السؤال
أحب فتاة، لكن المشكلة تكمن في أن والدها كان يعمل في مهنة بذيئة في ملاهي ليلية، لكنه رباها تربية جيدة جدا، ويشهد على ذلك والداي أنفسهما، وهي تعمل عملا مرموقا، ولكن والدها الآن يعمل في مهنة في إحدى القنوات الدينية الإسلامية، وأبواي يرفضان الزواج بسبب سمعة والدها، والآن والدها ممكن أن نقول أن الله تاب عليه.
حين تعرفت على الفتاة في الكلية من سنوات لا تحدثني سوى إن شاء الله، -وبإذن الله-، واحترام وأخلاق، فوالداي يخشيان نظرة الناس لهما بسبب والدها، وأن أبعد عنها خوفا من كلام الناس والضغط النفسي علي، لكنى لا أقدر على بعدها؛ لأن بها ما رغبت من علم ودين وأخلاق وتفاهم، فما الذي يمكنني فعله؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ mohamed حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يمن عليك بزوجة صالحة تكون عونا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإنه مما لا شك فيه أن السمعة السيئة تلقي بظلالها على مستقبل الأبناء بل والأسرة كلها، وهذا أمر درج عليه الناس منذ القدم، فإنهم عادة ما يبحثون على الأقل إذا لم تكن هناك سمعة حسنة فلا أقل من أن يكون هؤلاء الأشخاص من المستورين بستر الله تعالى، الذين لا يعلم الناس عنهم شيء، أما أن يشاع في الناس بأن فلانا هذا كان فيه من خصال السوء ما فيه، فإن الناس عادة يتحاشون ذلك.
إلا أن الأمر فيما أتصور -في رسالتك- قد يحمل قدرا من المبالغة، خاصة وأن سلوك والدها يعتبر ماضي قد اندثر وانتهى، وأن والدها الآن أصبح يعمل -كما ذكرت أنت- في قناة إسلامية، فالناس ينظرون إليه الآن -خاصة الذين لا يعرفون- على أنه رجل من الصالحين وأنه رجل حسن السمعة حسن السيرة، يقدم الإسلام للمسلمين.
أما مسألة بأن والدها كان يفعل كذا، فهذه مسألة في الغالب لا ينقب الناس عنها كثيرا، خاصة وأن المرأة عادة تكون مستورة، بمعنى أن الناس لا يطلبون منها بيان من والدها أو من والدتها، فإنها تكون مستورة بستر الله تعالى، خاصة وأنها تتمتع بخلق ودين وتفاهم وشخصية متزنة وعبارات إسلامية متميزة.
فأنا أرى أن هذه حقيقة تغمر هذه السوأة التي لصقت بوالدها يوم أن كان في أول أمره يعمل في الملاهي كما ذكرت.
فأنا أرى مراجعة الوالدين، وأرى محاولة إقناعهما بأن كون هذه الفتاة تدفع ثمنا فادحا لأن والدها كان في يوم من الأيام يعمل كذا، أرى أن هذا فيه نوع من المبالغة ونوع من التجني، العبرة بما نحن فيه الآن فهو عمل طيب، فإنه يعمل في عمل مشروع، وهي أيضا -كما ذكرت أنت- في عمل طيب، وفي ذات الوقت أيضا تعمل في عمل مرموق، والناس لهم الظاهر، ومعظم الناس لا يعرفون أصلا إذا سكنا في عمارة أو في حي من الأحياء، لا ينقبون عادة عن مثل هذه الأمور، وإنما يحكمون على الظاهر، بل إنهم أحيانا قد يبالغون في الحكم على الظاهر أيضا، فإن وجدوا إنسانا مثلا ملتزما بالسنة الظاهرة كإطلاق اللحية أو تقصير الثوب أو التزام بعض السنن الظاهرة كإفشاء السلام وغيره، فإن الناس يثنون على صاحب هذا الأمر بخير حتى وإن كان من المنافقين، وعامة الناس لا يعرف بعضهم عن بعض شيئا.
فأنا أرى: ما دامت الأخت تتمتع بخلق ودين، وأنها -ولله الحمد والمنة- قد ربيت تربية جيدة -كما ذكرت- ويشهد على ذلك الوالد والوالدة، فأنا أرى أن هذا الأمر لا يعتبر عائقا، أرى أن ماضي والدها لا ينبغي أن يقف حائلا دون الارتباط بها، خاصة وهي تتمتع بتميز أخلاقي وعلمي وديني واضح -كما ذكرت- في رسالتك.
ومن هنا فإني أرى مراجعة الوالدين في ذلك، وأرى محاولة تغيير وجهة نظرهما بالوسائل الممكنة، حتى ولو أن توسط بعض المؤثرين في الأسرة كعم أو خال أو شخصية تحبها الأسرة، لأني حقيقة أرى أن هذا الموقف فيه قدر كبير من المبالغة، بل أخشى أن أقول فيه قدر كبير من الظلم والتجني، لأن هذه الأخت الآن نحن نحكم عليها كظاهر وكواقع الآن، ونحكم على والدها أيضا كواقع ، كونه كان له ما له فيما مضى، ولكنه الآن من صالح المؤمنين، ويعمل -كما ذكرت- في إحدى القنوات الدينية الإسلامية.
فأرى بارك الله فيك محاولة إقناع الوالدين بوجهة نظرك، وأنك حريص على أن ترتبط بها نظرا لما تتمتع به من خلق ودين، وكما ذكرت لا مانع من الاستعانة بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يغير الله موقف والديك، وكذلك أيضا لا مانع من الاستعانة ببعض ذوي الوجاهة الذين لهم صقل أيضا في أسرتك، أن يحاولوا إقناعها بأن هذا الموقف حقيقة ليس صوابا مائة بالمائة، لأن هذا ماضي قد انتهى، ونحن نحكم الآن على سلوك الوالد والفتاة، والفتاة في الغالب كما ذكرت مسألة البحث عن شخصيتها والبحث عن أصلها هذا قد نحتاجه إذا كان سيئة السمعة أو إذا كانت سيئة الخلق أو إذا كانت تقوم بتصرفات غير مشروعة أو معقولة، أما إذا كانت تتمتع بخلق فاضل وحسن فإن الناس لن يسألوا من هي، كما ورد في قول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فالناس يبحثون الآن عن الخلق الظاهر، فإذا كان الخلق ظاهرا ومستقيما فأرى أن نتوكل على الله، وأن نستعين بالله تعالى، وأن نترك هذا الأمر ولا نقف أمامه طويلا، خاصة وأنك -كما ذكرت- لا تستطيع أن تتركها، فحاول أن تفضي بذلك إلى والديك، لعل الله تعالى أن يشرح الصدور لقبول ما تريد.
أسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.