تراودني أفكار مزعجة أخشى على نفسي الفتنة، فكيف الخلاص منها؟

0 688

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سأتلو عليكم مشكلتي، وإنها لتتعبني، وتريب نفسي!
أظنني سألج النار منها، لا تستغربوا ما سأكتبه، لكني والله خائفة مما يجول بخاطري، وما يحويه عقلي .. ولا أعرف الخلاص منه! وأظل أردد ( آمنت بالله ورسوله ) دون فائدة، أجد الأفكار ترجع وترجع لا تتركني، وإني لأخشى على نفسي الفتنة، والوقوع والعياذ بالله في الشرك!

لا أبالغ في كلامي، بل إنني بت أتساءل من أشياء كثيرة، ثم أرجع أستغفر، وفي قرارة نفسي لا زال الشك يحويني والأسئلة تراودني، تتعبني كثيرا، لا سيما أن الله يحاسب على ما تحتويه الأنفس، فقد قال سبحانه " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله "، فأخشى أن يعذبني كثيرا على أفكاري الغبية الساذجة، لكنها لا تزال تعشش في عقلي، وأحاول كثيرا نسيانها، لكن دون جدوى!

دائما يراودني لم الله لا يهديني، أوليس الله يحب عبده! لم لا يجعلني أخشع في صلاتي، أهو سبحانه يحب أن يعذبني! ولم يخلقنا لنعبده! ويريدنا أن نكون مذلولين هكذا! ولم اختار لمحمد - صلى الله عليه وسلم- الهداية، بل وأعلى درجات الجنة، ولم يختر لنا إلا أن نذهب في إحدى السبيلين ونقع في الأخطاء والزلل!

أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله!

أعرف أن ما أقوله قد يعد كفرا وهذيانا، لكني والله كلما شرعت بالصلاة تبقى تراودني هذه الأفكار حتى أعوذ بالله من نفسي الخربة، أغار من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن اختاره الله هو دوننا!

ولما أشرع بالصلاة على النبي لا أجدها عن حب حقيقي للرسول، لكنني فقط لأني لا أريد أن أبتعد عن الله، وأخاف فتنة نفسي، أرجع كثيرا وأستغفر الله ربي على ما تقره نفسي، لكني لا أجد الأجوبة!

قد قرأت أني يجب أن أتأمل القرآن حتى يقر في قلبي وأجد راحة حين أقرأه، لكن من جديد بدأت تسري أفكار ساذجة في عقلي، ومن قال أن القرآن حقيقي، وأنه لم ينتهي ويحرف!

آه من نفسي .. أعرف أني أقول كلاما عظيما يدخلني النار والعذاب الأليم، أستغفر الله كثيرا مما أقوله، لكني أريد لنفسي الصلاح ولذلك جئت إليكم، لا أريد لهذه الأفكار أن تغتال عباداتي وتغزوا كل شيء صالح أود القيام به!

أنا ولله الحمد إنسانة محافظة على النوافل والعبادات، وأعلم تماما أن أي عمل دون حضور القلب الأحرى أن لا أفعله فهو لن يقبل، وحين تأتي هذه الأفكار أقول لم أنا أصلي وأنت تعلمين أنها غير مقبولة! لكني أجاهد نفسي حتى لا يدخلني الشيطان في مدارك أوسع.

أرجوكم ساعدوني على إصلاح نفسي وإبعادها عن الفتنة، وأن أحب الرسول أكثر من نفسي، اللهم صل عليه وسلم تسليما كثيرا, وما هي الخطوات التي يجب علي فعلها؟ والله إني لأخشى ربي وأعلم أنه حق سبحانه، لكن لا أدري لماذا لا يثبتني على الحق!

وسامحوا أفكاري الغبية، هي تأتي هكذا ولا أجد ما يمنعها! فعلا تعبت منها وأخشى أن أصلى في نار جهنم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينك على التخلص من تلك الأفكار الرديئة التي تزعجك وتكدر خاطرك. كما أسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يمن عليك بالأمن والأمان والاستقرار، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإن هذا الذي تشكين منه إنما هو نوع من الحرب القذرة التي يشنها الشيطان على قلوب عباد الله المؤمنين الصادقين، لأن الشيطان كما تعلمين هو أعدى أعداء الإنسان، ولم يحذرنا الله تبارك وتعالى من عدو كما حذرنا من الشيطان الرجيم، في أكثر من سورة، وفي أكثر من آية، يبين الله تبارك وتعالى لنا خطورة الشيطان علينا، وكيده لنا، وحقده علينا، وحسده لنا، ومما قاله جل جلاله سبحانه، قوله جل وعلا: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}، وقال أيضا: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء}، وقال أيضا: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} إلى غير ذلك من النصوص القرآنية التي تبين لنا مدى حقد الشيطان على المؤمنين، ومدى حرصه على إغوائهم وعلى إضلالهم وعلى إفسادهم – عياذا بالله تعالى - وهو يستعمل في حربه ضد المسلمين صورتين:

الصورة الأولى: حرب الشهوات، وأقصد بالشهوات المعاصي الظاهرة التي يزينها للإنسان كما بين الله تبارك وتعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون}، يزين للإنسان المعاصي بأنواعها، بل قد يزين له الكفر - والعياذ بالله تعالى – ويجمل في نظره المعصية، ويجمل في نظره الحرام، ويجعل له مذاقا خاصا وطعما متميزا حتى يقع الإنسان في هذه المعاصي فيتدنس ويتلطخ بهذه الآثام وتلك الأوزار القذرة التي تجعل موقفه حرجا بين يدي الله تعالى.

والصورة الثانية من صور حربه المشؤومة القذرة إنما هي: حرب الشبهات، والشبهات أقصد بها هي تلك التي يقذف بها في قلب المؤمن والمؤمنة، فيجعله يعيش في دوامة وقلق واضطراب وتوتر وعدم راحة واستقرار، كتلك التي وردت في رسالتك.

فهذه الصور كلها إنما هي نوع من حرب الشيطان على قلبك، لأنه عجز عن إفساد ظاهرك بالمعاصي، فركز حربه كلها على قلبك لإفساده بهذه الشبهات حول ذات الله تبارك وتعالى وحول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم – وحول اليوم الآخر وحول الجنة والنار، إلى غير ذلك. ولذلك لا بد أن تعلمي أن هذا الذي تعيشينه إنما هو نوع من كيد الشيطان، وكيد الشيطان يكون بالاجتهاد في دفع هذه الوساوس وعدم الاستسلام لها، لأنها حرب، ولا يعقل أن يهجم علي عدوي وأنا أسلمه قربتي.

وإنما كما تعلمين - خاصة وأنك من أبناء فلسطين المباركة المجاهدة – أنكم رغم ظروفكم الصعبة تجد أن كل الناس يقاومون بكل ما أوتوا من قوة وعلى قدر استطاعتهم، ولم يستسلموا، ولن يستسلموا - بإذن الله تعالى – أبدا لليهود المغتصبين الذين استحلوا الأرض وهتك العرض وعاثوا في الأرض فسادا، وإنما يقاومون وفق إمكاناتهم وقدراتهم المتاحة، وأنت كذلك – يا بنيتي – عليك هذا الأمر، أن تقاومي هذه الأفكار وألا تستسلمي لها، وأن تعلمي أن كلها من كيد الشيطان، وأنه ليس فيها من حقيقة مطلقا، وإنما هي نوع من الكذب والهراء والغواية والضلال والإفساد الذي يريد الشيطان أن يجعلك تعيشين حبيسة في داخله ليفسد علاقتك مع الله تعالى، ويفسد علاقتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وليجعل فهمك للآخرة فهما مبتورا يترتب عليه التفلت من التكاليف الشرعية، وبالتالي الوقوع والدخول في جهنم - والعياذ بالله - كما ذكرت.

فهذا الذي تذكرينها في رسالتك، كل هذه المظاهر إنما هي نوع من حرب الشيطان، فعليك مقاومتها وأن تتأكدي أن كلها باطل، وكلها زيف وضلال، وكلها كذب وافتراء، ويجب عليك ردها بكل ما أوتيت من قوة ودفعها حتى لا تستقر في نفسك.

الأمر الثاني: مسألة أن الله تبارك وتعالى يؤاخذك بما حدثت به نفسك كما ذكرت في الآية، أقول لك: أبشرك بأن هناك حديث واحدا نسخ هذه الآية، والعلماء يقولون ما نسخ حديث آية إلا هذا الحديث، ألا وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (لا يؤاخذكم الله بما حدثتم به أنفسكم)، فحديث النفس الذي يدور في داخل نفسك يا بنيتي - بإذن الله تعالى – معفو عنه، ولا يؤاخذ الله تعالى العبد به، فهذه الأشياء كلها - بإذن الله تعالى – لن تعاقبي عليها لأنها خارجة عن إرادتك، وهي نوع من السموم التي يقذفها الشيطان في قلبك.

ما دمت مطمئنة بالإيمان، وما دمت حريصة على التخلص منها، فأبشري بخير، بل واعلمي أن مجاهدتك لهذه الوساوس هو نوع من الجهاد الكبير في سبيل الله تعالى، كما قال الله جل وعلا: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، فأبشرك بأنك - بإذن الله تعالى – لن يؤاخذك مولاك على تلك الأفكار مطلقا ما دمت تكرهينها وتبغضينها، وما دمت تحبين الله ورسوله.

ولكن عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يصرفها عنك، وعليك بالإكثار بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كما عليك بالمحافظة على أذكار الصباح والمساء بانتظام، وعدم تركها مطلقا، كذلك عليك بالاجتهاد أن تقرئي وردا من القرآن الكريم يوميا ولو كان صفحة واحدة، عليك كذلك بطلب الدعاء من والديك أن يعينك الله على هذه المعركة حتى تنتصري فيها على عدوك اللدود الشيطان الرجيم، كما عليك بعدم الاستسلام لهذه الأفكار، وعليك بمقاومتها قدر استطاعتك، فكلما جاءت هذه الأفكار وبدأت تشعرين بأنها بدأت تدخل إلى ذاكرتك حاولي تشتيتها بكل ما أوتيت من قوة، وذلك بالنظر يمينا أو يسارا أو الانشغال بقراءة كتاب أو شريط أو مجلة – أو أي شيء – المهم ألا تستسلمي لها، وأبشري بفرج من الله قريب.

ونسأل الله أن يزيدك إيمانا على إيمان، وأن يصرف عنك كيد الشيطان، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات