السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعلم كيف أبدأ، لكن أنا تخرجت من ثانوية تحفيظ القرآن الكريم، والتحقت بالجامعة لمدة سنتين، وطلعت منها بسبب الظلم في الدرجات، وقررت أن أسافر إلى بلاد أوروبية، وسافرت مع أخي، والآن خائفة من المستقبل، ومن التخصص نفسه، لا أعلم هل أستطيع المواصلة، لأنني أرى الناس أذكى مني، وهذا إحساس يأتيني، لا أعلم لماذا أشعر بذلك بالرغم أن نسبتي 98 % في الثانوية وأتمنى أن أجد حلا.
شيء آخر: تعبت من الصحبة، ومن الصديقات، كلما أتعرف على صديقة أجدها غير ملتزمة، بسبب مكالمات مع شباب أو أسلوبها فيه نوع من قلة الاحترام، تعبت حقيقة، وأنا أتمنى صحبة صالحة تعينني على الخير؛ لأن الصحبة الطيبة سمعة، وكذلك تذكرني بالله، في الغربة تعرفت على بنتين لكن ليسوا بنفس أخلاقي أبدا، فهل أصبر معهن وأتحمل لأنني في الغربة وربما هذا أفضل الموجود أم لا، بماذا تنصحونني؟
وفقكم الله ورعاكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونسأل الله أن يرفع عنك الظلم، وأن يرفع الظلم عن أبناء وبنات هذه الأمة، وعن كاهل هذه الأمة، وليت الظالم يدرك أنه سيقف بين يدي الله تبارك وتعالى.
أما والله إن الظلـــم لـــوم *** وما زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصوم
فتعلم في المعاد إذا التقينا *** غدا عند المليك من الظلوم
ولا شك أننا نشعر بالمرارة الزائدة للظلم عندما يدخل في ساحات العلم والمعرفة والتعليم والتربية، لأن هذا له آثار سالبة وآثار خطيرة، إذا كنا نزور الدرجات العلمية في المدارس فإننا نقدم للمجتمع قيادات مزورة، ونكذب على أنفسنا، وهذه من الجرائم الكبرى في حق الأمة عياذا بالله تبارك وتعالى.
ونتمنى ألا يكون الأمر مستمرا، وأن تكوني آخر من ظلم، وأن يتوب من ظلمك ويعود إلى الله تبارك وتعالى، حتى لا يمتد الأسى والشر في أمة النبي - عليه صلوات الله وسلامه – حتى لا تمتد هذه الشرور في هذه الأمة، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، والظلم لا يبقي شيئا ولا يذر، والعياذ بالله تعالى.
أما وقد خرجت من هذا النفق المظلم، ومن هذا الوضع الذي تشعرين فيه بالظلم وسافرت مع الأخ فأرجو أن تصبري على الوضع الجديد، وحاولي أن تكون لك دائما عزيمة، والذي وفقك بالأمس فأحرزت هذه الدرجات المرتفعة سيوفقك إذا لجأت إليه وتوجهت إليه، واعلمي أن الصعوبة قد تكون في البداية، لكن الأمور ستأخذ وضعها الصحيح.
ننصحك بكثرة اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وبطلب معاونة الأخ الشقيق الذي معك، وقبل ذلك وبعده بالمحافظة على حجابك وحشمتك وطاعتك لله تبارك وتعالى، فإن المعاصي تنسي العلم، ونشكر لك أيضا هذا الحرص على مصادقة الصالحات، فابحثي عنهن، واجتهدي في البحث عن صديقات صالحات، أما الضعيفات، أما من عندهن نقص فعليك أيضا ألا تبتعدي عنهن كثيرا، وإنما يكون دورك النصح والإرشاد لهن والوقوف إلى جوارهن، وتذكيرهن بالله تبارك وتعالى.
وأرجو أن تحافظي على ما كنت عليه من الخير، ومن البعد عن الشباب، فإن في الشباب ذئاب، وأيضا حتى لو كانوا طيبين فإن الشريعة لا تبيح للفتاة أن تتكلم مع شاب – أو رجل – أجنبي عنها، أي كل من يجوز له أن يتزوج بالفتاة، فلا صداقة مع الشباب إلا في إطار الزوجية أو في إطار المحرمية.
إذا كان هناك شاب رغب في فتاة صالحة فإن الشريعة تدعوه إلى أن يطرق باب أهلها، وأن يطلب يدها رسميا، فإن وافقوا فكانت الخطبة، وبعد ذلك يستطيع أن يكلمها في حضورهم، ثم يستطيع أن يرتبط بها بالزواج الشرعي، أما أن يتكلم معها أو تتكلم معه أو يتوسعا في المراسلات والمكالمات والضحكات والخضوع بالقول، فهذا لا ترضاه الشريعة التي تصون الأعراض وتحافظ على عرض كل فتاة، والفتاة كالثوب الأبيض، والبياض قليل الحمل للدنس، والإنسان يتأثر بأصدقائه، وتتأثر الفتاة بصديقاتها ولابد؛ لذلك أرجو أن تحافظي وتصري على الشروط المرتفعة في اختيار الصديقات الدائمات.
أما بقية الأخوات ممن فيهن تقصير، ممن لا تخلو إحداهن من الخير، فأرجو أن تكوني لها ناصحة مرشدة، وعاونيها وشاركيها فيما تذهب إليه من الخير، وابتعدي عنها عندما تدخل في دائرة المعصية والغفلة عن الله تبارك وتعالى.
نتمنى لك كل توفيق وسداد، ونتمنى أن تعودي ناجحة وتأتي بخير كثير لأمتك وبلدك، فنحن في انتظار أمثالك من الصالحات، ولم تستطع الفتاة أن تقدم خيرا لنفسها أو لمجتمعها أو لبلدها إلا إذا تمسكت بدينها وحجابها وسترها، وراقبت الله تبارك وتعالى في سائر أحوالها، فإننا في زمان الفتن الكثيرة كقطع الليل المظلم، ولكن هنيئا لمن كانت قابضة على دينها كالقابض على الجمر، وهنيئا لمن صرفت نفسها إلى العلم، وهنيئا لمن ارتبطت بالله، وهنيئا لمن بحثت عن الصالحات، لا تصادق إلا الفتيات، وفي الفتيات لا تقبل إلا بالصالحات، كما قال عمر لولده: (واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من خاف الله تبارك وتعالى).
نتمنى أن نسمع عنك الخير، ونسأل الله أن يوفقك للسداد والتوفيق لما يحبه ربنا ويرضاه، وسوف نكون سعداء إذا جاءتنا تفاصيل أكثر عن الظلم الذي تعرضت له، وعن الوضع الذي أنت فيه، وعن دور هذا الشقيق في معاونتك على الدراسة، وعن إصرارك وقدرتك على إظهار ما عندك من دين وحجاب وسمت وستر في ذلك البلد الذي تدرسين فيه؛ لأن للدراسة في الخارج شروط، أولها المحافظة على الدين، والقدرة على إظهار الدين، وألا نطيل المكث في بلاد أولئك الأقوام، وأن تكون الدراسة أيضا نحن بحاجة لها، وألا يكون في الدراسة مصادمات للشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها، وأن يكون الطالب والطالبة داعية للإسلام يؤثر ولا يتأثر، إلى غير ذلك من الشروط المهمة التي أرجو أن تكون متوفرة فيك وفي الشقيق الذي معك، وفي سائر أبناء هذه الأمة الذين يدرسون في بلاد الغرب، وأن يعتزوا بدينهم، وأن يكونوا بأخلاقهم دعاة إلى الله تعالى لأولئك القوم.
نسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد، والحفظ لكم جميعا، ونتمنى أن نسمع عنك الخير ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودعائه، وأن يحفظكم ويسددكم، هو ولي ذلك والقادر عليه.