السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة بعمر 28 سنة، ولم أتزوج، ولم أتوظف، بالرغم من أني قد تخرجت من الجامعة، ولكني كنت من قبل وأنا في الجامعة أصلي كثيرا، وأدعو الله، ولكني الآن قد تغيرت، وأصابني التفكير الدائم والاكتئاب مما يحدث لي، على الرغم من محاولاتي الدائمة للرجوع إلى الصلاة، وقراءة القرآن، إلا أنني أعود للصلاة يوما أو يومين ثم أرجع كما كنت، بالرغم من أني أساعد أمي كثيرا، وأساعد إخوتي أيضا في كل شيء في حياتهم، ولكني دائما ما أتخاصم مع أمي وأبي بسبب أنهم لا يريدون مني أن أتأثر أو أغضب، ولكن ليس بيدي، حتى هم لابد أن يقدروا نفسيتي، فأنا أواجه الناس والمجتمع، وكل زميلاتي قد تزوجن وتوظفن.
أرجوكم أن تساعدوني بما يروح عن قلبي، فأنا دائما أفكر بأنه قد يكون بسبب النقص الحاصل في ديني، وأن الله يعاقبني، وأني لم أعد أتعامل مع أهلي كما كنت، ولكني محاطة بالإحباط من كل جهة.
أرجوك ساعدني، فهل للصلاة على النبي فضل في تسريع الزواج؟ مع أني أصلي على النبي وأحيانا كثيرة أتركها!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدايا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك، يكون عونا لك على طاعته ورضاه، وأن يخرجك من هذا الوضع الذي أنت فيه إلى الوضع الذي كنت عليه وأفضل، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك – أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الظروف المحيطة بك تلعب دورا كبيرا في هذه المشكلات التي تعانين منها والتي ذكرتها في رسالتك، فأنت عندما كنت في الجامعة كنت مملوءة طموحا وأملا في أن تكوني كغيرك من الطالبات، وكانت لديك آمال أن يمن الله عز وجل عليك بعد التخرج بالزواج أو بالوظيفة، ولكن مرت عليك سنوات وسنوات، في حين أن غيرك قد قدر الله لهن ذلك، وأنت لم يتحقق لك هذا الأمر إلى الآن.
مما لا شك فيه أن هذا الوضع يؤثر على نفسية أي إنسان، مهما كانت ثقته في نفسه، ومهما كان إيمانه، ومهما كان يقين قلبه، فإنه يتأثر بمثل هذه الأمور ولكن بنسب، فكلما كان الإنسان أقوى إيمانا، وأكثر علما، كلما كان أعرف بقضية الإيمان بالقضاء والقدر، وأحسن الظن بالله تعالى، كلما كان أقل مشاكل، وقد لا يعاني من المشاكل أصلا؛ لأنه يعلم أن الأمر بيد الله تبارك وتعالى وحده، وأن الله على كل شيء قدير، وأن الله إذا أراد شيئا كان.
هذا الذي تعانين منه شيء طبيعي، نتيجة الظروف المحيطة بك من عدم الزواج ومن عدم الوظيفة، وهذا الأمر انعكس مما لا شك فيه على علاقتك بأهلك، فأنت كنت سابقا على علاقة حسنة بوالديك وأسرتك، لأنه لم تكن لديك هذه المشكلات المعقدة التي أصبحت جزءا من حياتك، ولكنك الآن أصبحت تعانين داخليا وهم لا ينتبهون لهذا، على اعتبار أنهم ينظرون إلى الظاهر من أنه لا ينقصك شيء، وأنك معززة مكرمة، وأنك محفوفة بعناية والديك، وأنك تأكلين وتشربين وتلبسين ولا توجد هناك مشكلة، هم ينظرون إلى الحياة على أنها هكذا، ولكن قد يتغافل أو قد يغفل أو قد لا ينتبه بعض أولياء الأمور إلى أن المشاكل الداخلية تجعل الحياة مهما كانت سعادتها جحيما لا تطاق، لأن القضية ليست قضية أكل أو شرب أو نوم أو لبس أو غيره، وإنما القضية قضية حاجات تحتاج إلى إشباع، ورغبات تحتاج إلى تحقيق.
هذه الجوانب قطعا والدك ووالدتك وكذلك أهل الأرض جميعا لم ولن يستطيعوا القضاء عليها إلا بالطرق التي وضعها الله تبارك وتعالى في الأرض، فمهما كانت علاقة الأب بابنته لا يستطيع أن يعوضها عن الزوج الحلال أبدا؛ لأن الأب له دور، والزوج له دور، والأب يشبع رغبات معينة، والزوج يشبع رغبات أخرى تختلف تماما عما يحققه الأب.
لذا أقول لك: عليك بالصبر الجميل، لأن الصبر هو مفتاح الفرج، والصبر ليس علاجا سلبيا، وإنما هو علاج إيجابي؛ ولذلك أمرنا به الله تبارك وتعالى، بل إن النبي - عليه صلوات الله وسلامه – نص صراحة بقوله: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا) فعليك بالصبر الجميل، وعليك بمحاولة العودة مرة أخرى إلى ما كنت عليه من الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن، واجتهدي. كونك الآن تبدئين ليومين أو ثلاث ثم تتوقفين، هذا لا يجعلك تتوقفين نهائيا، وإنما واصلي الاجتهاد وواصلي الأخذ بالأسباب، وحاولي أن تغيري من ظروفك الحياتية اليومية، بمعنى أن تقدمي أو تؤخري بعض الأمور، حتى تعطي نفسك فراغا كافيا للعودة إلى قراءة القرآن وإلى الإكثار من الصلاة، كما كنت تفعلين سابقا.
الأمر ليس مستحيلا، ولكن قد يكون فيه بعض الصعوبة في الأول، إلا أنه - بإذن الله تعالى – يمكن أن يتحقق في فترة وجيزة وبسيطة - بإذن الله تعالى -.
أتمنى فعلا أن تكثري من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم – بنية أن ييسر الله أمورك كلها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال للذي قال له: أأجعل لك صلاتي كلها يا رسول الله؟ فرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم – قائلا: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك)، فكل شيء يهمك في الحياة سيكفيك الله تبارك وتعالى أمره ببركة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم –.
أهم شيء أن تجتهدي في المحافظة على المستوى الذي كنت عليه سابقا من قراءة القرآن ومن الصلاة، وأن تحاولي أن تصبري على التصرفات المزعجة التي قد تصدر من أحد أفراد أسرتك، وأن تلتمسي الأعذار لوالديك، لأنهما لا يستطيعان أن يقدما أكثر من ذلك، وهما لا ينتبهان لأنك تعانين مشكلة داخلية، لأن الأب والأم تركيزهما في الغالب يكون على الحياة الظاهرة.
بمعنى أنه ما دام ليس هناك شيء ناقص تجاهك، وما دمت تعيشين في أسرة محترمة، معززة، مكرمة، فلماذا الأزمة النفسية؟ ولماذا الإحباط؟ هم لا يشعرون أو لا ينتبهون؛ لأن هناك رغبات داخلية مكبوتة محرومة هي التي تتفجر كالبراكين ما بين فترة وأخرى.
عليك بالتماس الأعذار لهما، وعليك بالإكثار من الصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام - واجتهدي في العودة إلى ما كنت عليه، حتى وإن كنت تؤدين القراءة بصفة متقطعة، إلا أن هذا أفضل من الانقطاع نهائيا، وأكثري من الدعاء أن الله تعالى يمن عليك بالعودة إلى ما كنت عليه من الدين، والصلاح، وقراءة القرآن، وكذلك أيضا اجتهدي في الدعاء أن الله تعالى يصلح ما بينك وبين والديك، واجتهدي كذلك في الدعاء أن يمن الله عز وجل عليك بالزوج الصالح أو بالعمل الطيب المناسب الذي لا يتعارض مع الشرع، والذي يكون فيه نفع لك وللمسلمين.
وبالله التوفيق.