هل عدم الإنجاب ابتلاء من الله عز وجل أم هو انتقام؟

0 1056

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
أما بعد..

أنا سيدة متزوجة منذ أكثر من أربع سنوات، لم أرزق بعد بأطفال، وهذه المشكلة تؤرقني، فأنا أتعذب كثيرا من هذا الحرمان، وخاصة أن الشهور تمر أمامي، وكل محاولاتي في الإنجاب باءت بالفشل، فأنا أبكي يوميا، لاسيما مؤخرا، فقد فشلت عملية أطفال أنابيب معي للمرة الثانية، و بالمقابل كل صديقاتي وقريباتي رزقن بأطفال - اللهم لا حسد -، ولكن لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير بهذا، وأحيانا أحس بغيرة شديدة، ثم أعود على نفسي وأقول: لو أن الله أحبني لكان ملأ حياتي بطفل سليم وجميل يؤنسني.

عموما منذ زواجي لم أفرح قط، بل على العكس، همومي كثرت، ومشروع المنزل الجديد تأخر، ومشاكلي في العمل ازدادت، وعدم الإنجاب لا أجد له حلا، فأنا أصلي، وأقوم الليل، وأكثر من قراءة الأذكار.

أرجو منكم مواساتي، والتخفيف عن آلامي، لأنني أحيانا أقول في نفسي: أن الله عز وجل يمتحنني، ولكن عندما تضيق بي نفسي أقول: إن هذا ربما يكون انتقاما منه عز وجل، ولا أجد من يواسيني سوى الاستغفار.

الهم أصلح حالي وحال جميع المسلمين، آمين يا رب العالمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

بداية نشكر لك - ابنتنا الفاضلة – هذا التواصل مع الموقع، ونشكر لك الوضوح في عرض هذا المشكل، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يسعدك بالذرية الصالحة، وأن يعينك على الخير، وأن ييسر أمرك وأمورنا، وأن يلهمنا وإياك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأرجو أن تعلمي – بنتي الفاضلة – بداية أن العطايا في الدنيا والمنح والأولاد والمنن والنعم ليست دليلا على رضا الله تبارك وتعالى على الإنسان، وإلا فلأن الدنيا رخيصة فإن الله يعطيها للكافر والمؤمن، فقد نجد كافرا منعما عنده أولاد {وبنين شهودا}، فهذا ليس دليلا على أن الله راض عنه، لأن الله ما رضي الدنيا ثوابا لأوليائه، وهذه الدنيا جاع فيها كليم الله موسى، وجلس محتاجا متعبا تحت ظل شجرة، وقال: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، فهذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، جاع فيها رسولنا وتعب، وربط على بطنه الحجر من شدة الجوع – عليه صلاة الله وسلامه - .

فإذن نحن لابد أن نصحح هذه النقطة الأولى.

الأمر الثاني: لابد أن تدركي أن نعم الله مقسمة، فأنت لم ترزقي الولد، ولكن من الواضح أن عندك وظيفة، وأن عندك مشروع بيت جديد، وهناك من لا يملك بيتا، ومن لا يملك درهما ولا دينارا، فاحمدي الله على ما أولاك من نعم.

ففكري دائما في النعم التي عندك أنت، فالله تبارك وتعالى قد يعطي المرأة زوجا ويعطيها أطفالا ولكن يحرمها من المال، يحرمها من الوظيفة، يحرمها من العافية، فنعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يتعرف على نعم الله عليه، نعمة العافية، نعمة العمل، نعمة الأهل، نعمة الزواج، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.

فالإنسان يتعرف على النعم التي يتقلب فيها ثم يؤدي شكرها، وبهذا الشكر ينال المزيد عند الله تبارك وتعالى، فتذكري أن نعم الله مقسمة، وأن هناك من عندها أطفال لكن تتمنى لو أنها لم يكن عندها أطفال، هناك من عندها زوج لكن تعيسة تتمنى لو أنها لم تتزوج أصلا، لذلك ينبغي أن يدرك الإنسان أن السعادة لا ترتبط بهذه الأمور، بل السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

واعلمي أن الحال سيتغير عندك عندما يمتلأ قلبك بالرضا عن الله وبالرضا بالله وبشكر نعم الله تبارك وتعالى الكثيرة جدا عليك، وننصحك بأن تنظري إلى من هم دونك في العافية، في الوظيفة، في الحياة، في الجمال، في كل شيء (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، كي لا تزدروا نعمة الله عليكم).

كذلك إذا وجدت نعمة الله تنزل على الزميلات فاسألي من وهبهن أن يعطيك، فالإنسان ينبغي كما قال نبي الله زكريا لما دخل على مريم ووجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وهو المتكلف بطعامها، قال: {يا مريم أنى لك هذا * قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} ماذا فعل نبي الله زكريا؟ المؤمن يفرح بنعمة الله على إخوانه وعلى أخواته، ثم يتوجه إلى العظيم {هنالك دعا زكريا ربه} يا من أعطيت مريم، يا من أعطيت هذه المسكينة أعطني سؤلي، {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}، وأدعية نبي الله زكريا مما ندعوك للمواظبة عليها {رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين}، وندعوك كذلك إلى كثرة الاستغفار، والصلاة والسلام على رسولنا المختار عليه صلاة الله وسلامه، فإن الاستغفار سبب لمجيء الولد – مجيء الذرية، لأن الله قال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا} ما هي النتائج؟ {نرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.

فاشغلي نفسك بالاستغفار، وبالصلاة على رسولنا المختار، بالتوجه إلى من يجيب المضطر إذا دعاه، وحاولي دائما أن تكوني عونا للمحتاجين ليكون العظيم في حاجتك، فإن الإنسان إذا كان في حاجة إخوانه وأخواته كان العظيم في حاجته تبارك وتعالى، واحرصي دائما على أن تشغلي نفسك بطاعة الله، واعلمي أن ما يختاره الله لك أفضل وأحسن، وأن الذرية ستأتيك في الوقت الذي قدره الله، والسعادة ليست في الذرية، وليست في المال، وليست في الوظيفة، ولكن كل هؤلاء يبحثون عن السعادة ولكنهم أخطأوا طريقها.

فالسعادة في طاعة الله، وفي الرضا بالله، في الرضا عن الله، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) فاشغلي نفسك بما يرضي الله تبارك وتعالى، واعلمي أن هذه المسألة لا يستطيع الإنسان أن يقول فيها: ( أن الله لا يحبني أو كذا)، لأن هذا يعد فهما مغلوطا، {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا...}، فهذا غير صحيح، لذلك قلنا: الدنيا هذه لأنها حقيرة، ولأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سقي الكافر منها جرعة ماء.

ولذلك ينبغي أن تكون هذه المعاني واضحة، فاشغلي نفسك بالمفيد، وتوجهي إلى الله، وأكثري من اللجوء إليه، وتجنبي التسخط على أقدار الله وعدم الرضا عما قدره الله، لأن هذا أمر خطير لا نريد أن يبتلى به أمثالك ممن تصلي وتصوم وتقوم الليل، وينبغي أن تتذكري هذه المعاني.

ونتمنى أيضا ألا تكرري عبارة: (أنا أصوم وأصلي، وكذا) فالإنسان لا يمن على الله بطاعته، ولا يدل على الله بما يقول من طاعات، ولو كان كل أهل الأرض على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئا، ولو كنا أهل الأرض جميعا على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملك الله في شيء.

لذلك الإنسان يطيع العظيم ويشعر بالتقصير، ولذلك يستغفر الله بعد صلاته، يفعل الخير ثم يستغفر الله، ويرجو الخير الذي عند الله، واعلمي أننا بالشكر نحفظ ما عندنا من نعم، {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وبشكرنا ننال المزيد، فالشكر هو الجالب للنعم، والشكر هو الحافظ للنعم، فاشكري الله تبارك وتعالى، وواظبي على ذكره.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يسعدك بالذرية الصالحة، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات