات، فالمستقبل لك أيها الفاضل الكريم، وأنت لست في حاجة لعلاج دوائي، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.