السؤال
السلام عليكم
أنا طالبة جامعية، تعرفت عبر الإنترنت منذ شهرين على شاب، وهو محترم جدا، ونتكلم في إطار الأخوة، أناديه أخي ويناديني أختي.
أنا أعلم أن الكلام مع رجل أجنبي حرام مهما كان نوع العلاقة، فماذا أفعل؟
أريد التخلص من الكلام معه، ولكن في نفس الوقت قلبي لا يريد ذلك، لأنه يخفف من أحزاني في بعض الأيام، وينصحني بالخير دائما.
تراودني أحيانا نفسي بأن أبعث له بصورتي لكي يعرفني إذا تقابلنا في المستقبل، أنا أعلم أن هذا من حبائل الشيطان.
أرجو المساعدة، أنا أريد حلولا؛ لأنني أعلم أن الذي أفعله حرام، ويجب التوقف عن ذلك ولكن كيف؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مرام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، وهذه المشاعر النبيلة التي دفعتك للتواصل والسؤال، فإنما شفاء العي السؤال، ولعل في مجرد التواصل ومجرد التفكير بهذه الطريقة دليل على أنك على علم بأن ما يحصل غير صحيح، فالإثم ما حاك في الصدر وتلجلج فيه، وكره الإنسان أن يطلع عليه الناس، وإن أفتاك الناس وأفتوك.
أرجو أن تعلمي – ويعلمن جميع بناتنا ويعلم أبناؤنا الكرام – أن هذه الأحزان والصعوبات التي تواجهك الآن أيسر بكثير من الصعوبات والأحزان التي ستتوالى في حال الاستمرار في هذه المخالفة الشرعية، فإن للمعصية شؤمها وآثارها المدمرة على نفس الإنسان، فإن للمعصية ضيقا في الصدر، وبغضا في قلوب الخلق، وقبل ذلك بغضا من الله تبارك وتعالى الذي لا يحب من يعصيه سبحانه وتعالى، وكذلك أيضا هي سبب للتعسير في الرزق والتكدير والصعوبات التي تواجه الإنسان في حياته.
أرجو أن تعلمي أن القرار صعب، لكن أصعب منه الاستمرار، والأصعب منه اتخاذ هذا القرار في وقت متأخر، ومثل هذه العلاقة تشوش على الإنسان سعادته وحياته من أولها إلى آخرها، فإن الفتاة إذا استمرت في مثل هذه العلاقة المحرمة ستحرم من لذة العلاقة الحلال عندما تتزوج، ولن تجد الحلاوة في أسرتها والسعادة في بيتها، لأن هذه عقوبة الله تبارك وتعالى لمن يعصيه، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقال سبحانه وتعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} العذاب الأليم في الدنيا هو أن يفقد الإنسان لذة العلاقة الحلال المباحة، الزواج الحلال عندما يتهيأ له، وهذا يحدث للذين أسرفوا على أنفسهم، وتوسعوا في علاقات عاطفية قبل الزواج.
الإسلام لا يبيح هذه العلاقة، وهي من الخطورة بمكان، وقد ثبت حتى لغير المسلمين أضرار مثل هذه العلاقات، وأنها المسؤولة عن الفشل بعد الزواج، لأنهم قالوا: العلاقات العاطفية - خارج الأطر الرسمية عندهم والشرعية عندنا – هي المسؤولة عن أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من الفشل في الحياة الزوجية، وحتى النسبة المتبقية – خمسة عشر بالمائة – يعيشوا في جحيم وتعاسة، لأن الشيطان الذي جمعهم على المخالفات وجمعهم على الكلام الحلو والذي جمعهم عندما زين لهم هذه المخالفة، هو الشيطان الذي يأتي ليغرس الشكوك فيقول: (كيف تثق بها وقد كلمتك) ويقول: (كيف تثقين في هذا الشيطان، ربما يكون له أخريات) فحذاري أن تستمري في هذا الطريق، وسارعي - مجرد قراءة هذه الاستشارة - بالتوقف، وتجنبي أبدا الفكرة الشيطانية التي يريد بها الشيطان أن يضعك في طريق الهاوية، لأن بعث الصورة وإرسالها من الخطورة بمكان.
لذلك نحن نتمنى أن تتوقفي فورا عن هذه العلاقة، وتعودي إلى الله تبارك وتعالى، وتشغلي نفسك بالمفيد، وإذا لاحظت أن الشاب يميل إليك فما عليك إلا أن تتوقفي وتبتعدي، وتطلبي منه أن يطرق الباب ويقابل أهلك الأحباب، واعلمي أن الرجل يجري وراء المرأة التي تجري منه وتلوذ بعد الله بإيمانها وحيائها وعفتها، والفتاة التي تتأبى على الرجل تنال رضا الله، وثقة أهلها، وثقة الرجل، بخلاف التي تقدم التنازلات وتتواصل بالكلمات، فإن أول من يحتقرها هو الذي يتواصل معها، والذي غالبا ما يكون من النوع الذي يريد أن يقضي وقتا، لأنه عندما يريد أما لعياله وحارثة لبيته، لا يمكن أن يرضى هذه التي تواصلت معه وتكلمت معه وضحكت معه، وأعطته الأسرار دون أن يكون هناك رابط أو غطاء شرعي لهذه العلاقة.
نحن ندعوك إلى أن تحكمي العقل بعد تحكمك للشرع الذي يرفض هذه العلاقة جملة وتفصيلا كما أشرت من خلال الاستشارة، وقد أفلح من انتهى إلى ما علم، فكيف إذا كان هذا الأمر من شريعة الله تبارك وتعالى، ومن الأمور الخطيرة جدا، فإن الفتاة مثل الثوب الأبيض، والبياض قليل الحمل للدنس، وحق للفتاة أن تخاف على عفتها وسمعتها وشرفها وحيائها، وينبغي ألا نستعجل السير قبل أوانه حتى لا نحرم التوفيق ونعاقب بحرمانه، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
مرة أخرى: نقدر المعاناة والصعوبات، لكن أيضا هذه أيسر بملايين المرات من الإشكالات التي يمكن أن تحصل في حال التمادي والمخالفة والإصرار في السير في هذا النفق المظلم، والعاقلة من اتعظت بغيرها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحول بينك وبين الاستمرار في هذا، وأن يعصمك من الزلل، وأن يردك إلى الحق وإلى الصواب.
أرجو كذلك أن تتوقفي، وعليك أيضا – وعليه أيضا – التوبة النصوح، وبعد ذلك إن كان صادقا وأرادك فعليه أن يأتي داركم من الباب، وعند ذلك الشريعة لا تتيح لك فقط الكلام وإنما تشاهديه ويشاهدك، في النظرة الشرعية التي أمرت بها الشريعة، لأن الشريعة تبني على قواعد ثابتة، لا تبني على المجاملات ولا على الكلام الجميل الذي يحسنه كل أحد، فإن في الشباب ذئاب، ومشكلة الفتاة أنها تصدق، وأنها بريئة، وأنها عاطفية، وأنها تصدق كل ذئب، وكل كلمة جميلة تسمعها تصدقها، لكن هؤلاء فيهم ذئاب، هؤلاء فيهم أشرار، ويكفي من الشر والسوء أنه رضي أن يتسلل كاللص من وراء الناس عبر هذه الشبكة العنكبوتية التي فيها كثير من الشر وقليل من الخير.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستخدم الخير الذي فيها، وأن يجنبنا وأبنائنا وأسرنا وإخواننا وأخواتنا من شرور هذه الشبكة العنكبوتية وما فيها من آفات، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يردك إلى الحق ردا جميلا، ومثلك - إن شاء الله تعالى – تلوذ بإيمانها وتعود إلى ربها، والله تبارك وتعالى يدافع عنها ويهيئ لها الخير.
نسأل الله أن يهيأ لك زوجا يسعدك في هذه الدنيا، بل تكون سعادة إلى الآخرة لتكونوا في جنة الله تبارك وتعالى، وهكذا الأسرة في الإسلام، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.