السؤال
السلام عليكم.
بفضل الله علي ختمت القرآن حفظا منذ عدة أشهر، وبعد أن حفظته انقطعت عن المراجعة، وبدأ يتفلت مني بسبب انشغالي بأمور حياتي وعملي، فكيف أراجع ما نسيته وأبدأ مراجعة القرآن؟ مع صعوبة ذلك؛ لأن حفظ ومراجعة القرآن تحتاج لذهن صاف، وأنا دائما مهموم بأمور حياتي وعملي وتأخذ كل مجهودي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبده حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يعينك على حفظه وعدم نسيانه، وأن يجعله شفيعا لك وسقاء لك إلى جناته جنات النعيم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإن القرآن الكريم هو حبل الله المتين، إذا أنعم الله على عبده بحفظه يحتاج إلى متابعة بانتظام، وأن يكون ذلك وفق برنامج يومي، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – أخبرنا بقوله: (تعاهدوا القرآن، فإنه أشد تفلتا من الإبل في عقلها) بمعنى أنه عند أقل غفلة تجد أن القرآن يبدأ يذهب شيئا فشيئا، كلما كان الحفظ أمتن وأقوى كلما كانت درجة النسيان أقل، أما إذا كان الحفظ سريعا وعاجلا - خاصة مع تقدم السن – فإن سرعة النسيان تكون أشد وأقوى، لذلك أهل العلم وأهل القرآن يحرصون على قراءة خمسة أجزاء من القرآن يوميا مراجعة حتى يحافظوا على القرآن، يقولون (لا يمر أسبوع إلا وقد مررت على القرآن كله).
ومن هنا فإني أقول - أخي الكريم الفاضل -: إن حفظ القرآن نعمة، من أجل النعم، وعطية من أعظم العطايا، فأنت رجل قد من الله عز وجل عليه بنعمة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدوك عليها بالسيوف، أن يجعل الله صدرك وعاء لكلامه هذه (والله) أفضل من أعظم شهادة يحملها الناس في تلك الحياة. القرآن الكريم الذي يجعلك يوم القيامة في منزلة عظيمة عبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) ومن الأمور العظيمة جدا نسيان القرآن، لأن هذا كما لو كان نوع من الإهمال ونوع من التفريط في هذه النعمة، وأنا أقول لك: لو أن الله منحك مالا هل أنت - بالله عليك – سترضى نفسك أو تقبل أن تبدد هذا المال وأن تتخلص منه دون أي ترتيب أو عقل، وأن تعطيه من شاء وأن تنفقه يمينا ويسارا ثم لا يبقى معك منه شيء؟! أعتقد ستقول لي (لا وألف لا) لأن المال عزيز، والقرآن أعز من المال، كيف بي لا أقبل أن أفرط في المال وهو من المآل والزوال وفي نفس الوقت أقبل أن أفرط في القرآن الذي هو كلام رب البرية جل جلاله سبحانه؟!
فعليك - أخي الكريم الفاضل – بضرورة وضع برنامج يومي للمراجعة، إن لم يتيسر لك خمسة أجزاء فحسب ظروفك، ولكن لا يقل عن الأقل عن جزئين أو ثلاثة أجزاء يوميا، ولو في الطريق إلى العمل، وإذا كانت هناك فرصة في العمل بما لا يتعارض مع مصلحة العمل لا مانع، إذا كنت في المواصلات فلا مانع، المهم أن تقرأ على أي صفة وعلى أي طريقة، وأن تجعل القرآن الكريم واجبا يوميا كالطعام والشراب والصلاة، أمر منظم، وتجعل وقته لا يتم الاعتداء عليه بحال من الأحوال، ولا تجعله حسب الظروف، وإنما اجعله برنامجا يوميا ملزما دائما ثابتا، وبإذن الله تعالى سوف يعود لك القرآن، وببركة القرآن سوف يبارك الله لك في رزقك، ويبارك لك في أهلك، ويبارك لك في مالك، ويبارك لك في ولدك، ويبارك لك في بيتك، ووالله سوف تحظى بنعم لا تعد ولا تحصى، وببركة قراءة القرآن في بيتك ستزورك ملائكة الله جل جلاله، والبيت الذي تحضر إليه الملائكة يتعذر على الشيطان أن يدخله، وبذلك ستعيش في جنة قبل الجنة، وفي نعيم قبل النعيم.
خذ بنصيحتي واجتهد، واجعل مراجعة القرآن أمرا يوميا كالطعام والشراب والصلاة، ولا تجعله حسب الظروف والأحوال كما ذكرت لك، وبذلك سوف تشعر بأنك بدأت تراجع وبدأت تستعيد الحفظ الذي كنت عليه، إضافة إلى ذلك عليك بالدعاء والإلحاح على الله ألا يحرمك الله منزلة أهل القرآن ولا درجة أهل القرآن الذي قال فيهم: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} فهو اصطفاء من الله لحفظة كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يعيننا وإياك على طاعته ورضاه، وأن يجعلنا وإياك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.