السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا كثيرا ما أتعرض لمعاكسات من الشباب، منهم من يطلب الرقم، ومنهم من يقوم بملاحقتي، ومنهم من يقوم بمراقبتي من بعيد! ومنهم من يعرض علي الزواج.
أنا كرهت هذه الأمور التي تحدث معي، علما بأن لبسي محتشم، وعلما أني أتعرض لهذه المواقف عندما أنتظر أهلي في مكان عام في الجامعة، وعند أهلي لم أستطع أن أحكي لأمي بما حدث، لأنه ينتابني الخوف والخجل منها، لأني خجولة جدا، وليس لدي أخوات.
أحكي هذه القصص فقط لزميلاتي، وأريد أن أعرف شيئا، وهو أنه دائما ما يقول لي الشباب إني أعجبتهم بأخلاقي، ويريدون أن يتعرفوا علي، فأخبرهم بأن هذا حرام ولا يجوز، فيقول أحدهم لي كيف سأعرف طباع البنت التي ستكون زوجة لي في المستقبل؟ لابد أن أعرفها قبل!
هل إذا تحدث إلي شاب بغية أن أقنعه بأن يرحل عني فأنا لست فتاة مناسبة لذلك، فذلك حرام؟! وأنا كما قلت أنتظر أهلي دائما في ذلك المكان، وهو مكان عام في الجامعة.
شكرا، وجعله الله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نرحب بك ابنتنا الفاضلة في موقعك، ونسأل الله لك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، نسأل الله أن يزيدك حرصا وخيرا وثباتا، وقد أحسنت فلا تقدمي أي تنازلات للشباب.
واعلمي أن الرجل يحتقر المرأة التي تقدم له تنازلات، فالرجل يجري وراء المرأة التي تلوذ بإيمانها وحجابها وحيائها، وتطالب الناس بالمجيء إلى بيتها من الأبواب ومقابلة أهلها الأحباب، هذه ترتفع منزلتها عند الرجل، ولعل هذا هو السر في حرص الكثيرين على الارتباط بك، فإن المرأة كلما ازدادت تمسكا بالدين كلما ازداد تمسك الشباب بها.
هؤلاء الشباب الذين عندهم تقصير فإنهم حين يريد أحدهم أن يختار زوجة لا يمكن أن يختار صاحبة الأمس، ولا يمكن أن يختار من بادلته الضحكات، ولكنه سيختار العفيفة الطاهرة، فإن الشباب يريد قضاء وقت مع هؤلاء الفتيات المقصرات، لكن الفتاة التي تلوذ بإيمانها، التي تصر على ألا تنشئ أي علاقة إلا من خلال ضوابط شرعية، فإن هذه الفتاة تحترم وتنال ثقة الشباب، وتنال ثقة أهلها، والأهم من ذلك أنها تنال رضوان الله تبارك وتعالى.
اثبتي على ما أنت عليه من الخير، واعلمي أن زعم الشباب بأن التعارف مهم، هذا التعارف لا يعطي نتيجة، لأن كثيرا من الشباب يكذب على الفتاة وهي تكذب عليه، تأتي بأجمل ثيابها، تبتسم بأجمل ابتسامات مكلفة، ربما يستعير ثيابا ليرتديها، أو سيارة يركبها، فكله يقوم على الخديعة، ولذلك كان العرب يقولون: الخاطب كذاب، فهو يكذب دائما، ولكن الشريعة وضعت بديلا عظيما جدا، وهو أن الشاب إذا أراد يد الفتاة عليه أن يطرق باب أهلها، ويأتي بأهله.
إذا حصل التعارف والتآلف والموافقة ونظر إليها نظرة شرعية فارتاح إليها وارتاحت إليه، وحصل الانسجام، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، عند ذلك يبدأ مشوار التعارف الفعلي في غطاء شرعي، وهو ما يسمى بالخطبة، يخطب الفتاة، ثم من حقها أن تسأل عن أهله، ويسأل عنها، والإسلام لا يعترف إلا بعلاقة مكشوفة وفق الضوابط الشرعية، بعلم أهل الفتاة، أيضا عبر المجيء للبيوت من أبوابها، أن يكون هدف هذه العلاقة هو الزواج، لأن كثيرا من الشباب يريد أن يقضي وقتا، ولا يريد أن يتزوج، ولكن يريد أن يضحك، وبعضهم والعياذ بالله يريد أن يأخذ أغلى ما عند الفتاة ثم يرمي بها بعد ذلك كالعلكة غير مبال بها.
لذلك أحسنت بهذا الامتناع والتمنع، نسأل الله أن يزيدك ثباتا ورسوخا، وقد أعجبني وأسعدني أيضا أنك لم تخبري الوالدة، فعليك بالثبات على العفاف والحياء، لأن بعض الناس إذا أخبر الوالدة وأخبر الأخ يظن بها سوء الظن، يقول لها: (أنت التي بدأت، ولو كنت محتشمة لما فعلوا، ولولا أنك أعطيت لهم فرصة، وكذا وكذا).
ها هي الفتاة العفيفة التي كانت تطوف بالبيت، تعرض لها عمر بن أبي ربيعة (الشاعر) فعند ذلك ضايقها فقالت له: (اتق الله فأنت في حرم الله) وفي اليوم الثاني جاءها واقترب منها فقالت: (اتق الله) قال: أريد أن أتزوجك؟ قالت له: (اتق الله) وفي اليوم الثالث طلبت من أخيها أن يأتي معها وقالت له: (أنا لا أحسن بعض الأشياء، أريد أن تكون معي حتى أستفهم وأسأل وأعرف بعض الأشياء التي أجهلها) فلما جاء معها ورآها الشاعر (عمر بن أبي ربيعة) هرب وتركها، فأنشدت الفتاة وقالت:
تعوي الذئاب على من لا كلاب له *** وتتقي صولة المستأسد الضاري
ولما سمع المنصور قصتها قال: (ما أعقلها، ما أكمل عقلها) ثم قال: (تمنيت لو أن كل فتاة في خدرها سمعت بهذه القصة).
لذلك نحن نؤيد ألا تخبري الأهل، ولكن أيضا نؤيد هذا الثبات، ونؤيد هذا الخير، ولا مانع من أن تقولي (أنا لا أقبل إلا بعلاقة عن طريق أهلي، والذي يريدني عليه أن يطرق باب الأهل ويأتي بأهله، فإن حصل الوفاق والتوافق فعند ذلك لا مانع من أن تكون العلاقة شرعية تحت سمع الأهل وبصرهم، وهي العلاقة التي ترضي الله تبارك وتعالى).
أبشري بالخير، واحرصي على الثبات، وليعلم الجميع أن ما يزعم به الشباب أنه يحقق المعرفة، لا يحقق المعرفة، لأنه كذب في كذب، لكن عبر الأبواب، بالرباط الشرعي، بعد ذلك تتيح له الشريعة وبمنتهى الوضوح أن يسأل من شاء، من جاراتها، زميلاتها، من أهلها، وهي تسأل عن الشاب، في أهله، في المسجد الذي يصلي فيه، في عمله، في علاقته بين الناس، فإذا حصل التعارف والتآلف والتوافق عند ذلك نقول: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) عند ذلك نقول: (لم ير للمتحابين مثل النكاح).
نسأل الله لك الثبات والخير، ونشكر لك هذا الحرص وهذه الحشمة وهذا الوعي، وسنكون سعداء في حال تواصلك مع الموقع، فنحن لك في مكان الآباء والإخوان والموجهين، ونسأل الله أن يعيننا على خدمة شبابنا والفتيات، وشرف لنا أن نستقبل مثل هذه الاستشارات التي تدل على نضج ووعي وحشمة وحرص، فنسأل الله أن يزيدك حرصا وثباتا وخيرا، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.