السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 23 سنة، رجعت وتبت إلى الله من فترة وجيزة جدا، ما يقارب سنة تقريبا -الحمد لله- أول مرة أشعر بأني متمسك ولا أريد العودة إلى معصية الله.
مشكلتي هي أني أعيش بدولة أوروبية، يكثر فيها الفساد وأنا أسكن فيها منذ 8 سنوات تقريبا.
في البداية كانت لي علاقات محرمة مع أجنبيات من نفس الدولة، وفيما بعد وجدت أنه طريق مغلق، وأنا بعمر 18 سنة قررت أن أحب بنتا عربية، لكي أتزوجها، فأعجبت ببنت كانت معي في نفس المدرسة ومحجبة ومتدينة.
كل ما في الأمر أنه بعد فترة اكتشفت أن لها علاقات سابقة، فأصبحت علاقاتنا شبه جحيم، وأصبحت أشك فيها كثيرا، وهي كانت تحكي لي عن علاقات صاحباتها بأشخاص آخرين، وتنتهي بزواج الشباب من فتاة أخرى.
قررت ترك هذه الفتاة لأني شعرت أنها لا تصلح لي، وبما أني أشك فيها كثيرا قررت الزواج دون الحب، واقتنعت من خلال موقعكم، والحمد لله، وبما أني متواصل القراءة ما يقارب 7 أشهر، قررت السفر إلى دولة عربية، ويوجد لدي الكثير من الأقارب هناك، وبما أن والدي يريد أن يزوجني ويحصنني.
عندما ذهبت إلى هذه الدولة العربية وجدت فيها فسادا كثيرا -إلا من رحم ربي- وليس فيها فتاة لا يوجد لها علاقة سابقة، فتخوفت ورجعت إلى بلدي الذي أسكن فيه, وبما أني أريد الزواج لكن لدي مشكلة، وهي الشك أشعر لو تزوجت واحدة لها علاقة سابقة ستتغير حياتنا إلى الجحيم.
ما هي نصيحتكم لي؟
شكرا، وجزاكم الله كل الخير ووضعه في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ mahmoud حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ويسعدنا أن نهنئك بتوبة الله عليك بهذا الرجوع إلى الله تبارك وتعالى، فاحمد الله الذي أخرجك مما كنت فيه، وأرجو أن تعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهنيئا لك بهذا الرجوع، وهنيئا لك بهذه المشاعر النبيلة التي حملتك للكتابة إلينا.
نحن على استعداد في استقبال الاستشارات والأسئلة والاستفسارات منك ومن أمثالك، فشرف لنا أن نكون في خدمة الشباب التائب العائد إلى الله، بل أن نكون في خدمة شبابنا جميعا، لأنهم أمل الأمة بعد توفيق الله تبارك وتعالى.
نشكر كذلك الحرص على صاحبة الدين، وهذه وصية رسولنا الأمين - صلى الله عليه وسلم – القائل: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وأرجو أن تعلم أن الإسلام لا يمنع الحب ولا يمنع الزواج، ولكن الإسلام يجعل الحب الحقيقي الذي يبدأ بالرباط الشرعي، ويزداد بالتعاون على البر والتقوى ثباتا ورسوخا، ويزداد مع وجود الأبناء محبة ووثوقا.
لذلك فإن الإسلام يريد للشاب إذا ألقى الله في قلبه الميل إلى فتاة أن يطرق باب أهلها، ثم يطلب النظر إليها – النظرة الشرعية – ومن حق كل طرف – كما هو معلوم – قبل ذلك أن يسأل عن أهل الفتاة وعن أسرتها، وأن تسأل هي عن أهله وأسرته، لأن الزواج ليس بين شاب وفتاة فقط، ولكن بين أسرتين، بين قبيلتين، بين بيتين من البيوت، ولذلك ينبغي أن يكون هناك اهتمام بالسؤال والمعرفة، وهذا حق لكل طرف.
لكننا عندما نسأل: ليس من الضروري أن ننبش عن الماضي البعيد، فنحن معنيون بصلاح دين الشاب وبتوبته، وبصلاح دين الفتاة وحجابها وحشمتها وحيائها، أما إذا حاولنا أن نرجع للوراء فإنا نفتح على أنفسنا أبوابا كثيرة، ومن حق الإنسان أن يسأل عن الفتاة وعن زميلاتها وعن جاراتها وعن أحوالها حتى يتعرف عليها، ولكننا لا ننصح بفتح الملفات القديمة، سواء كان للنفس أو للآخرين، لأن هذا يجلب التشويش.
أما إذا تذكر الإنسان معاصيه ولم يكن عنده معرفة فإن الشيطان يجلب له الأحزان، قد يوصله إلى الإحباط، قد يقول له (أنت لن يغفر الله لك) ونحو ذلك من الكلام الذي يجلب على الإنسان غضب الله تبارك وتعالى.
لذلك ينبغي أن ننتبه لهذه المسألة.
وكما قلنا العبرة بصلاح الإنسان وبصلاحها في لحظة الخطبة، والسؤال مطلوب لكل طرف، وهو حق مشاع ومتاح، وبعد ذلك – بعد النظرة الشرعية – إذا وجد الميل فإنه لم ير للمتحابين مثل النكاح، ولأن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
أيضا نريد ونحب أن نذكر بأننا نرفض التعميم، كأن نقول (بنات البلد غير صالحات) أو (بنات البلد صالحات) فالتعميم لا يقبل في مثل هذه الأحوال، فما من بلد إلا وفيه طيبون وطيبات وطالحون وطالحات، إلا فيه خيرون وخيرات، إلا وفيه أشقياء وشقيات وسفهاء وسفيهات، والإنسان ينبغي أن يختار لنفسه الوجهة الصحيحة.
لا مانع في هذه الحالة أن تطلب مساعدة الوالدين ومعرفتهم، فإن الإنسان إذا فاز بصاحبة الدين، ورضيها الوالد ورضيتها الوالدة فإن هذا مما يعين الإنسان على التوفيق بين الواجبات، فالشريعة تأمر الرجل بأن يحسن إلى أهله وأن يحسن إلى زوجته.
كذلك أيضا ينبغي ألا تكون عندك خوف زائد عن اللزوم من المستقبل، وأن لها علاقات، فينبغي أن تطوي صفحة الماضي وتتأكد أن الأصل في الناس هو البراءة، وأن الأصل فيهم هو العفة، خاصة في المحجبات المحتشمات الحريصات على الخير.
نكرر: حرصنا على ضرورة أن تعجل بهذا الأمر، ونتمنى أن تتعوذ بالله من الشيطان، وليس من المصلحة أن تسأل الفتاة – أو تسأل الفتاة زوجها إن كانت له علاقات سابقة أو معارف سابقة – لأن هذا باب يفتحه الشيطان الذي أمر الله أن نتخذه عدوا، هذا الشيطان الذي همه أن يحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، ولن يخسر من يجعل الدين عنوانا له، ولن يخسر من يستشير، وعليك إذا تحيرت في أمر أن تلجأ إلى الله وتجتهد وتسارع إلى صلاة الاستخارة التي كانت لأهميتها كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعلمها لأصحابه كما يعلم السورة من القرآن، وإلى طلب الخير واللجوء إلى من بيده الخير سبحانه وتعالى.
لذلك نحن ندعوك إلى أن تترك التردد، وتبحث عن صاحبة الدين، وتشرك الأسرة في البحث، ثم بعد ذلك عليك أن تكرمها وتعيش معها، دون الالتفات إلى ماضي أي طرف منكما، فإن العبرة بأن يقبل الإنسان على هذا الدين ويعود إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، وعند ذلك سيجني الإنسان أطايب الثمار.
نسأل الله أن يعينك على الخير، ونؤكد لك أن الزواج فعلا هو العاصم الفعلي للإنسان من السقوط، وهو الحل الناجع كما قال الخبير البروفيسور الألماني: إن قضية الشهوات لا يمكن أن تحل إلا بالحل الذي وضعه الإسلام الذي أمر بالزواج وأمر بالإسراع فيه، ودعا المجتمع إلى أن يسهل على الشباب فقال: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإيمائكم} كأن قائلا قال: من أين المال؟ فقال رب العزة: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}.
نحمد الله على هذا الدين، وندعوك إلى أن تعجل بأمر الزواج، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، ويقدر لك الفتاة الصالحة التي تحرص على إكرامك وإسعادك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.