السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أعمل بإحدى الجهات المختصة بصرف المعاشات الشهرية للمواطنين، ويعمل معي زميل يقوم باقتطاع جزء من (الفكة) التي تعلو قيمة المعاش أثناء الصرف، وقد رأيته بعيني حيث إنني أعمل معه منذ سنتين فقط، ولكن مديرة المكان تعلم عنه ذلك منذ سنوات، وجاءتها شكاوى كثيرة، فقامت بمواجهته فنشبت بينهما مشاجرة، ولم تتخذ معه إجراء، ثم هدأت الأمور وعاد الأمر على ما كان عليه، وإلى الآن هو مستمر على ذلك.
ما هو الواجب أن أفعله؟ وهل على ذنب بسكوتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذه الغيرة على الدين، والغيرة على مصلحة المساكين، التي دفعتك للسؤال، ونشكر لك الاهتمام بهذه المسألة، ونتمنى أن تجتهد في النصح لهذا الأخ، لأنه يسير في طريق الهاوية، فهذا سحت، وكل جسم نبت من سحت، فالنار أولى به، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، ومن اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة، وأوجب الله له النار – عياذا بالله – حتى قال الصحابة: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: (وإن كان قضيبا من أراك)، أي جزء بسيط من شجر الأراك، فإن ما يأخذه من الملاليم، أو فلسا أو دون ذلك، أو أقل من ذلك دون إذن منهم، ودون رضا منهم هو سحت يدخله على نفسه -والعياذ بالله-.
من واجبك أن تنصح له، وتجتهد في التلطف معه، وتبين له عواقب هذا الأمر، وأن هذه الأمور لا تعود عليه بالخير، لأن الله تبارك وتعالى هدد من يأكل أموال الناس بالباطل والعياذ بالله، وقد يكون في هؤلاء أيتام، والذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، واللقمة الحرام لها أثر كبير جدا على الإنسان، بل على عياله وأسرته، فواجبك هو النصح.
أما بالنسبة للإثم فلا يلحقك إثم خاصة بعد أن عرفت المسؤولة (المديرة) وناقشته واشتدت معه، وعليها أن تتابع هذا الأمر حتى توقف هذا الرجل عند حده، لأنه يأكل الناس ظلما وعدوانا، وهي مسؤولة معه أمام الله تبارك وتعالى؛ لأنه من رعيتها وفي إدراتها، تسأل عنه بين يدي الله تبارك وتعالى، فعليك أن تنصح له هو أولا، وتجتهد في أن يتوب مما يعمل، وتبين له عواقب وخطورة ما يفعل، فإنه قبل النصيحة فبها ونعمت، وإلا فعليك بعد ذلك أن تصل للمديرة أيضا، وتذكرها بضرورة مواصلة هذا الأمر والنصح له، فإن عجزت فعليها أن تتخذ الإجراءات الإدارية بأن ترفع هذا الأمر إلى من هو أعلى منها، وإلا فكل متواطئ، وكل ساكت هو مسؤول عن الجريمة، خاصة الذين هم أعلى منه ممن عرفوا.
أما أنتم كزملاء فواجبكم ودوركم ينتهي عند النصح، لأنه ليس بأيديكم قرار، وليس عندكم سلطة، ولكن نتمنى أن تكرر النصح، وأخذ الأساليب المناسبة، وتوجه له النصيحة، وأن تستر عليه في بداية الأمر، ولا تفضحوه، ولكن تنصحوه، وتحاولوا أيضا أن تذكروه بعواقب وخطورة ما يحصل، فإن أبى، بعد ذلك نتدرج في الوسائل وفق الترتيب الذي ذكرنا.
أرجو أن يعلم كل إنسان تولى مسؤولة مالية أنه سيسأل بين يدي الله تبارك وتعالى عن الدرهم والدينار والقليل والكثير، وأنه لا يجوز له أخذ مال امرئ إلا بطيب نفس منه، إلا برضا، إلا بأن يعلمهم بأن عندك ملاليم زائدة أخذناها، إلا بهذه الطريقة، لكن حتى إن أخذها والرجل لم يسأل لكونه مستحيا أو لكونه لا يعلم، فإن كل ذلك لا يجيز له أكل أموال الناس بالباطل، وهذا نوع من أكل أموال الناس بالباطل وسحت- والعياذ بالله-.
لذلك أرجو أن تواصلوا نصح هذا الأخ، معذرة إلى الله تبارك وتعالى، وتلطفوا معه، وتبينوا له عواقب وخطورة ما يحصل، وأرجو كذلك أن تذكره خاصة وتغتنموا ما يحصل له، لأن الذين يأكلون أموال الناس قد تأتيهم نار تهلك أموالهم، أو يصابون بأمراض خطيرة، واللقمة الحلال أيضا تحول بين الإنسان، وبين طاعة الكبير المتعال، وإذا علم الشيطان كما قال ميمون بن مهران عن الإنسان الذي يأكل الحرام: (قال الشيطان لأجناده: أما هذا فقد كفاكم نفسه) لأنه يأكل الحرام، وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحلال، وأن يجنبك الحرام في ملبسنا، ومأكلنا، ومشربنا، وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يقدر لنا ولكم الخير حيث كان.